شعر القضايا الإسلامية في ندوة الوفاء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الأديب د. عبد الله العريني: جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشاعر جندياً يدافع عن الإسلام وقضاياه

الشاعر فيصل الحجي: لم يكن الشاعر الإسلامي بكّاءً، إنما عبّر عن المحاسبة والجهاد، واستنهاض همم الأمّة.

أقامت ندوة (الوفاء) الخمسية لعميدها الشيخ أحمد باجنيد في الرياض محاضرة للأديب الإسلامي د. عبد الله العريني -الأستاذ المشارك بجامعة الإمام- بعنوان: (شعر القضايا الإسلامية) وقد أدار اللقاء د. عائض الردادي إذ عرّف بداية بالمحاضرة من خلال نبذة مختصرة عن سيرته الشخصية والأدبية.

 

الرسالة العظيمة للأديب المسلم:

شكر د. العريني عميد الندوة لدعوته لهذا اللقاء، ثم بيّن أن اختياره لهذا الموضوع جاء لاختلاف الناس بين مؤيد ومعارض مع أهميته، ثم ذكر أهم العناصر التي سيطرقها وهي:

- تعريف القضايا الإسلامية.

- أنواع هذه القضايا.

- السبب في غلبة محدد من هذه القضايا.

- تفاعل الشعراء المعاصرين مع هذه القضايا.

- نماذج من الشعر.

وقد عرّف الأديب د. عبد الله العريني القضايا الإسلاميةº فقال: هي القضايا المرتبطة بالمسلمين منذ عهد الرسول - صلى الله عله وسلم - الذي جعل الشاعر جندياً يدافع عن الإسلامي وقضاياه وحتى عهدنا الحاضر، لاسيما المصائب والكوارث التي وقعت في عالمنا الإسلامي وهي كثيرة.

 

ما أهمية شعر القضايا الإسلامية؟

إن الأديب المسلم ضمير الأمة الحي المعبّر عن آمالها وآلامها، وهو في أدبه فجرٌ صادقٌ يوشك احتواء هذا الكون، ولحن عذب يسّري عن النفوس الحزينة أشجانها، فهو في رباط دائم، وشعره رسالة عظيمة وواجب من الواجبات، ولذلك استمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت في بشارته بتحقيق فتح مكة المكرمة، وقد دعا لحسّان \"اهجهم ومعك روح القدس\"، وفي عهد الخلفاء الراشدين وعهد بني أمية جاء الشعر مع قضايا المسلمين في عهد بني العبّاس لاسيما فتنة القول بخلق القرآن الكريم، ولم يكن شعر المتنبي في وصف الانتصارات على الروم إلا تعبيراً عن قضية مهمة من قضايا المسلمين، وهناك تراث هائل من شعر القضايا المعبر عن هموم الأمة وأفراحها معاً.

أما الموضوعات التي أثارها الشعر في القضايا الإسلامية فهي استدعاء الفترة المضيئة في تاريخنا، وعقد الموازنة بين الماضي والحاضر، وإثارة الحماس في النفوس والتركيز على القوة والكرامة، ووصف البطولات، ورثاء الشهداء ومدح الأبطال والخلفاء المجاهدين، وهجاء المتخاذلين، كما برز موضوع البكائيات على أحوال المسلمين وهي ليست سلبية دائماً كما يقول بعض النقاد، ولكنها دلالة على حياة الأمة وتوقد المشاعر إزاء ما يصيبها رغم أن نقاد الحداثة يهاجمون شعر القضايا الإسلامية، طالبين من الشعراء الاتجاه وجدانياً وذاتياً في أشعارهم.

 

الجسد الواحد:

وقال الأديب د. عبد الله العريني: إننا نظلم الشاعر الذي نطلب منه أن يجعل قلبه من صخر أمام جراحات الأمة ونكباتها، فالمسلمون جسدٌ واحدٌ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، إن استشهاد الطفل الفلسطيني (محمد الدّرة) مثلاً قبل سنوات قليلة ألهم الشعراء عشرات القصائد بل ما يجمع دواوين كثيرة، لذا سيظل شعر القضايا الإسلامية غرضاً مهمّاً من أغراض الأدب المعاصر، ولا يكاد يخلو ديوان من دواوين شعراء الإسلام من قضية من هذه القضايا، ولعلنا نقف على شاعرين من هؤلاء الشعراء على سبيل المثال في تعليلهم لأشعارهم المعبّرة عن وجدان الأمة وهمومها وأشجانها، يقول الشاعر السوري عبد الله عيسى السلامة في قصيدة له بعنوان (ابتسم عنّي):

 

قال اطـّرح عنــك التألم إنـه *** سر النهـى فحـذار أن تتألمــا

 

يا ناصحي لو كن قلـبي صخرة *** لتحطمت، أعجبت أن يتحطمــا

 

يا ناصحي أرأيت أرضك حــرة *** بعد الفخار لدى دعوك مغنمــا؟

 

أرأيتـــه يخـــتال في جنباتهــا *** تيهاً وشعبك ينحني مُستسلمــا؟

 

أما شعرت بأن قلبك مضغـــة *** للقهر والأحداق يسحقهـا العمى

 

قال ابتسم فالأرض واسعة المـدى *** حسبي وحسبك أن نفر فنسلمــا

 

قلتُ: ابتسم عني وغب عن ناظري *** إن كنت قد أقسمت ألا تفهمــا

 

لو كنت مثلك سادراً فلربمـــا *** ولربما لو كنتُ مثلك أعجبـــا

 

ولربما ولو كنتُ مدمن ذلّـــة *** ولربما لو كنـت أعمـى أبكمـا

 

ولربـما لـو لم يكـن لي عزّة *** شمّاء تحلمُ أن تجــور الأنجمــا

 

ولربمــــا لو لم يــــرَ دم مسلم *** غوراً ولا سحـور الشقاء المسلما

 

إن التبسم والحرائــر تُستبى *** عـارٌ، وشـر العــار أن تتنعما

 

والصبر في ظل الخميلة خِسـة *** إن كان غيرك للأسنّة مطعمـــا

 

هذا الحوار الموجع الذي ينزفه الشاعر الإسلامي عبد الله عيسى السلامة، يأتي من خلال أحاسيس مترعة بالأسى لما أصاب الأمة من تشريد وقتل ومجازر لم تزل تتعاظم مع الأيام.. فأنّى الابتسام والفرح لجراح الأمة ومصابها؟!

أما الوقفة الأخرى فهي مع الشاعر السعودي د. عبد الرحمن صالح العشماوي الذي عاش همّ الأمة وأوجاعها وآمالها في جميع دواوينه أشعاره منذ أكثر من عشرين عاماً، ففي قصيدته: (عفواً بني قومي) يشعل الكثير من المفارقات المضنية لحال أمّته:

 

قالوا: أرح عينيك من طول السهر *** وأرح فؤادك من أنينك والضجر

 

قالوا: أقم للشعر مملكة، بها *** من كل غانية منعّــــــــمة أثر

 

وارسم لنا من جسم ليلى لوحة *** تتنافس الأشكال فيها والصّور

 

لقّن نجوم الليل أغنية الهوى *** واسكب رحيق العشق في أذن السحر

 

أثخنت شعرك بالجراح، كأنما *** يسعى إلى تغيير ما صنع القدر

 

هذا هو الأقصى ملأت قلوبنا *** جزعاً عليه، ولم يزل قيد النظر

 

هذي رُبى لبنان أمحل روضها *** فهل استعاد الشعر منها ما اندثر؟!

 

هذا الخــــليج مضرج بدمائه *** أترى القصائد سوف تجبر ما انكسر

 

خدّر مــشاعرنا بأنــغام الهوى *** فلقد تعوّدت النفوس على الخدر

 

عفواً بني قومي، فلست بشاعرٍ, *** يُملي على الكلمات أمزجة البشر

 

من أين تبتسم القصائد في فمي *** والحزن يمزجها بأصناف العبر

 

أنا لست زمّاراً إذا نادى الهوى *** غنّى وإن نادى منادي الحق فرّ

 

أنا لا أريد لأمتي في دربها *** إلا سمواً عن مهازل من كفر

 

أنا أيها الأحباب قلب نابض *** أنا لست تمثالاً، ولا قلبي حجر

 

عفواً بن قومي لرب قصيدة *** تحيي مشاعرنا وترفع من عثر

 

عفواً بني قومي، فإن قصائدي *** جسر إلى أمل قريب مُنتظر

 

أدعو إلى الإيمان دعوة شاعر *** شرب الأسى من أجلكم وبه انصهر

 

بيني وبين الشعر عهد صادق ***أن نجعل الإسلام مبدأنا الأغرّ

 

هكذا يظل هذا الشعر المتقدّم في مضامينه ورؤاه، وجماله الإيقاعي، وفضاءاته الرحبة يحمل وهج صدقه وخلوده على مر الأيام، إنه قلب الأمة الخيّر الذي لن يموت لأنه عقد عهداً صادقاً مع إيمانها وآمالها المشرقة رغم المآسي والأحزان!

 

مداخلات وحوارات:

وفي ختام اللقاء، فُتح المجال للحوار فتساءَل الشاعر محمد منذر فبين: لماذا لا نسمى الشعر إسلامياً إلا إذا تحدث عن النكبات؟! وقال د. علي الحمود من الملاحظ أن الجانب التطبيقي في الأدب الإسلامي شبه غائب ما بين النقد والنقاد؟! وقال د. عائض الردّادي لم تكن محاضرة د. عبد الله العريني إلا إطلالة على القضايا التي تناولها الشعر الإسلامي لأن الوقت لا يتسع، وتساءل نزال نجار: أين بقية الشعراء الإسلاميين الذين تناولوا قضايا أمتهم، فالتمثيل قُصر على شاعرين فقط؟! وقال الشاعر فيصل الحجي: لم يعبّر الشاعر الإسلامي عن البكاء فقطº بل عبّر عن قضايا كثيرة. وأخيراً رد د. العريني على هذه المداخلات بإيجاز ثمّ أعقل ذلك أمسية شعرية لمجموعة من الشعراء.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply