السلوك العدواني عند الأطفال


بسم الله الرحمن الرحيم

 

العدوان

يعتبر السلوك العدواني أحد الخصائص التي يتصف بها كثير من الأطفال المضطربين سلوكيا وانفعاليا، ومع أن العدوانية تعتبر سلوكا مألوفا في كل المجتمعات تقريبا، إلا أن هناك درجات من العدوانية، بعضها مقبول ومرغوب كالدفاع عن النفس، والدفاع عن حقوق الآخرين وغير ذلك . وبعضها غير مقبول ويعتبر سلوكا هداما ومزعجا في كثير من الأحيان من هذا المنطلق فقد انصب اهتمام الباحثين على دراسة هذا السلوك، وذلك لأن النتائج المترتبة عليه تعد أكثر خطرا على المجتمع من النتائج المترتبة على نتائج السلوكيات الأخرى التي يتصف بها المضطربون سلوكيا وانفعاليا.

 

هو أي سلوك يعبر عنه بأي رد فعل يهدف إلى إيقاع الأذى أو الألم بالذات أو بالآخرين، أو إلى تخريب ممتلكات الذات أو ممتلكات الآخرين، فالعدوان سلوك وليس انفعالا أو حاجة أو دافعا .

أشار كل من (ميلر ودنفر) 1982 إلى أن هناك خمسة محكات أساسية نستطيع من خلالها تعريف العدوانية وتحديدها، وهذه المحكات هي: ـ

1ـ نمط السلوك .

2ـ شدة السلوك .

3ـ درجة الألم أو التلف الحاصل .

4ـ خصائص المعتدي .

5ـ نوايا المعتدي .

 

مظاهر السلوك العدواني:

يأخذ العدوان الأشكال الرئيسية التالية:

1ـ العدوان الجسدي: ويقصد به السلوك الجسدي المؤذي الموجه نحو الذات أو الآخرين، ويهدف إلى الإيذاء أو إلى خلق الشعور بالخوف، ومن الأمثلة على ذلك: الضرب، والدفع، والركل، وشد الشعر، والعض ... إلخ . وهذه السلوكيات ترافق غالبا نوبات الغضب الشديدة.

 

2ـ العدوان اللفظي: ويقف عند حدود الكلام الذي يرافق الغضب، والشتم، والسخرية، والتهديد ... إلخ . وذلك من أجل الإيذاء أو خلق جو من الخوف، وهو كذلك يمكن أن يكون موجها للذات أو للآخرين.

3

ـ العدوان الرمزي: ويشمل التعبير بطرق غير لفظية عن احتقار الأفراد لآخرين أو توجيه الإهانة لهم، كالامتناع عن النظر إلى الشخص الذي يكن العداء له، أو الامتناع عن تناول ما يقدمه له، أو النظر بطريقة ازدراء وتحقير.

 

وقد يأخذ العدوان شكلين آخرين وهما:

1ـ العدوان الاجتماعي: ويشمل الأفعال المؤذية التي تهدف إلى ردع اعتداءات الآخرين.

2ـ العدوان اللاجتماعي: ويشمل الأفعال المؤذية التي يظلم بها الإنسان نفسه أو يظلم غيره.

 

وقد يكون العدوان مباشر أو غير مباشر ..

فالعدوان المباشر هو: الفعل العدواني الموجه نحو الشخص الذي أغضب المعتدي فتسبب في سلوك العدوان .

 

أما العدوان غير المباشر فيتضمن الاعتداء على شخص بديل، وعدم توجيهه نحو الشخص الذي تسبب في غضب المعتدي، وغالبا ما يطلق على هذا النوع من العدوان اسم العدوان البديل .

 

وقد يكون العدوان متعمدا أو غير متعمد:

فالعدوان المتعمد: يشير إلى الفعل الذي يقصد من ورائه إلحاق الأذى بالآخرين .

 

أما العدوان غير المتعمد: فيشير إلى الفعل الذي لم يكن الهدف منه إيقاع الأذى بالآخرين، على الرغم من أنه قد انتهى عمليا بإيقاع الأذى أو إتلاف الممتلكات .

 

ويميز علماء النفس كذلك بين نوعين من العدوان وهما:

1ـ العدوان المعادي .

2ـ العدوان الوسيلي .

 

فالعدوان المعادي: موجه نحو الآخرين بهدف إلحاق الأذى والضرر بهم فقط .

أما العدوان الوسيلي: فيقوم به الطفل بدافع الحصول على شيء ما، أو استرداد شيء ما، وعادة ما يقوم الطفل بهذا النوع من العدوان عندما يشعر أن هناك ما يعترض سبيل تحقيقه لهدفه .

 

كما يذكر البعض ثلاثة أنواع من العدوان تلاحظ لدى الطلبة وهي:

1ـ عدوان ناتج عن استفزاز حيث يدافع الطالب عن نفسه ضد اعتداء أقرانه .

2ـ عدوان ناتج عن غير استفزاز: حيث يهدف الطالب من خلاله إلى السيطرة على أقرانه أو إزعاجهم أو إغاظتهم أو التسلط عليهم .

3ـ عدوان مصحوب بنوبة غضب، ويلجأ الطالب من خلاله إلى تحطيم الأشياء من حوله، ويبدو هنا كأنه لا يستطيع أن يضبط غضبه .

وأخيرا، لا بد أن هنا من الإشارة إلى العدوان السلبي، وهو العدوان الناتج عن التمرد على السلطة من أهل ومعلمين، حيث يشعر الطالب بأنهم ظالمون مستبدون، وأنه قد أسيئت معاملته من قبل هؤلاء المتحكمين، وهنا يخاف الطالب من الانتقام بشكل مباشر من مصادر السلطة، فليجأ إلى إظهار هذا العدوان على شكل خداع مبطن، كأن يتعمد إحضار الكتاب الخاطيء إلى الصف، أو تجاهل الواجبات المدرسية، إو إضاعة السطر أثناء القراءة، أو مقاطعة المعلم بشكل متكرر من أجل الذهاب إلى دورة المياه ... إلخ .

 

أمّا (باترسون وآخرون) فقد وصفوا أشكال السلوك العدواني كالتالي: ـ

1ـ السب والاستهزاء، كأن يذكر الفرد الوقائع أو المعلومات بلجهة سلبية .

2ـ التحقير، وهو إطلاق العبارات والشتائم التي تنتقص من قيمة الطرف الآخر وتجعله موضعا للسخرية والضحك .

3ـ الاستفزاز بالحركات، كالركض في الغرفة أو الخبط على الأرض بقوة .

4ـ السلبية الجسدية، كمهاجمة شخص لآخر لإلحاق الأذى به .

5ـ التدمير، وهو تدمير أشياء لآخرين وتخريبها .

6ـ التزمت بالآراء وطلب الإذعان الفوري من شخص آخر دون مناقشة .

 

أسباب العدوانية:

اهتم علماء النفس بالعدوان وحاولوا تفسيره رغم اختلاف مدارسهم واتجاهاتهم، وعلى الرغم من هذا الاهتمام إلا أن تفسيرات علماء النفس حول هذا السلوك متباينة، ويرجع هذا التباين إلى الأطر النظرية التي تعتمد عليها كل نظرية أو مدرسة من مدارس علم النفس .

 

1ـ النظرية السلوكية: تنظر إلى السلوك العدواني على أنه سلوك تتعلمه العضوية، فإذا ضرب الولد شقيقه مثلا وحصل على ما يريد، فإنه سوف يكرر سلوكه العدواني هذا مرة أخرى لكي يحقق هدفا جديدا . من هنا، فالعدوان هو سلوك يتعلمه الطفل لكي يحصل على شيء ما .

 

2ـ نظرية التحليل النفسي: يرى فرويد صاحب هذه المدرسة، أن سلوك العدوان ما هو إلا تعبير عن غريزة الموت، حيث يسعى الفرد إلى التدمير سواء تجاه نفسه أو تجاه الآخرين، حيث إن الطفل يولد بدافع عدواني، وتتعامل هذه النظرية كذلك مع سلوك العدوان بأنه استجابة غريزية وطرق التعبير عنها متعلمة، فهي تقول: بأنه لا يمكن إيقاف السلوك العدواني أو الحد منه من خلال الضوابط الاجتماعية أو تجنب الإحباط، ولكن ما نستطيع عمله فقط هو تحويل العدوان وتوجيهه نحو أهداف بناءة بدلا من الأهداف التخريبية والهدامة .

 

3ـ النظرية الفسيولوجية: يعتبر ممثلو الاتجاه الفسيولوجي أن السلوك العدواني يظهر بدرجة أكبر عند الأفراد الذين لديهم تلف في الجهاز العصبي (التلف الدماغي)، ويرى فريق آخر بأن هذا السلوك ناتج عن هرمون التستستيرون حيث وجدت الدراسات بأنه كلما زادت نسبة هذا الهرمون في الدم، زادت نسبة حدوث السلوك العدواني .

 

4ـ نظرية الإحباط: ترى هذه النظرية أن سلوك العدوان ينتج عن الإحباط، أي أن الإحباط هو السبب الذي يسبق أي سلوك عدواني، فالإنسان عندما يريد تحقيق هدف معين ويواجه عائقا يحول دون تحقيق الهدف، يتشكل لديه الإحباط الذي يدفعه إلى السلوك العدواني، لكي يحاول الوصول إلى هدفه أو الهدف الذي سيخفف عنده من مقدار الإحباط، وقد يكون هذا الإحباط ناتجا عن المعاقبة الشديدة غير الصحيحة للعدوان في المنزل، مما يسبب ظهور خارج المنزل . مع هذا، فقد تبين بشكل واضح أن هذه النظرية غير كافية لتفسير جميع السلوكيات العدوانية.

 

5ـ نظرية التعلم الاجتماعي: ترى هذه النظرية بأن الأطفال يتعلمون سلوك العدوان عن طريق ملاحظة نماذج العدوان عند والديهم ومدرسيهم ورفاقهم، حتى النماذج التلفزيونية .. ومن ثم يقومون بتقليدها، وتزيد احتمالية ممارستهم للعدوان إذا توفرت لهم الفرص لذلك . فإذا عوقب الطفل على السلوك المقلد فإنه لا يميل إلى تقليده في المرات اللاحقة، أما إذا كوفيء عليه فسوف يزداد عدد مرات تقليده لهذا السلوك العدواني، هذه النظرية تعطي أهمية كبيرة لخبرات الطفل السابقة ولعوامل الدافعية المرتكزة على النتائج العدوانية المكتسبة، والدراسات تؤيد هذه النظرية بشكل كبير، مبينة أهمية التقليد والمحاكاة في اكتساب السلوك العدواني، حتى وإن لم يسبق هذا السلوك أي نوع من الإحباط.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply