وقت الإدارة العـلمية


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الإدارة العلمية كما قد يـفهمها البعض وكما يشير الاسم، لا تعني استخدام العلم بمعناه الحرفي في الإدارة ولكنها تعني استخدام أسس علمية مدروسة لتطوير ممارسة إدارية ضد العشوائية والتسيب والصدفة وترك الحبل على الغارب. والآخذ بالأساليب العلمية المتطورة عند اتخاذ القرارات ومعالجة المشاكل الإدارية المستعصية هي الركيزة التي أوصلت الغرب واليابان إلى ما هم عليه اليوم من ازدهار ورفاهية وتقدم صناعي لا يبارى. فالغرب تمكن من توظيف الأساليب العلمية للتحكم في نتائج الثورة الصناعية وتوجيهها التوجه الصحيح حتى أتت آكلها، فعملت المصانع وازدهرت فأصبحت الأمة تأكل ما تـنـتج وتلبس ما تصنع فاكتملت دورة الإنتاج– الاستهلاك وأصبح الدخل القومي ينمو نمواً فائقاً أوصل هذه المجتمعات إلي قمة الحضارة الحديثة. أما اليابان فقد نجحت نجاحاً منقطع النظير لأنها وظفت الأساليب العلمية المدروسة في غالبية مجالات العمل من القيادة والتدريب والتسويق إلى الإنتاج المخزون والنقل فأصبحت هناك مفاهيم إنتاجية وتسويقية وتنظيمية خاصة باليابان ساعد تطبيقها على تحقيق الثورة اليابانية الهائلة التي نشاهدها عياناً بياناً.

 

 قد تكون العلاقة ما بين الإدارة العلمية والثورة الصناعية كالعلاقة بين الدجاجة والبيضة لا أحد يدري من أتى أولا ولكن من المسلمات في التاريخ الإداري أن النهضة الصناعية الكبرى التي عاشها الغرب كانت مدفوعة ومدعومة بأساسيات عرفت أول مرة مع بروز ما يسمى بالإدارة العلمية. فالثورة الصناعية حدثت بسبب الاستفادة من اختراعات وتقنيات وتطورات فنية حصلت في تخصصات مختلفة كالفيزياء والاتصالات والهندسة الميكانيكية وغيرها أما استمرار المسيرة الصناعية ونضوجها وتوسعها حتى وصلت إلي قمة المجد والحضارة الصناعية في منتصف هذا القرن فقد تمت على أكتاف الإدارة وخاصة الإدارة العلمية.

 

 إغفال الأسس العلمية للإدارة في السابق قد يجد له مبررات معقولة حيث الطلب المتزايد والسوق الناشئ والمستهلك المندفع. ولكن في أيامنا هذه الوضع مختلف تماماً. فالطلب يتجه نحو التقلص والسوق نحو (الزحمة) والمستهلك تحول إلى مشتري متردد ومتسائل، ولن تكون نظرة متطرفة إذا توقعنا أن يكون مستهلك رشيد يوازن التكاليف الحدية مع المنفعة الحدية ويشتري بأسلوب علمي واقتصادي ويهتم بمعادلة السعر/ الجودة وهذه صفات لم تكن موجودة في عصر الطفرة والبتر ودولار.

 

 اليوم ومع تهديدات العولمة وتطورات التـقنـية الإلكترونية سيصبح الأسلوب العلمي\"حـتمية\"في التسويق والإنتاج والتـنظيم وأداره العناصر البشرية. لذا، يجب على الشركات الوطنية أن تنمي قدراتها في هذا المجال وأن تعمل بشكل جدي على الاستفادة من أسس القرار العلمي في الإدارة. وهذا المطلب ليس دعوة إلى اكتـشاف نظريات جديدة في الإدارة فالأسلوب العلمي حقيقة موجودة ويسهل الوصول أليها، نحن فقط بحاجة إلى الركض. الجامعات السعودية مثلاً تملك القدرة على تخريج طاقات وطنية من الممكن أن تساعد الشركات على تصميم نظم علمية لإدارة عملياتها ووظائفها المختلفة. وخريجو أقسام بحوث العمليات والأساليب الكمية وأداره الأعمال والاقتصاد لديهم القدرة العلمية إن وجدوا التـشجيع والفرصة. ولكن لدينا أضحى\"وضع الشخص الغير مناسب في المكان الغير مناسب\"ظاهرة مستفحلة بفعل الواسطات والمحسوبيات. وإلا ما الذي يجعل خريج المكتبات، مثلاً، يعمل في إدارة الإنتاج في مصنع منـظفات،\"وعند العرب كله صابون\"!!

 

 التأسيس العلمي للإدارة سيفيد في ترشيد الاستهلاك وتقليص التكاليف لدى الشركات الوطنيةº لأنه يطور معادلات بسيطة تصور الوضع المعقد للشركة ومن هنا يسهل استـنتاج الطرق المؤدية إلى زيادة الأرباح أو خفض التكاليف. فمثلاً في الإدارة بالأسلوب العلمي ستخـتفي وإلي الأبد ظاهرة\"إعلانات الموضة\" التي تظهر بين الفيـنة والأخرى بناء علي رغبة شخصية أو مزاجية مسيطرة أو تقليد أعمى. الإعلان في الأسلوب العلمي يسعى إلي تعظيم الفائدة (optimization) بتحقيق توازن مدروس للنواحي الاستراتيجية والاقتصادية لـينـتج (صيغة) إعلانية توازن بين التكلفة واحتمالات الإقبال الاستهلاكي (الشراء) وتكون مدروسة وقتاً وأسلوباً بحيث تحقق الهدف المرجو بأسلوب علمي وليس بطريقة عشوائية قد تصيب وقد تخطئ.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply