اليوجينيا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

طب البقاء لمن يستحق وإبادة من تبقى !!

 (تحسين النسل جينياً باختيار الأزواج الحاملين لصفات وراثية مرغوبة)

\"وما علينَا إلا البلاغُ المُبِينُ\" (سورة يس: 17).

\"قَالُوا سُبحَانَكَ لاَ عِلمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمتَنَا إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ. \" (سورة البقرة: 32).

 

لا بد أن الكثيرين منا لم يسمعوا بهذا المصطلح \"اليوجينيا\" ولا يعرفون حتى ماذا يعني ولا ماذا يخبئ وراءه من حرب إبادة يجهل معظمنا قواعدها، فلا شك أن الاهتمام بالنواحي الصحية للفرد والأسرة والمجتمع وتحسين النسل هو الهدف الرئيسي لشعوب العالم المتقدمة بغية تكوين مجتمع يتمتع أفراده بالقوة البدنية والعقلية، لكن أن يتعدى هذا الأمر إلى التمييز بين الناس وإبادة شعوب بكاملها فهو أمر خطير لا بد من التوقف عنده. وتحسين النسل وراثياً يطلق عليه اسم “يوجينيا Eugenics” وهي كلمة مشتقة من عبارة يونانية تعني الفرد الطيب الحسب والنسب، النبيل العرق ويتم هذا التحسين بانتقاء مجموعة من الأفراد هم الأكثر صلاحية من غيرهم لامتلاكهم صفات وراثية مرغوبة وتشجيعهم على الزواج بمن كان مثلهم وحملهم على التكاثر ومساعدتهم على تربية أطفالهم وإجراء الفحوصات الجينية للراغبين في الزواج قبل إتمامه للوقوف على مدى ما تحمله جيناتهم من تشوهات أو أمراض وراثية وذلك لتجنب إصابة أبنائهم بالأمراض والتشوهات التي قد تنتقل إليهم من أسلافهم كأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الدم مثل أنيميا الخلايا المنجلية والثلاسيميا ومرض نزف الدم (هيموفيليا) ومرض البول السكري وتليف الرئة الكيسي أو الحويصلي وضمور العضلات، وأمراض الجهاز المناعي والتشوهات الكروموسومية الجسمية والجنسية وغيرها.

 

ومعظم الناس لم يسمعوا عن اليوجينيا ومن سمع عنها يعتقد أنها قد انتهت مع هزيمة هتلر عام 1945 بعد أن جاء بفكرتها السير فرانسيس جالتون الذي صاغ المصطلح عام 1883م إذ رأى أن التطور الصحيح للجنس البشري قد انحرف، حيث قادت نزعة الخير لدى الأثرياء وإنسانيتهم، إلى تشجيع (غير الصالحين) على الإنجاب الأمر الذي أفسد آلية الإنجاب الطبيعي، ومن ثم أصبح جنس البشر في حاجة إلى نوع من الإنجاب الصناعي، أطلق عليه اسم “اليوجينيا “ ويعني “علم تحسين الإنسان عن طريق منح السلالات الأكثر صلاحية فرصة أفضل للتكاثر السريع مقارنة بالسلالات الأقل صلاحية”. ويرجع تاريخ تربية أناس افضل إلى أفلاطون فعلى رأس “جمهوريته” كان فلاسفة يتمتعون بالصحة الطيبة والقدرة العالية على التفكير أما محدودو الذكاء فكانوا يشغلون المواقع الدنيا من الهيراركية وكان على حكام الجمهورية أن يدبروا أمر تزاوج المرغوبين وأن يتيحوا لكل من يُبلي بلاء حسنا في الحروب فرصا أكبر للإنجاب، وهذه الأفكار الأفلاطونية تعادل ما نسميه اليوم “اليوجينيا الإيجابية”. ويوضح البروفيسور أحمد مستجير في كتابه الثورة البيولوجية تحت عنوان “سقط القناع” أن جوهر التطور هو الإنجاب الطبيعي، وجوهر اليوجينيا هو استبدال الإنجاب الطبيعي بإنجاب اصطناعي واعٍ,، بهدف الإسراع في تطوير الصفات المرغوبة والتخلص من الصفات غير المرغوبة بهدف تحسين الأجيال القادمة على حساب الأجيال المعاصرة. وأشار إلى أن الفرض المستتر هو أن هناك من البشر من هم أفضل من غيرهم، من يستحقون أن ينجبوا أكثر من الآخرين وأن يُمثلوا في الجيل التالي بنسبة تفوق نسبتهم في الجيل الحالي ويتم ذلك بزيادة نسل من \"يستحقون\" (اليوجينيا الإيجابية) أو بتقليل نسل من \"لا يستحقون\" (اليوجينيا السلبية) موضحا أن التحوير المتعمد لجنس البشر لأهداف اجتماعية هو ما تطمح إليه اليوجينيا، فعندما يتغلب الإنسان على تطوره البيولوجي، سيكون وضع الأساس للتغلب على كل شيء آخر، سيصبح الكون أخيرا طوع بنانه.

 

وتحت عنوان \"سَقَطَت اليوجينيا..ولم يسقط اليوجينيون..حروب وراثية\" نبه إلى أن موضوع بحث “اليوجينيا” يتمثل في دراسة العوامل الواقعة تحت التحكم الاجتماعي التي قد تحسّن أو تفسد الخصائص الطبيعية الموروثة للأجيال في المستقبل جسدياً أو ذهنياً، فقد ذاعت حركة اليوجينيا في أوائل القرن العشرين في أوروبا وأمريكا عندما كان علم الوراثة لا يزال طفلاً يحبو وانضم إليها وتعاطف معها الكثيرون من كبار المفكرين والعلماء والساسة والفلاسفة ورجال المال منهم براتراند راسل، ج. د. برنال، جوليان هكسلي، رونالد فيشر، برنارد شو، هافلوك إليس، د. هـ. لورانس، ألدوز هكسلي، هـ. ج. ويلز، روزفلت، تشرشل، جون روكفيلر. وقد قيل إن اليوجينيا رغبةٌ طبيعية في الإنسان الفرد و في الجماعة فلم يكن لدى الوالدين في فجر التاريخ أي مانع من قتل طفل لتوفير فرصة أفضل لبقاء أخيه بدلاً من موت الاثنين كما كانت محاولاتُ الإبادة الجماعية للأعداء وسيلةً معروفةً لتحسين فرصة بقاء العشيرة. وقد جمع الباحثون في هذه المعامل بيانات تتعلق بوراثة الإنسان وذلك بفحص السجلات المرضية وإجراء دراسات على العائلات الممتدة والدراسات على التوائم وأوصوا بالتدخل في تكاثر البشر لرفع تكرار الجينات الطبية اجتماعيا في العشيرة وخفض تكرار الجينات الرديئة إلا أن لهذا التدخل وجهين: الأول إيجابي من خلال معالجة وراثة البشر وتوليد أناس افضل أما الثاني فهو سلبي من خلال تحسين نوعية السلالة البشرية بتخليصها من (المنحطين بيولوجياً) من خلال منع (المتخلفين) عن الإنجاب أو مقاومة دخولهم الجماعات البشرية عن طريق الهجرة وبوسائل غير مشروعة. كان اليوجينيون قبل نهاية الحرب العالمية الثانية يعملون في العلن أما بعدها فقد اضطروا للعمل في الخفاء نظرا لارتباط مبادئهم بالنازية فبدأوا بممارسة \"اليوجينيا المستورة أو الخفية\"، ويوزعون الأدوار فيما بينهم لإعادة بناء اليوجينيا فجماعه تؤكد أيديولوجيا تفوق الجنس الآري الأبيض، وأخرى تعمل كي يصبح الإجهاض قانونيا في العالم بأسره وثالثة تطور وسائل منع الحمل ورابعة تعيد تسمية السيطرة على موارد العالم فتطلق عليها اسم \"الحفاظ على الموارد\" كمقدمه لاستعادة السيطرة عليها عندما يحين الأوان وخامسة تعمل في توجيه تدريس علوم البيولوجيا لتجمع في النهاية كل هذه الأجزاء المتناثرة وتصاغ في صورة سياسية اجتماعية. ويعمل اليوجينيون من خلال منظمات أخرى لا يحمل عنوانها كلمة “يوجينيا” ويسعون بمزيج من العرقية والعنصرية والدارونية إلى الإجهاض ووأد الأطفال وما سمّوه القتل الرحيم للمرضى المسنين إلى قتل المرضى والتعقيم وتدريس الجنس بصورة فاضحة تؤدي إلى حمل المراهقات والإجهاض وحبوب منع الحمل وغالباً ما يصلون إلى قلوب الناس وعقولهم عبر وسائل الإعلام والادعاءات الكاذبة بمقولة \"لا بد أن يترك الخيار للمرأة\" كتعبير تقدمي جميل بقيته \"في اختيار وسيله تحديد نسلها\"!! واستبدال كلمة \"الانتخاب\" بكلمة \"الاختيار\" و\"القدرة المعرفية\" ب \"معامل الذكاء\" وأصبحت \"الجمعية الأمريكية لليوجينيا\" تعرف باسم \"جمعية دراسات البيولوجيا الاجتماعية\" واستغلال الغموض والثغرات بالقوانين ليمكنوا الأطباء اليوجينيين من موالاة النشاط اليوجيني على أنه إجراءات طبية طبيعية تتم بناءاً على رغبة المريض وهدفهم الرئيسي هو تخفيض أعداد سلالات بذاتها وتحويلها إلى شظايا عقيمة لاعتقادهم بوجود الكثير من المرضى، الكثير من المتخلفين الكثير من الصينيين الكثير من الهنود، الكثير من العرب، الكثير من الناس، يزاحمون الإنسان الأبيض اليوجيني الأسمى ويربضون فوق أراض وفيرة الثروة لا يستحقونها. ويعتبر كبح جماح النمو السكاني من أبرز مهام اليوجينيا شجعته نخبة من البيض تستخدم قوة المال في دفع الدول الفقيرة إلى أن تطلب إبادة جزء من شعبها بهدف الاستيلاء على موارد العالم الثالث. وفي فجر القرن العشرين أصيب كبار رجال الصناعة الأمريكيين بالذعر عندما لاحظوا المعدل الكبير لنمو الأقليات والفقراء ووصول الملايين من المهاجرين إلى أمريكا كل عام وتوقعوا تغييرا جذريا للوضع العنصري والعرقي للأمة في نفس الوقت الذي يهاجر فيه السود من الجنوب إلى الشمال بأعداد غير مسبوقة وخوفاً من أن تتزايد الأقليات لتفوق البيض عدداً رأى رجال الصناعة أن الحل هو “اليوجينيا” فبدأ كبارهم مثل روكفيلر وهنري فورد وأندرو كارنيجي وآفريل هاريمان وبريسكوت بوش بتمويل حركة يوجينية تشجع الإجهاض والتعقيم والقتل الرحيم كسبيل لمواجهة هذه “المشكلة” الجديدة، بل إن عائلة هاريمان شركاء بريسكوت بوش، جد الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش، قد قامت بتوفير التمويل لألمانيا النازية كما أنشأت مكتب التسجيل اليوجيني في كولد سبرينج هاربور وهو موقع مشروع الجينوم البشري حاليا. وقد حققت اليوجينيا بعد الحرب نجاحا كبيرا في تطوير ونشر “تنظيم النسل” أبعد من كل خيال حيث تم خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية في العالم أكثر من مليار ونصف المليار عملية إجهاض فتناقص متوسط عدد الأطفال للمرأة بأكثر من الثلث في ظرف ثلاثين عاماً ونقص المتوسط في كل الدول النامية من 1. 6 طفل إلى 6. 3 طفل.

 

ثم أخذت اليوجينيا تطرق مدخلا جديدا هو تحويل نمط الحياة والثقافة لسكان العالم الثالث كي يتوافق أكثر مع نظرة الغرب المتحررة نحو الجنس والتناسل. وتوالت الأبحاث على مر السنين وكان التقدم الأكثر إثارة هو ابتكار المادة الوراثية المهجنة أو “دي إن إيه” المطعّم عام 1973 التي يمكن من خلالها قص قطعة من المادة الوراثية ثم وصلها بأخرى. ويعتمد محور اليوجينيا الحديثة على استخدام خارطة الجينوم البشري لمحاولة إنماء الذكاء في الرجل الأبيض واستخدام أساليب الهندسة الوراثية لتطوير أسلحة بيولوجية تبيد مجموعات عرقية معينة دون غيرها أو نشر أمراض معينة في أعراق دون أخرى وتهتم بدراسة الجينات ومواصفاتها لكي تتمكن تحديد “العرق اليهودي” ومواصفات جينية خاصة يستطيعون استخدامها كشيفرة خاصة تميزهم أمام هذه الأسلحة فلا تسبب لهم أي ضرر وتفتك بغيرهم من الأجناس. وقد خيم شبح اليوجينيا على التفكير في مشروع الشيفرة الوراثية البشرية في الولايات المتحدة ومن المتوقع لأول تتابع بشري كامل أن يكون عن شخص تركيبي له كروموسومات الجنسية (XY) ما يجعله عرفاً ذكراً ولكنه سيحمل في الواقع كروموسومات ذكرية أنثوية من بضع أمم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان أي مزيجا متعدد الجنسيات متعدد السلالات.. ومن المعروف أن لتحديد النسل مخاطر متعددة على صحة المرأة فقد ثبت علمياً أن استخدام أي نوع من وسائل تحديد النسل يعود بآثار وخيمة على الحالة الصحية للأم، فالجهاز التناسلي للمرأة يهيمن على وظيفة مجموعة من هرمونات التناسل تفرز من الفص الأمامي للغدة النخامية والمبيض وفي الحالة الطبيعية تفرز هذه الهرمونات بنسب مقدرة ومعينة بحيث إذا حدث فيها أي زيادة أو نقص أدى ذلك إلى حدوث حالة مرضية وبالتالي فإن الوسائل المستخدمة لمنع الحمل لها أضرار على من يتعاطينها أهمها اختلال التوازن الهرموني في الجسم وزيادة الوزن وتجمع كميات كبيرة من السوائل وحدوث التهابات شديدة في الجهاز التناسلي للمرأة وزيادة احتمالات تعرضها للنوبات القلبية المميتة خصوصاً لمن تجاوزن الثلاثين من العمر ولا سيما من تخطين الأربعين كما ثبت أن استعمال موانع الحمل ولا سيما الحبوب، قد يؤدي إلى الإصابة ببعض الأورام السرطانية. وفي الوقت الذي انتشرت دعوات تحديد النسل في معظم البلدان الإسلامية بحجة مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتُرصد لهذه الحملة أموال طائلة كان من الممكن توظيفها في مشاريع اقتصادية واجتماعية أكثر جدوى تؤكد التقارير أن ما يصرف على إنجاح حملة تحديد النسل في عام واحد من سيارات وأطباء وممرضين وممرضات وأدوية ومهمات وعمليات جراحية ومستشفيات وغيرها يكفي لرعاية أكثر من مليون طفل في حين أن زيادة الأطفال لا تتجاوز ربع مليون طفل.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply