باسكال مينوريه: لقد بدأ الآن عصر المحافظين الجدد في فرنسا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

على الرغم من أن الباحث الفرنسي (باسكال مينوريه) المقيم في السعودية، والذي يتحدث اللغة العربية بطلاقةº يعترف بأن فرنسا بلد متواضع على الساحة الدولية \"مع أن النخب الفرنسية لا تريد الاعتراف بهذا التواضع\"، إلاّ أنه يقول بأن عصر المحافظين الجدد في فرنسا قد بدأ مع وصول مرشح اليمين نيكولا ساركوزي إلى قصر الأليزية، الذي وجه فور توليه رئاسة فرنسا رسالة إلى الأمريكيين مفادها \"اعتمدوا على صداقتنا\".

باسكال مينوريه الذي ولد في مرسيليا عام 1976م يتوقع ألاّ يؤثر فوز ساركوزي على أي من الملفات العربية الساخنة كفلسطين والعراق ولبنان، وهو يؤكد أن \"الفرق ما بين اليمين واليسار قد تلاشى، وكلاهما يدعم الآن إسرائيل مهما كان حجم انتهاكاتها للاتفاقيات الدولية، وقرارات الأمم المتحدة\".

ولا يتفاءل مينوريه - الباحث الزائر في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومؤلف كتاب \"اللغز السعودي\" - خيراً بمقدم ساركوزي رئيساً لفرنساº لأنه يخشى أن \"يخسر المسلمون الفرنسيون - وبالتالي تخسر العلمانية الفرنسية والحرية الدينية - الكثير بعد انتخاب ساركوزي رئيساً للجمهورية\".

تفاصيل أوفى حول تأثير نتائج الانتخابات الفرنسية على السياسية الخارجية الفرنسية، وعلى الملفات العربية الساخنة، وعلى وضع الأقلية المسلمة في فرنسا.

 

* في البداية دعني أسألك كيف يصل شخص مثل ساركوزي وهو \"شرطي\" متهم بالتحريض ضد سكان ضواحي فرنسا إلى الرئاسة؟ هل يعني هذا نجاحاً أم تراجعاً في الديمقراطية الفرنسية؟

أستغرب مثلكم من نتائج الدورة الثانية، وفوز ساركوزي في الانتخابات، فساركوزي الذي ينتمي إلى الحكومة ذاتها التي تدير شؤون فرنسا منذ خمس سنوات، والتي لم تخيب أمل الفرنسيين بعدº على الرغم من استفزازات ساركوزي كوزير للداخلية للأحياء المهمّشة، والاتجاه القمعي الذي اتخذته الشرطة الفرنسية تحت أوامرهº الذي أنتج تمرد ضواحي البلد في 2005م، إني أعتقد أن أول شرطي فرنسا - وهكذا نلقب وزير الداخلية - استفاد انتخابياً من تراجع البطالة النسبي، وكذلك من رغبة الفرنسيين المنحدرين من الطبقات الوسطى في الأمن والحماية، ويستجيب خطاب ساركوزي تماماً لهذه الرغبة بحيث إنه يقدم نفسه كمرشح الالتزام بالنظام، والأمل بالمستقبل، والشفقة على المستضعفين والضحايا كما هو واضح من خلال خطابه الانتخابي، يلبس ساركوزي ثوب الداعية والأب المخلص، ويرث فكره هذا من القاموس المسيحي المنتشر والمؤثر جداً في صفوف اليمين الفرنسي كما هو الحال مثلاً عند المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.

عندما يتكلم ساركوزي عن الهوية الفرنسية، واحترام القيمº يطرح بذلك المسائل السياسية على المستويين الميتافيزيقي والأخلاقي، كما يفعل جورج بوش تماماً، ومع نفس الخطورة على مستوى الحريات العامة.

 

* قبل أن ندخل في التفاصيل ما هي ملامح النظام السياسي الفرنسي، وما هي الصلاحيات الممنوحة للرئيس؟

النظام السياسي الفرنسي هو (جمهوري)º لأن القانون هو الذي يحكم العلاقات بين الدولة والمواطنين، ومختلف مجالات الحياة، وهو أيضاً (ديمقراطي)º لأن هذا القانون مكتوب ومجدد، ومعد من قبل جهازين سياسيين منتخبين يمثلان سلطتين رئيسيتين: وهما البرلمان الذي يمارس السلطة التشريعية، ورئيس الجمهورية الذي يمارس السلطة التنفيذية مع الحكومة، ومقارنة بالديمقراطيات الأخرى يتميز النظام السياسي الفرنسي بانتخاب رئيس الجمهورية العام والمباشر، بينما في كل من الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا يُنتخب الرئيس من قبل هيئة كبار الناخبين، عندما يتفق توجه الرئيس السياسي مع توجه البرلمان فتكون سلطة الرئيس شبه مطلقةº لأن السلطتين التنفيذية والتشريعية موحدة في يديه.

عندما يكون توجه البرلمان مختلف عن توجه الرئيس فيحكم رئيس مجلس الوزراء مع الأغلبية البرلمانية، بينما يبعد رئيس الجمهورية عن الساحة السياسية الداخلية، لهذا ونظراً للدور المركزي الذي يلعبه رئيس الجمهورية، والوزن المتميز الذي يحظى به عندما يكون له أغلبية في البرلمانº يصف بعض المحللين السياسيين النظام السياسي الفرنسي بأنه \"مملكة جمهورية\".

 

* هل يمكنك أن تعطينا صورة عامة عن النخب السياسية أو الأحزاب التقليدية في فرنسا؟

هناك تقريباً خمس قوى سياسية وهي: اليسار المتطرف وتمثله الأحزاب الشيوعيةº واليسار المعتدل ويمثله الحزب الاشتراكي ومرشحته سيغولين رويالº والوسط الذي يمثله حزب \"الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية\" ومرشحه فرانسوا بايروº واليمين المعتدل يمثله حزب \"الاتحاد من أجل الأغلبية الشعبية\" ومرشحه نيكولا ساركوزيº وأخيراً اليمين المتطرف الذي يمثله حزب \"الجبهة الوطنية\" ومرشحه جان ماري لو بان، ونشاهد عادة منافسة سياسية وانتخابية ما بين الحزب اليميني المعتدل وبين الحزب الاشتراكي، إلاّ أن وصول جان ماري لو بان إلى الدورة الثانية لانتخابات 2002م الرئاسية كان تحدياً جديداً للديمقراطية.

 

ماذا يعني وصول مرشح لحزب اليمين المتطرف للدورة الثانية؟ وأي رسالة يحملها الناخبون في هذه الخطوة؟

يعني أولاً أن الفرنسيين لا يثقون بالنخب التقليدية، وأن أصواتهم مشتتة بين جميع المرشحين، مما مكن مرشح اليمين المتطرف من الوصول إلى الدورة الثانية، ويعني ثانياً تطبيعاً مع أفكار اليمين المتطرف في المنحى السياسي مثل رفض الهجرة إلى فرنسا، وتكريس العنصرية تجاه أبناء الثقافات والديانات الأخرى، وانتشار الهوس الأمني...الخ.

من الواضح جداً أن أحد أهداف نيكولا ساركوزي خلال حملة 2007م الانتخابية كان صيد أصوات اليمين المتطرف من داخل أراضي لو بان السياسية والفكرية، ولذلك شاهدنا عنده تصاعد يميني وغوغائية مقلقة بالنسبة لمواضيع مثل الهجرة، أو طبيعة الهوية الوطنية الفرنسية، أو مكانة المسلمين في الجمهورية.

 

* ما هو سر الإقبال الكثيف على الانتخابات الفرنسية لعام 2007م؟

تُعدّ هذه الانتخابات من الأكثر مشاركة - 86% - منذ انتخابات 1965 التي كانت أول انتخابات لرئيس الجمهورية بالاقتراع العام، طبعاً أراد الفرنسيون - خاصة الشباب منهم - أن يرسلوا إشارة واضحة وقوية ضد اليمين المتطرف، ونجحوا في ذلك، فاحتل لو بان المركز الرابع أمسية الدورة الأولى.

 

* هل يمكننا أن نقول: إن اليمين المتطرف متصالح مع القضية العربية، أو بمعنى آخر غير مزدوج في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط؟

ورث اليمين المتطرف الفرنسي الأفكار المعادية للسامية التي كانت طبيعية إلى حد كبير في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية، ومحرقة اليهود الأوروبيين، ولكن لا يعني هذا الموقف المعادي للسامية ولدولة إسرائيل أن يتبنى اليمين المتطرف القضايا العربية والإسلامية، بل بعكس ذلك تماماًº إن اليمين المتطرف روّج أفكاراً معادية للإسلام والمسلمين في فرنسا، محذراً الفرنسيين من \"أسلمة فرنسا\" و\"الموجة الخضرة\"، ومشجعاً على الرجوع إلى الهوية المسيحية - وأحياناً الوثنية - للبلاد، وإلى الجذور العرقية الأوروبية للفرنسيين الأصليين، بشكل عام كرس اليمين المتطرف نظرة الريبة والخوف تجاه الفرنسي المسلم، أو الفرنسي العربي، ومن المستحيل أن نعدّ حزب الجبهة الوطنية متعاطفاً مع القضايا التي يتعاطف معها العرب والمسلمون اليوم.

 

* برز على الساحة الانتخابية الفرنسية مصطلح (المتردّدون) الذين قد يحولون مسار النتيجة؟ من هم هؤلاء المتردّدون؟

المتردّدون هم الناخبون الذين لم يختاروا مرشحهم بعد، وسيختارونه في المركز الانتخابي يوم الاقتراع، لا أحب هذا المصطلحº لأنه يهمش الناخبين الذين لا يستعجلون في خيارهم، هذا المصطلح يعني أنه لا بد من قرار سريع ونهائي في بداية الحملة الانتخابية، كأنه لا فائدة من الحملة، والنقاش السياسي، وتبادل الآراء، في نظري المتردّدون هم الذين لا يجيبون على استطلاعات الرأي بالشكل المطلوب منهم، وهم الذين رفضوا دكتاتورية استطلاعات الرأي، وقرّروا ألاّ يقرّروا على عجل قبل نهاية الحملة الانتخابية، ولا يستحق هذا الموقف أن يلقّب بتسمية سلبية، وكأن هؤلاء الناخبين ناقصون بعض الشيء، بالإضافة إلى ذلك أعتقد أن التردد هو مبدأ الديمقراطيةº لأن الشك والتساؤل، والبحث عن الحلول، وكل هذه العمليات إيجابية جداً، وخير من الدوغائية والأحادية.

 

* تحرص كثير من مؤسسات الاستطلاع على الكشف عن ميول الناخبين، هل مؤسسات الاستطلاع هذه تكشف فعلاً عن حقيقة الشارع الفرنسي وتوجهاته، أم أن هناك خللاً في طريقة الاستطلاع الكمي؟

هناك أكثر من خلل، ولا تخلو مؤسسات استطلاعات الرأي من عيوب وأخطاء، هناك أخطاء منهجية فعلى سبيل المثال لا تأخذ هذه المؤسسات الشباب والفقراء في عين الاعتبارº لأن أغلبية الشباب والفقراء لا تملك إلاّ هاتف نقال بينما تستخدم تلك المؤسسات دليل الهاتف الثابت لانتقاء عينة الاستطلاع، هناك أيضاً أخطاء هيكلية حين يدور النقاش السياسي حول قضية معينة تختارها الصحف، ثم تطرحها مؤسسات الاستطلاعات على عينة من الفرنسيين، وأخيراً يتبناها زعماء الأحزاب كمحور للعمل السياسي دون أن تشكل هذه القضية بالضرورة أولوية سياسية أو حتى شعبية! تشكل قضية ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية مثالاً جيداً لمثل هذه الدائرة الجهنمية، كان عدد الطالبات المحجبات ضئيلاً جداً، وفي نفس الوقت لم يكن الفرنسيون يعتبرون هذه القضية مهمة: بعضهم كان متسامحاً تجاه الحجاب، بينما كان البعض الآخر يؤمن بمبدأ الحوار مع الطالبات دون حملة سياسية وطنية ضد الحجاب، إلاّ أن الصحف وبعض القوى السياسية استغلت هذه القضية لكي تشن حملة شرسة وغير مسوّغة على صورة المسلمات في البلد، ولعبت استطلاعات الرأي دوراً بارزاً في تجريم الحجاب، وتغيير وجهة نظر الفرنسيين! ففي كثير من الأحيان تُستخدم نتائج استطلاعات الرأي ضد الديمقراطية نفسها.

 

* كيف سيؤثر فوز ساركوزي على وضع الجالية المسلمة المقيمة بفرنسا والتي يُقدّر عددها بحوالي ستة ملايين؟

هناك فرق ما بين الصعوبات التي يواجهها المسلمون الفرنسيون والتمييز الممارس ضد الفرنسيين من أصول أجنبية، وهو أخطر بكثير، يعاني الفرنسيون من أصول عربية وإفريقية من تمييز فادح فيما يتعلق بالتوظيف، والحصول على السكن، وأحياناً فيما يخص معاملة إدارة الدولة - وخاصة الشرطة - تجاههم، مع أنه يُمنع مثل هذا التمييز قانونياً إلاّ أنه ممارَس من قبل أصحاب الشركات والمساكن وأيضاً بعض أفراد الشرطة، ومن الصعب جداً أن تُكافح هذه العنصرية اليومية والمنتشرة، أما المسلمون وبغض النظر عن أصولهم الجغرافية فيعانون من ازدواجية تطبيق مبادئ العلمانيةº لأن العلمانية لا تعني العدوانية تجاه الديانات، ولا حتى اللامبالاة في المسائل الدينية، بقدر ما تعني المساواة ما بين الديانات، وحماية العبادات والعباد، وللأسف الشديد فإن ممارسات الدولة الفرنسية تخالف أحياناً مبدأ العلمانية ذاته، فعلى سبيل المثال تمول الدولة صيانة وتجديد الكنائس والمعابد المبنية قبل 1905 (صدور قانون فصل الدين عن الدولة) تحت ذريعة حماية التراث المبني، بينما بنيت جميع المساجد بعد هذا التاريخ، وبالتالي لا تحصل على أي دعم مادي، يشكل أيضاً التصريح الإداري لبناء المساجد مشكلة أساسية بحيث ترفض أغلبية البلديات منح مثل هذا التصريح لاعتبارات تناسب استراتجياتها الانتخابية، لقد وعد ساركوزي بأنه سيغير في هذا المجال، ولكنه لم يعمل الكثير عندما كان وزيراً للداخلية، بالإضافة إلى ذلك أبدى ساركوزي خلال حملته الانتخابية بمشاعر ملتبسة وأحياناً عنيفة تجاه الإسلام والمسلمين، فأنا لست متفائلاً بهذا الشأن، وأخشى أن يخسر المسلمون الفرنسيون - وبالتالي العلمانية الفرنسية والحرية الدينية - بعد انتخاب ساركوزي رئيساً للجمهورية.

 

* لماذا لا توجد مشاركة سياسية فاعلة من قبل مسلمي فرنسا؟ لماذا لا نشاهد أحداً منهم قد وصل إلى مناصب سياسية عامة؟

هذه المعلومة غير دقيقة، كان هناك وزيران من أصل عربي في حكومة دومينيك دو فيلبين وهما عزوز بقاق وزير المساواة وتكافؤ الفرص، وحملاوي مكاشرة وزير قدماء المحاربين، المسألة تكمن في تهميش السياسيين من أصل عربي وحصرهم في مناصب متعلقة بشكل أو بآخر بأبناء الهجرة، مع بداية الحملة الانتخابية شاهدنا تغييراً جذرياً وهو أن كلاً من المرشحين الرئيسيين اختار امرأة من أصل عربي كمتحدثة له وهما رشيدة داتي المتحدثة الرسمية لنيكولا ساركوزي، ونجاة بلقاسم المتحدثة الرسمية لسيغولين رويال، أتمنى أن يعطي هذان التعيينان إشارة إيجابية لمستقبل الفرنسيين العرب والمسلمين السياسي.

 

* من المعروف أن شيراك يتمتع بعلاقات جيدة من الزعماء العرب، لكن الملاحظ على ساركوزي ضعف تواصله وقلة خبرته بالعالم العربيº إذا استثنينا بعض علاقاته مع دول المغرب العربي حين كان وزيراً للداخلية، هل ستشهد فرنسا انتكاسة في سياستها الدبلوماسية مع الدول العربية؟

سمعة شيراك الطيبة شيء، وتأثير فرنسا في العالم العربي شيء آخر، تزعم فرنسا بأنها تشجع العدالة في الوطن العربي، وهي تطبق سياسات تسعى إلى حماية مصالحها وليس إلى تكريس مبادئها، وتمارس دول أوروبا سياسة ضعيفة في العالم العربي، بمعنى أنها تتبع القرارات الأمريكية، متمنية في أفضل الأحوال أن هذه التبعية ستفيدها من ناحية تجارية فيما يخص صفقات الأسلحة على وجه الخصوص، أما المبادئ والقيم والعدالة فإن فرنسا تحمّل الاتحاد الأوروبي مسؤولية الدفاع عنها، مع أن الاتحاد هو الذي قاطع مثلاً حكومة فلسطينية جاءت عن طريق الانتخابات التي مولها وشجعها ومدح شفافيتها ونزاهتها!، وبرأيي لن تؤثر هوية الرئيس الفرنسي الجديد على التراجع الأوروبي الكبير في هذا الجزء من العالم، وأعتقد أن فرنسا - باستثناء بعض السياسات الاستعمارية الجديدة التي تمارسها في المغرب العربي - لن تتمكن من التأثير القوي في المشرق.

 

* دافع ساركوزي عن إسرائيل وسياستها في الشرق الأوسط إلى جانب مواقفه القديمة والمعروفة ضد المهاجرين العرب في فرنسا، هل فرنسا مقبلة على مزيد من الدعم لإسرائيل والضغط على الفلسطينيين؟

تكوّن الميول الإسرائيلية لدى الرئيس ساركوزي ظاهرة جديدة في الساحة السياسية الفرنسية: الكل يذكر مثلاً كلام الجنرال ديغول عندما وصف إسرائيل بعد هجوم 1967م بأنها \"دولة عدوانية وتوسعية\"، طبعاً كان الرئيس الاشتراكي متيران أقل عنفاً تجاه إسرائيل، ويميل الاشتراكيون تقليدياً إلى دعم إسرائيل أكثر من اليمين والديغوليين، ولكن يبدو أن هذا الفرق ما بين اليمين واليسار قد تلاشى، وكلاهما يدعم الآن إسرائيل مهما كان حجم انتهاكاتها للاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ويمثل هذا التغيير تراجعاً ملموساً في السياسة الفرنسية، كيف يمكننا أن نفسر هذا التحول؟ يميل معظم رموز الإعلام الفرنسي إلى دعم إسرائيل دون شروط، الأمر الذي أسس في البلد جواً عكراً وغير قابل لمساءلة السياسة الإسرائيلية، وللأسف الشديد تم هذا التغيير السياسي الكبير دون نقاش علني وواضح مع المواطنين: فالقضية الفلسطينية مثل كل القضايا العربية، وبذريعة أنها لا تهم الفرنسيينº أُخرجت بالقوة من نطاق السياسة العامة، ومن إطار النقاش الشفاف والديمقراطي، وفي نفس الوقت كان يميل المرشح ساركوزي إلى تخويف الفرنسيين من أخطار الإرهاب، وسياسة إيران النووية، كأنه يريد أن يتجنب أي نقاش واضح أو شرح دقيق حول شؤون فرنسا الخارجية.

 

* ما تأثير نتائج الانتخابات الفرنسية على الملفات العربية الأخرى الساخنة كملف العراق، ولبنان، هل تتوقع أن يحدث تغير في هذا المسار؟

لا أتوقع أن هذه النتائج ستؤثر على بقية الملفات العربيةº لأن فرنسا بلد متواضع في الساحة الدولية، مع أن النخب الفرنسية لا تريد الاعتراف بهذا التواضع، فوراء خطاب ساركوزي الأخلاقي - الذي كان موجوداً عند بقية المرشحين أيضاً -، والذي يدافع عن حقوق الإنسان والإصلاح في العالم العربي يوجد هناك:

أولاً: عجز حقيقي في فهم التحولات العربية الكبرى سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.

وثانياً: تسيطر مصالح فرنسا التجارية على السياسة الخارجية الفرنسية، وستدفعها في المستقبل القريب باتجاه المزيد من الجمود والسكون.

إلا أنه يمكننا أن نقول باختصار أن عصر المحافظين الجدد قد بدأ في فرنسا الآن.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply