ملتقى النقد الأدبي .. مازال ورقة عمل مفتوحة !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

- السبيل: الأبحاث التي قُدّمت تُعدّ إضافة هامة للحركة النقدية.

- بافقيه: النقد هو الظاهرة الأبرز في العلوم الإنسانية الحديثة.

كانت نهاية الدورة الأولى لملتقى النقد الأدبي تحمل الكثير من التفاؤل في أوساط النقاد والمثقفين، ذلك أنها حظيت بدعم رسمي وإعلامي يتواكب وما حققته الحركة النقدية السعودية من حضور متميز خلال العقدين الأخيرين، وقد كان خطوة ناجحة كبداية لمشروع ثقافي يُنتظر منه أن يحقق الكثير للساحة الأدبية. وهنا نستعرض بعض الرؤى عن الملتقى وعن النقد عموماً..

 

نقد النقد والبعد الزمني

سألت الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام عن ملتقى النقد، وعن كونه جاء متأخراً من وجهة نظر بعض المثقفين فأجاب: \"لا أعتقد، إنه يجب القول بأنه تأخر لأسباب كثيرة، من ضمنها أن الحركة النقدية والحديث عن الرواد ونقدهم موجود في الحقيقة في عدد من البحوث والدراسات، كانت الفكرة في البداية للدكتور محمد الربيّع، وقد أكملها الزملاء من بعده، وتم تنفيذها الآن في ظل الإدارة الجديدة للنادي برئاسة الدكتور سعد البازعي جاءت كتتويج لكثير من الجهود، ثم تركيز هذه المجموعة من الرؤى في إطار عدد من البحوث التي تتناول هذه الفترة التاريخية المهمة، ثم إن الكثير من الدراسات والبحوث النقدية التي كُتبت في السابق كانت تسير ضمن إطار الحديث عن المنجز الإبداعي، لكن نحن الآن في مرحلة توقف للحديث عن المنجز النقديº فنحن الآن في مرحلة نقد النقد، وهي التي يقوم عليها هذا الملتقى، ثم إننا ننظر إليه من بعد زماني، وحتى الرؤية التي نُظر بها حالياً، ربما تكون مختلفة تماماً عن تلك الرؤية في ذلك الزمن، ولذلك ربما تكون رؤيتنا حاليا أكثر موضوعية على أساس أننا ندرك أن كثيراً من النقد في تلك المرحلة يتأثر بالعلاقات الشخصية والمواقف التي حدثت بين بعض الأدباء وبعضهم البعض، لكن نحن الآن نبتعد عن كل هذا، ونأخذ المنجز النقدي، ولذلك استطعت أن ألمس الكثير من الموضوعية والرؤية من خلال البحوث التي قُدّمت في الملتقى، والتي أتمنى أن تُطبع قريباً- فهي بلا شك ستمثل إضافة نقدية هامة للأدب في المملكة العربية السعودية\".

وحول رؤيته العامة للملتقى من حيث كونه توثيقاً لمرحلة سابقة وإمكانية استقراء تصورات مستقبلية للواقع النقدي من خلاله، قال الدكتور السبيل: \"أعتقد أن أي ملتقى أو أي بحث من شأنه تقديم صورة أكثر وضوحاً للموضوع الذي يتناوله، ولذلك تلحظ أن الكثير من المداخلات التي تأتي بعد بعض الأوراق في بعض الأحيان تكون أكثر إثراءً من الأوراق نفسها على أساس أن مهمة الباحث هي إعطاء مجموعة من الإضاءات التي يتفاعل معها الحاضرون والنقاد، فتنبع من خلالها رؤى نقدية أكثر شمولية\".

 

خطاب نقدي أم فلسفي؟

الناقد الدكتور حسين بافقيه تحدث عن الواقع النقدي الذي نزع إلى اتخاذ منحى جديد قائم على استقلالية الخطاب وتجاوز الخطاب الإبداعي، فقال: \"النقد أصبح في العقود الأخيرة - وبالذات النقد العالمي أكثر من النقد العربي- أصبح خطاباً فكرياً مقصوداً بذاته، وأصبح النقاد ينظّرون لمسائل كثيرة تتعلق بالثقافة، وأحياناً بالأمور ذات الطابع السياسي، وبالذات النقد الذي يستفيد من معطيات العلوم الاجتماعية والفلسفية، وما يتعلق خصوصاً بتحليل الخطابº فعندما نقرأ مثلاً بعض الآراء النقدية لميشيل فوكو، وهو مفكر في الأساس طبعاً لكنه يشتغل ببعض الأمور المتعلقة بالنقد، أو حتى الناقد العربي الأمريكي إدوارد سعيد تشعر أنهم تجاوزوا في نظرياتهم النقدية الكثير من الاهتمامات بالأمور التقليدية للنقد، فلم يعد النقد لديهم مقتصراً على القصة أو الرواية أو الشعر، بل صار يشتغل على ذاته، لا أتحدث هنا عن نقد النقد، وإنما عن الخطاب النقدي الذي تحوّل ليصبح أشبه بخطابٍ, فلسفي، و أصبح نقداً بحتاً خالصاً يشبه إلى حدما الفلسفة البحتة، ربما هذا أخرجه عن المفهوم العام للنقد، لكنه أصبح ممارسة فكرية خالصة، وعموماً لا يزال هناك اهتمام بمسألة المناهج النقدية وتطويرها، فالنقد ربما يكون أبرز ظاهرة في العلوم الإنسانية في القرن العشرين، لاسيما أن نقاد الأدب عادة ما يكونون ملمّين في نماذجهم المميزة بشبكة من المناهج أو النظريات، سواء كانت فلسفية أو في العلوم الاجتماعية لأن النقد بالأساس هو نص (تقميشي) يستمد قوته ونماءه من استفادته من بقية العلوم سواء كانت العلوم البحتة أو الإنسانية عموماً\".

 

الجمهور هو من يقرر!!

لم يكن مسئولو نادي الرياض الأدبي- وكما أعلن الدكتور البازعي في المؤتمر الصحفي الذي سبق الملتقى- لم يكونوا بصدد إعلان توصيات أو بيان ختامي على أساس أن المؤتمر تخصصي بحت ولا يترتب عليه قرارات أو إستراتيجيات، كما أكدت اللجنة المنظمة على تجاوز الصورة النمطية للتوصيات التي تُقدم نهاية كل مؤتمر، وتُنسى بمجرد انتهاء جلساته، وهو ما تعده مظهراً سلبياً متكرراً، ولذلك توجهت إلى استقراء أمور متوازنة وممكنة التنفيذ يمكن أن تكون أكثر جدوى وواقعية، وقد شهدت الجلسة الختامية الإعلان عن ورقة عملية قدمتها اللجنة المنظمة، وأعدتها بناء على رؤى المثقفين المشاركين في الندوات، وذلك من خلال استبانة، وُزّعت عليهم خلال الملتقى، وقد قرأها الدكتور محمد الربيع صاحب فكرة الملتقى حيث شكلت خطوطاً رئيسة ستكون ضمن أجندة النادي الأدبي بحيث تتم دراستها في جلسات اللجنة المنظمة، تمهيداً لتنفيذها من خلال الدورات القادمة، أبرز ما ورد فيها دعوة المثقفين لاستمرارية عقد الملتقىº إذ تم الاتفاق على أن يُعقد بشكل دوري كل سنتين، كما اقترح المثقفون عدة موضوعات محورية ليكون أحدها عنواناً فرعياً للملتقى في دورته القادمة ومنها: الدراسات النقدية الجامعية، والنقد البنيوي، والنقد الصحفي، ونقد الرواية وغيرها، كما تمت المصادقة على تكريم الأسماء النقدية البارزة في المشهد الثقافي، وإعادة طباعة كتب المرحلة النقدية المبكرة، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة، وكذلك طباعة بحوث الملتقى بعد مراجعتها في ضوء النقاشات والمداولات التي شهدتها الجلسات العلمية.

وقد ختم رئيس النادي الأدبي د. سعد البازعي جلسات ملتقى النقد بكلمة مختصرة، تحدث عن أمور تنظيمية سيتم تلافيها في الدورات القادمة، ومن ذلك عدم طباعة البحوث أو توزيعها قبل الندوات، وأرجع ذلك إلى تأخر الباحثين أنفسهم في تقديم أوراقهم إلى اللجنة المنظمة، كما تناول موضوع قلة الحضور، معتبراً أن ذلك متوقع بالنظر إلى تخصصيّة الملتقى، وأن العدد الحاضر هو الذي يحضر عادة في مثل هذه الندوات، كما عبّر \"البازعي\" عن سعادته بالحضور النسائي في الملتقى، وتقدّم بالشكر إلى وزارة الثقافة والإعلام على مساندتها لجهود الأندية الأدبية ضمن السعي للنهوض بالحركة الثقافية، كما شكر مركز الملك فهد الثقافي، ومكتبة العبيكان، ووسائل الأعلام والصحافة الثقافية بشكل خاص على تغطيتها فعاليات الملتقى.

 

رؤية

ربما كان من إيجابيات ملتقى النقد الأدبي أن اللجنة المنظمة لم تتوقف كثيراً عند احتفالية الحدث غير المسبوق، وتقييم نجاحه بقدر ما كانت تؤسس له كمشروع فكري ثقافي بعيد المدى، وقد جاء ليعكس حركية فاعلة من إدارة النادي الفتية في استكمال تنفيذ الأفكار المطروحة مسبقاً فضلاً عن طرح أفكارها ورؤاها الجديدة، وأعتقد أن أولوية هذا المشروع من نوعه تجعله حرياً أكثر بالنقد والدراسة، على أساس أنه يبني أساسيات مؤتمرٍ, نقدي متخصص، وبالتالي فهو مطالب كذلك أن يبني أساسياته الخاصة بحيث يكون مهيأً لمواكبة واقع نقدي متطور، واستيعاب متطلباته الزمنية والمعرفية، وأمر كهذا لا يتأتى إلا بالحوار والمثاقفة والعمل المشترك، وهذا ما كانت إدارة النادي تحاول ترسيخه عندما جعلت أصحاب الرأي يشتركون في بلورة أفكار الملتقى وتوجهاته، هذا التداول الثقافي إن صح التعبير يُعدّ إنجازاً في حد ذاته يحسب الإدارة الجديدة، وفي نفس الوقت هو يضعها أمام مسؤولية تحقيقه على النحو الموضوعي المتاح لها والذي يتواكب مع تطلعات الحركة الثقافية، وفي هذا الإطار يمكن اعتبار ملتقى النقد (وهو في مراحله المبكرة حالياً) تجربة تحتاج الكثير من التفاعل والعمل الجاد، فهو مازال في أول طريقه، ويمكنه أن يشكل حدثاً ثقافياً مؤثراً لو حظي بتقييم المثقفين ونقدهم الفاعل، هناك من يتطلع لتطوير مفهومه العام بحيث يشمل مختلف جوانب النقد الحاضرة بقوة على ساحتنا الفكرية، وهناك من ينتظر تقديم النقد بصورة جديدة مغايرة عن صورته المترسخة ثقافياً واجتماعياً، من المهم جداً في نظري استقراء مقومّات النجاح شكلاً ومضموناً من نماذج مشابهة عربياً وعالمياً، فما الذي يمنع هذا الملتقى من التطور القائم على التأثر طالما النقد أساساً- هو عملية تأثرية، والحركة النقدية لدينا استفادت من تجارب خارجية؟

عموماً.. انتهت جلسات ملتقى النقد الأدبي، ولكنه ما زال ورقة عمل مفتوحة تقدمها إدارة النادي الأدبي بالرياض أمام جمهور النقاد والمثقفين بانتظار تفاعلهم ورؤاهم النقدية الداعمة، والتي من شأنها الخروج برؤية مستقبلية وتوصيات أكثر شمولية وفائدة على المستوى النقدي، وبالتالي الثقافي في المملكة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply