قوة الإرادة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

يذكر أنَّ رجلاً كان يبيع القماش, ويدور به على البيوت ( فرَّقنا ), وفي ذات يوم, وهو يعرض بضاعته لإحدى زبائنه, دخلت المرأة إلى داخل المنزل لتأتيه بالنقود, ثم استنجدت به, فدخل مسرعاً المنزل لنجدتها, فإذا بها تغلق الباب, وتقول له: كما قالت امرأة العزيز ليوسف, وتقول له: لو لم تفعل لصحت بك, وأخبرت الناس أنك هجمت علي, تريد فعل الفاحشة بي, فما كان منه إلا أن طلب منها أن تسمح له بأن يزيل عن نفسه آثار العرق, فيغتسل في دورة المياه, وليكن لها ما تشاء, فسمحت له بالدخول في دورة المياه, وبدلاً أن يغتسل بالماء لطَّخ وجهه بغائطه. وخرج لها في منظر قبيح منفر, ورائحة كريهة, فطردته من المنزل.

تقول القصة: أنه بمجرد خروج الرجل من المنزل تغيرت رائحة الغائط إلى رائحة مسك يفوح, فلقِّب ذلك الرجل بالمسكي, وما زالت عائلته معروفة إلى اليوم.

هذه القصة تدل دلالة واضحة على أنَّ بائع القماش كان يمتلك إرادة قوية مكنته من الامتناع عن الوقوع في المحرم. وكم من أناس يعرفون المحرمات, ويخافون من الله, لكنهم ضعاف الإرادة, فسرعان ما يسقطون أمام الشهوة والإغراء, وكم من أناس يعرفون الخير, وأن الله أمر به أو حض عليه, ولكنهم لا يقوون على فعله لضعف إرادتهم.

فأحببت أن أتحدث عن الإرادة من خلال الأمور التالية:

أولاً : تعريف الإرادة .

ثانياً : أنواع الإرادة .

ثالثاً : علاج أمراض الإرادة .

والله أسأل أن يقوي إرادتنا وعزائمنا على فعل الخير , وترك المنكر.

 

أولاً – تعريف الإرادة:

الإرادة هي: الطاقة والقوة التي بداخل الإنسان والمسئولة عن قيامه بأفعاله الاختيارية فعلاً أو تركاً.

هناك أفعال لا اختيار للإنسان فيها, كالتنفس , ونبضات القلب, فهذه تحصل من الإنسان دون إرادة منه واختيار.

وهناك أفعال اختيارية, يقوم الإنسان بها بحرية بدون جبر أو اضطرار من أحد له على فعلها, كالأكل والشرب والعمل وآداء الطاعات, والوقوع في المعاصي والمنكرات.

ولقد أعطى الله - سبحانه وتعالى - الإنسان القدرة على الفعل والترك, ولولا وجود هذه القدرة والإرادة في الإنسان لما كلَّفه الله, ولذلك فالمكره والمضطر وغير المختار وفاقد القدرة يرفع الله عنه التكليف.

 

ثانياً- أنواع الإرادة:

الإرادة نوعان: سليمة ومريضة.

النوع الأول: الإرادة السليمة: وهي الإرادة التي تمكن صاحبها من تنفيذ جميع رغباته الممكنة. كالصلاة في الجماعة, وقراءة القرآن, وطلب العلم, وبر الوالدين, والعمل والكدح في الحياة,.. وكذلك ترك النظر إلى ما حرم الله, أو الاستماع إلى ما حرم الله, أو التعامل بما حرم الله, ونحو ذلك.

 

النوع الثاني: الإرادة المريضة:

وهذه قسمان:

القسم الأول: المريضة بالضعف, وتسمى الإرادة الضعيفة:

وهي إرادة الشخص التي لا تمكنه من فعل أو ترك ما يريد, رغم أن ذلك في حدود الطاقة البشرية, فتتحطم كثير من آماله وطموحاته بسبب ضعف إرادته.

يرغب في حفظ القرآن, فما هي إلا صفحات وينقطع.

يرغب في المواظبة على الصلاة في الجماعة, فما هي إلا أيام وينقطع.

يرغب في ترك المعاصي والمنكرات, فما هي إلا أيام ويرجع, هذا إذا استطاع أن يمتنع. وهكذا.

 

القسم الثاني: المريضة بالاتجاه نحو الشر والمعصية:

وهي إرادة قوية, لكن وجهها صاحبها نحو المعاصي والمنكرات وما لا فائدة فيه, فهي قوية بدلالة نجاحها في فعل أمور من المحرمات تحتاج إلى قوة في الإرادة لإنجازها, وقوية بدلالة نجاحها في أموره الدنيوية, وتحقيقه لنفسه الدخل الكبير والمسكن الرائع, ونحو ذلك. لكنه عندما يريد من نفسه فعل الخيرات يجدها لا تطاوعه في ذلك.

 

ثالثاً – علاج أمراض الإرادة:

أ- بالنسبة لضعف الإرادة, فعلاجها يكون بالتمرين المتدرج, فيبدأ يمرن نفسه على أعمال خير سهلة يسيرة محببة للنفس, وعلى ترك معاصي ليست متمكنة منه, فإذا نجح في ذلك, كافأ نفسه وانتقل إلى غيرها, حتى تقوى إرادته بإذن الله.

يمكننا تشبيه الإرادة بعضلات البدن, فعندما تكون عضلات بدنك ضعيفة, فطريقة تقويتها بالتمرين المتدرج, وهكذا الإرادة.

ومن المهم جداً, أثناء التدريب العناية بما يلي:

1- إيجاد الميل والرغبة في النفس لذلك.

ويكون ذلك عن طريق القراءة والاستماع عن فضائل ذلك الأمر الخير, وعن طريق التعرف على قبائح ذلك الأمر السيئ.

2- مراعاة المداومة على الفعل أو الترك فترة كافية.

فقبل أن تنتقل إلى شيء جديد, مكِّن ذلك الأمر في نفسك تماماً, ثم انتقل إلى غيره.

فبإيجاد الميل والرغبة والتنفيذ والمداومة على ذلك فترة كافية تتكون العادة الجديدة, وتقوى الإرادة بإذن الله.

 

ب- بالنسبة للاتجاه نحو الشر:

فأفضل طريقة للتغيير هي التفكير والمحاسبة والمقارنة, فقوي الإرادة لا يمكن أن يغير برامجه إلاَّ بقناعة داخلية ذاتية.

ومثاله: خالد بن الوليد, كان من أشد أعداء الإسلام, وموقفه يوم أحد والأحزاب والحديبية وعمرة القضاء معروف. ثم عندما حاسب نفسه, وفكر, واقتنع, غير طريقه مباشرة, وما هي إلا أربعة أشهر, ويستلم فيما بعد قيادة غزوة مؤتة بعد وفاة قوادها الثلاثة, ويكون انسحاب يعتبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحاً ونصراً.

فإذا قارن الإنسان بين طريق الطاعة وطريق المعصية من ناحية المبدأ والوسط والنهاية, وكان قوي الإرادة, فلا بد أن يسير في طريق الخير.

فطريق الخير بدايته تعب, ويعقبه سعادة, ونهايته جنة عرضها السموات والأرض.

وطريق الشر بدايته لذة, ويعقبه ضيق وألم, ونهايته نار تلظى عياذاً بالله من ذلك.

 

أسأل الله أن يقوي هممنا وعزائمنا لفعل الخيرات وترك المنكرات, وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply