وحشة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

نباح الكلاب يكاد يوقف دقات قلبه من الرعب..والبرد يغزو جسده النحيل بسهامه النافذة الموجعة.. ليل الشتاء قاسٍ, لا يرحم من لا مأوى له.. والوحدة في الشوارع الخاوية حيث استكان الناس في بيوتهم أشد قسوة.. منذ الظهيرة عندما طرده \"المعلم\" من الورشة كانت تتراءى له مشاهد الليل القاسي: الظلمة.. والبرودة.. ونباح الكلاب.. كانت الورشة بيته حيث لا بيت له ولا أهل.

 

من بعيد يلمح العسكري وهو قادم ناحيته، وينحرف عن الطريق بسرعة ويدلف إلى مدخل أحد البيوت ليختبئ بها.. يكره ذوي السترات الداكنة والأزرار النحاسية ويخافهم.. ربما لأنه وحيد ولا أهل له.. تموء قطة بصوت عالٍ, أشبه بعويل امرأة.. فيود لو يخنقها لكي لا تشي بمكانه ولكنه يحب القطط ويصادقها، يقترب من القطة ويربت عليها فتسكت وتستكين له.. يتذكر كيف طرده \"المعلم\".. شتمه.. ركله بقسوة.. كل \"المعلمين\" قساة أفظاظ، ليس نهاية العالم أن يضيع مفتاح \"إنجليزي\"، أي مفتاح هذا الذي يجعل المعلم يرمى صبيه في الشارع وهو يعلم أن لا مأوى له سوى الورشة.

 

يحاول أن ينام في \"حناية\" السلم، فينبهه نباح الكلاب بأن النوم في مكان مفتوح كهذا غير مضمون العواقب، أن كلباً مسعوراً قد يفتك به وهو نائم.. لن يستطيع النوم في هذا الظلام.. يشتاق إلى النهار والجلبة والضجيج.. عندما يرى أشعة الشمس..

 

ربما يستطيع أن ينام.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply