نحو طريق أفضل للاستماع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 إنّ عدم الإصغاء يشعر المتكلم بعدم حيازة ما يقوله للقبول، و لذلك لا يشجعه على إخراج ما في نفسه من أحاسيس وأفكار، وربما يدفعه للاختصار أو التغطية والتمويه أو تحوير الموضوع. والطريق الصحيح إلى تشجيع المتكلم على إخراج ما في نفسه هي أن نشعره بقبولنا لحقه في الكلام، قد نختلف معه في المحتوى الذي قاله أو سيقوله، لكن يجب أن لا نعطيه الإحساس بأن ما سيقوله لا يهمنا، يجب أن نشعره أننا بجانبه لنسمع ما يقول دون التدخل بإرشاد أو توجيه أو تقويم إلا في الوقت المناسب، بعد أن نفهم ما قاله ونحوز ثقته ومن بعدها لربما طلب المتكلم نفسه رأينا وتقويمنا.

 

الطرق المثمرة في الاستماع:

هناك طريقتان للاستماع أثبتتا فاعلية في إتاحة الفرصة للمتحدث ليخرج ما في نفسه،هما:

 

طريقة فتح الباب:

وتتلخص هذه الطريقة في إتاحة المجال للمتحدث ليقول المزيد، وذلك دون أن يقدم المستمع رأياً أو توجيهاً، وإنما يفتح الباب له ليشاركه في مشاعره وأحكامه وأفكاره، وذلك عبر ترديد كلمات تدعو المتحدث للاستطراد مثل: آه.. فهمتك، أم م م، هذا أمر يدعو للاهتمام، أحقاً؟، هل فعلت ذلك؟ أتعني ما تقول؟ أيمكن أن يحدث هذا؟ أخبرني المزيد عن ذلك، أتمنى أن أعرف المزيد عن ذلك، أحب أن أعرف فكرتك عن ذلك. أتحب أن تخبرني عن ذلك؟ لنبحث الأمر، دعني أسمع ما عندك، أخبرني كل القصة، يبدو أن عندك ما تقوله.\"[1]

 

في طريقة فتح الباب عموماً يكون المستمع في حالة سلبية، يستمع ولا يتدخل برأي، ويردد كلمات ربما إذ كثرت ملها المتكلم وعدها نوعاً من عدم الاكتراث بما يقول، وبالتالي تكون غلقاً للباب لا فتحاً له، لذلك ينصح فيها بعدم تكرار عبارة واحدة لتحفيز المتكلم على مواصلة الكلام، ويستحب التنويع في العبارات.

 

 الاستماع المشجع:

 إن طريقة الاستماع المشجع تشمل أربعة[2] مراحل متدرجة هي:

 

1/ تقليد المحتوى: هذه الطريقة تتخلص في الاستماع لكلمات المتحدث وإعادة النطق بها، وهي قريبة جداً من طريقة فتح الباب، مثلاً:

 

الابن: أبى لقد سئمت من المدرسة ولا أراها تفيدني أبدا.

 

الأب: لقد سئمت المدرسة ولا تراها تفيدك أبدا.

 

ما قام به الأب هنا هو فقط تكرار ما قاله الابن، وهو لم يقع في تلك الاستجابات الأربعة التلقائية: التقويم، التحقيق، النصح، التفسير فقط أظهر الأب اهتمامه بما قيل، لكن ليفهم هذا الأب ابنه يجب أن يفعل أكثر من ذلك.

 

هذه الطريقة لا تهتم كثيراً للشخصية أو العلاقات وربما تكون مهينة للمتكلم وربما تدفعه إلى الصمت لما فيها من تقليد وسلبية، لكنها في وجود الشخصية القوية والعلاقات الجيدة تجعلك تنصت وتتفهم ما يقال.

 

2/ إعادة صياغة المحتوى: هذه الطريقة أكثر فعالية من سابقتها لكنها لا تزال في إطار المخاطبة اللفظية.

 

الابن: لقد سئمت المدرسة ولا أراها تفيدني أبدا.

 

الأب: أنت لا تريد الذهاب إلى المدرسة أبدا.

 

هذه المرة أنت وضعت معنى كلامه في صياغتك الخاصة وهذه فيها تفكير فيما قيل أكثر من سابقتها.

 

3/ عكس الأحاسيس: وهذه الطريقة تمضي أعمق من الكلمات إلى الأحاسيس والمشاعر، فهي تخاطب عقل و وجدان المتكلم، مثلاً يمكن للحوار السابق أن يكون كالآتي:

 

الابن: لقد سئمت من المدرسة ولا أراها تفيدني أبدا.

 

الأب: أنت محبط حقاً.

 

فالأب الآن لا يهتم بما يقوله الابن فقط بل يهتم للحالة النفسية التي هو فيها كذلك.

 

4/ صياغة المحتوي مع عكس الأحاسيس: – وهذه الطريقة تتطلب فهما أعمق لما قيل، كما تتطلب تجويدا لقراءة تعبيرات الوجه و عضلات الجسم، و نفاذاً للأحاسيس والمشاعر وحسن ترجمتها.

 

الابن: أبي لقد سئمت من المدرسة ولا أراها تفيدني أبدا.

 

الأب: انك محبط حقا بشأن الدراسة والمدرسة.

 

إن ما ينتج من استخدام الطريقة الرابعة عجيب حقاً إذ أنك بعكس الأحاسيس وإعادة صياغة المحتوى تخلق جوا نفسياً مريحا للتخاطب والتفاهم ما يساعد في إزالة الحواجز بينك وبين ما يدور بداخل المتحدث و يريد أن يوصله إليك، انه لا يحس بشيء ويفكر فيه ثم ينقل لك شيئا آخر، إنه سيبدأ في الثقة بك ومصارحتك.

 

التفهم واختلاف الفهم:

عندما يتعلم الإنسان كيف يستمع بتفهم للآخرين سيكتشف اختلافا كبيرا في طرائق التفكير والفهم عند الآخرين، وسيقدر ويثمن أهمية هذا الاختلاف لحياة المجتمعات، يقول - سبحانه و- تعالى -: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}[3]، ويقول {فسالت أودية بقدرها..}[4]

 

إن طريقة تفكيرنا وفهمنا قد تختلف كثيرا غير أن ذلك لا يعني أن لا نعمل أونعيش معاً، لماذا لا نسمع بتفهم إلى بعضنا البعض نأخذ ونعطي ونتحاور حتى نصل إلى ما يرضي طموحنا جمعياً، ونحقق التكامل الذي يحتاجه المجتمع المسلم.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] التربية الفعالة: عبد اللطيف الخياط، ص22

[2] انظر كتاب الخصال السبع للأشخاص الأكثر تأثيراً، لمؤلفه استيفن أر كوفي، لخصلة الخامسة.

[3] الزخرف 32

[4] الرعد 17

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply