القضايا السياسية كانت حاضرة في الإنتاج السينمائي لعام 2006


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يبدو أن الحضور الطاغي للقضايا السياسية في وسائل الإعلام لم تسلم منه حتى الأماكن التي يقصدها \"كثير\" من الناس من أجل \"التسلية والإمتاع\"..فيمكننا أن نقول وبكل ثقة إن إنتاج 2006 السينمائي كان سياسياً نظراً لحضور المعالجة السياسية، التاريخية/المستقبلية في كثير من الأفلام السينمائية من هوليوود أو غيرها.

حتى أوسكار 2007 كان سياسياً بامتياز، فقد فاز بأوسكار (أفضل ممثل) فوريست ويتاكر الذي جسد شخصية حاكم أوغندا (عيدي أمين) في فيلم (آخر ملوك اسكتلندا)، كما حازت على أوسكار (أفضل ممثلة) البريطانية هيلين ميرين التي أدت دور الملكة إليزابيث الثانية في فلم (الملكة). أضف إلى ذلك أن ثلاثة من الأفلام الخمسة (الروائية الطويلة) التي ترشحت لأوسكار 2007 كانت ذات طابع سياسي.

حتى (العراق الجريح) كان حاضراً في حفل الأوسكار بالفيلم التسجيلي \"العراق في أشلاء\" (Iraq in Fragments) للمخرج الأميركي الشاب (جيمس لونغلي 34 عاماً) الذي قضى أكثر من سنة في العراق وصور أكثر من (300) ساعة من المقابلات اختار ثلاث قصص لعراقيين تضرروا من الحرب ليشن من خلالهم هجوماً حاداً ضد الولايات المتحدة الأميركية.

فما الذي يدعو \"محمد\" وهو طفل عراقي أن يقول: \"أريد أن أصبح طياراً، لأهبط في بقعة نظيفة و أعيش في غير العراق\". وبعد أن تزداد آلامه من جراء الضرب والإهانات التي يتلقاها من صاحب ورشة الحدادة التي يعمل فيها ببغداد يقول: \"حتى عن الحلم قد توقفت\". يبدأ الفيلم بلقطات سريعة لأنحاء بغداد: نشاهد الجيش الأمريكي في الشوارع، تحليق الطائرات، البنايات المهدمة.. هذه المشاهد تلخص رسالة الفيلم بأن العراق بلد مدمر نتيجة الوجود الأمريكي.

وربما بسبب غرق أمريكا في مستنقع العراق أيضاً أنتج (غابرييل رانج) فيلم \"موت الرئيس\" الذي يستعرض أحداثاً من الخيال الواقعي تتنبأ باغتيال \"جورج بوش\" الرئيس الحالي على يد أحد أفراد تنظيم القاعدة.

فمن فندق (شيراتون) في مدينة شيكاغو، يطلق المخرج البريطاني الفلم الوثائقي الخيالي \"موت الرئيس\"، والذي استعار عنوانه من كتاب المؤرخ ويليام مانشستر حول اغتيال الرئيس السابق جون كينيدي العام 1963، ويمزج فيه بين تظاهرات واقعية معادية للحرب تقاطع خطاب بوش وأخرى خيالية تُطلق فيها عليه رصاصة قناص وتلقيه أرضاً في تشرين الأول (أكتوبر) 2007، أي قبل شهرين من انتهاء ولايته. وتوجه أصابع الاتهام إلى مواطن أميركي من أصل سوري جمال أبو زكري.

 

The Queen

 

(الملكة) لم تكن تعرف.. لماذا يحزن الشعب على الأميرة ديانا؟

أول اللقطات التي تستفز انتباهك في فيلم (الملكة) حين يظهر رئيس وزراء بريطانيا توني بلير مع عائلته في لقطة تسجيلية قديمة تعود إلى أواخر التسعينيات، وهو يقود حملته الانتخابية الأولى حاملاً آمال وطموحات حزب العمال، وما هي إلا لحظات حتى تنتبه أنك أمام الممثل مايكل شين وهو يتفنن في إتقان ابتسامة توني بلير الشهيرة.

مع فيلم (الملكة) يعود المخرج السينمائي البريطاني ستيفن فريرز أحد أعلام المدرسة الواقعية في السينما البريطانية إلى الساحة السياسية بقوة، خصوصاً بعد أن قدم في عام 2003 الدراما التليفزيونية الشهيرة \"الصفقة\" The Deal التي تناول فيها موضوعاً سياسياً مباشراً عن لحظة مثيرة في تاريخ العلاقة بين رئيس الوزراء توني بلير ووزير الخزانة البريطانية (ووريثه المنتظر) جوردون براون.

يكشف فيلم (الملكة) عن الكواليس التي كانت تدور في قصر الملكة البريطانية إليزابيث الثانية بعد وفاة الأميرة الشهيرة ديانا في الحادث الذي وقع في باريس عام 1997.

وتصر العائلة الملكية في اعتبار هذا الحدث الذي أفزع الشعب البريطاني مجرد \"أمر شخصي\" ترغب في أن تنأى بنفسها عنه، خصوصاً أن ديانا قد تمردت على العائلة الملكية حين طلبت الطلاق من الأمير تشارلز، في الوقت ذاته انفجر فيه الحزن الجماهيري العارم، واجتمع الناس عند القصر يحملون الورود والشموع، وتصاعد غضب الشارع إزاء موقف الملكة وعائلتها من هذا الحدث، حينها يبذل بلير جهداً شاقاً في إقناع الملكة التي انعزلت في قصر ريفي بعيد عن العاصمة، بالعودة إلى لندن وإقامة مراسم تشييع رسمية لديانا والنزول لتهدئة الجماهير الغاضبة.

عندها ترضخ الملكة لنصائح بلير المتكررة الذي حذرها من أن الرأي العام أصبح ضد العائلة الملكية، فتنزل إليزابيث لتحية الناس الذين اصطفوا أمام قصر باكنجهام من أجل وداع ديانا، وهي لم تفهم حتى الآن لماذا كل هذا الحزن على ديانا؟

هذه التداعيات والأحداث تستمر في الفيلم، و(هيلين ميرين) تجسد وبشكل متقن دور الملكة إليزابيث الثانية، وتعكس الانفعالات المتضاربة التي كانت تمر بها الملكة في تلك الأثناء، وهو ما أهلها أن تفوز بالأوسكار وأن تحصد العديد من الجوائز في مهرجان جولدن جلوب ومهرجان كان، وبرلين، ولندن.

وإذا كان الفيلم يهتم كثيراً بتصوير انتصار توني بلير على الملكة في معركة حاسمة أراد تأكيد وجوده السياسي على الساحة من خلالها في بدايات حكمه، إلاّ أن الفيلم ينتهي والملكة تحذره بقولها إن الشعب الذي منحه تأييده سينقلب عليه في يوم من الأيام، في إشارة معاصرة إلى ما سيحدث فعلاًº إذ من المتوقع أن يتخلى بلير عن منصبه منتصف الصيف القادم نظراً لتزايد الضغوط الشعبية عليه خصوصاً بعد غزو العراق.

 

The Last King of Scotland

 

فوريست ويتاكر.. (آخر ملوك اسكتلندا)

 

لا يمكن أن يمر هذا الفلم دون أن تشعر بعظمة الأداء الذي يقوده الممثل الحائز على أوسكار أفضل ممثل 2007 فوريست ويتاكر وهو يسبح في أعماق الجنرال (عيدي أمين) حاكم أوغندا منذ 1971 إلى 1979 الذي توفي في السعودية عام 2003، و يتدرج فوريست في تقمص شخصيته من الأبيض إلى الأسود إلى الرمادي، فهو الحاكم المرح الظريف، الغاضب، القلق، المتردد، الخائف، الديكتاتور.

هذا الفيلم مأخوذ من رواية بريطانية تحمل نفس الاسم (آخر ملوك اسكتلندا)، وربما الرابط بين (عيدي أمين) وهذا اللقب، هو ما ورد في ثنايا الفلم، حين قال أمين لطبيبه الاسكتلندي: (لقد أسميت نفسي آخر ملوك اسكتلندا، ولو كنت أختار جنسيتي لاخترت أن أكون اسكتلندياً. )

يقود المخرج \"كيفين ماكدونالد\" قصة الفيلم عن الطبيب الاسكتلندي نيكولاي كاريغان (جيمس مكافوي)، وهو متخرج حديثاً، وينحدر من عائلة ثرية، يسعى للابتعاد عن سيطرة والده، فيقرر السفر إلى أوغندا (أول مكان يقع عليه إصبعه عندما أدار مجسم الكرة الأرضية)، عندما يصل إلى هناك يبدأ بممارسة الطب في القرى الصغيرة بمساعدة طبيب بريطاني (آدم كوتز) وزوجته (جيليان أندرسون)، وفي أحد الأيام يجدون أنفسهم في وسط انقلاب عسكري على الحكومة الشيوعية التي تحكم البلاد، ويصبح الجنرال عيدي أمين (فوريست ويتاكر) الحاكم العسكري الجديد للبلاد.

 

وتقود الظروف كاريغان ليصبح صديقاً للجنرال وطبيبه الشخصي. وتتخذ المشاهد بين \"كاريغان\" و\"أمين\" سحراً خاصاً يتيح للممثلين إظهار قدراتهما، وإن كان الأخير هو سارق المشهد باستمرار، ففي البداية ينبهر الطبيب بشخصية أمين المرحة والجذابة والعفوية، لكنه سرعان ما يبدأ باكتشاف الجرائم التي يرتكبها هذا السفاح ضد شعبه، عبر موظف في السفارة البريطانية. ثم تتفاقم المشاكل حين أقام كاريغان علاقة مع إحدى زوجات عيدي أمين، وعندما تخبره بأنها حامل منه لم يكن يحتاج الأمر لذكاء منه ليتكهن بردة فعل أمين تجاههما، وما يمكن أن يفعله بهما، ويحاول أن يجد طريقاً للخروج من أوغندا قبل أن يفقد حياته.

وفعلاً يستطع كاريغان الهرب من أوغندا بعد أن تم تعذيبه على يد رجال أمين عن طريق الطائرة الفرنسية التي كان على متنها رهائن يهود اختطفها فدائيون فلسطينيون إلى أوغندا عام 1976.. وينتهي الفيلم و\"عيدي أمين\" (فوريست ويتاكر) يشاهد الطائرة التي هربت بطبيبه الاسكتلندي وهو مضطرب بين مشاعر الغضب والحنق عليه، والحزن على فراقه.

 

Letters From Iwo Jima

 

(رسائل من أيوا جيما).. الحقيقة على لسان الأعداء

في هذا الفيلم يقدم المخرج العريق (كلينت إيستوود) قصة حربية من وجهة نظر عدو سابق للولايات المتحدة الأمريكية، بكل ما يعني ذلك من تعاطف وتفهم لموقف ذلك العدو، خلافاً للأفلام الحربية الأميركية التي تناولت الحرب العالمية الثانية في الماضي، والتي صورت اليابانيين كمحاربين مهووسين ومتوحشين.

ففي نهاية الحرب العالمية الثانية كانت القوات الأمريكية تخطط لمهاجمة اليابانيين في جزيرة صغيرة تدعي (أيواجيما)، وعلى الرغم من أنها مجرد جزيرة بركانية صخرية، إلاّ أنها كانت ذات أهمية إستراتيجية كبيرة لقوات اليابان الذين يرونها الحاجز الأخير الفاصل بينهم و بين قوات الحلفاء وقد تولّى تاداميشي كوريباياشي قيادة القوات في الجزيرة، وأعد خطة إستراتيجية غير اعتيادية تعتمد على حفر الأنفاق والكمائن التي تعطي لجنوده مزايا تكتيكية عن جنود العدو، و على الرغم من أن بعض الضباط القدامى كانوا ضد خططه هذه، وعلى الرغم من عدم ثقة تاداميشي نفسه بالخطة إلاّ أنه مضى قدماً بها، وقام جنوده بحفر الأنفاق بجدية واستماتة في محاولة لكسب هذه المعركة الأخيرة.

يستند سيناريو فيلم (رسائل من إيواجيما) للكاتبة اليابانية الأميركية إيريس ياماشيتا إلى قصة اشتركت في تأليفها مع الكاتب السينمائي بول هاجيس. وقد اعتمد الكاتبان ياماشيتا وهاجيس في قصتهما على مجموعة من الرسائل التي أرسلها تاداميشي لزوجته وابنته وابنه من موقع المعركة والتي نُشرت في كتاب صدر في اليابان، وعلى مئات الرسائل الأخرى التي كتبها الجنود اليابانيون والتي عثر عليها مدفونة في رمال إيواجيما بعد عدة عقود. ويقوم بأدوار الفيلم ممثلون يابانيون يجسدون الجنود الذين قُتل معظمهم وهم يدافعون عن جزيرة أيواجيما.

 

Babel..Bobby

رصاصة طائشة في (بابل).. واغتيال في (بوبي)

على الرغم من أن فيلم (بابل) يعالج قضية إنسانية بحته، إلاّ أنه مشبع بالرسائل السياسية الواضحة في ملتقى خيوط القصة المتناثرة في ثلاث قارات وبأربع لغات.

ففي هذا الفلم يسوق المخرج المكسيكي أليخاندرو كونزاليس عدّة قصص لأشخاص تلتقي دروبهم ببعض بطريقة أو بأخرى، الفيلم كان ببطولة براد بيت، والأوسكارية كيت بلانشيت، ومن المكسيك جايل جارسيا وأدريانا بارازا، ومن اليابان راينيكو كايكيوشي، كوجي ياكوشو.

في الفيلم يظهر ريتشارد (براد بيت) و سوزان (كيت بلانشيت) متزوجان منذ سنين ولهم ثلاثة أطفال، يتوفى أحدهم فيصابان بالحزن الشديد على فقدانه، وبعد فترة من موته يقرر ريتشارد السفر بسوزان إلى المغرب ليخرجها من حالة الاكتئاب الشديد التي أصابتها بعد موت الطفل، ويقرران عندها ترك طفليهما الآخرين برعاية خادمتهما المكسيكية أميليا ومن ثم يسافران إلى المغرب، وبعد أن يرحلا تعلم الخادمة أميليا أن أبنها سوف يتزوج في المكسيك فتحتار ماذا تفعل بالطفلين الذين تُركا في رعايتها، وتقرر أن تأخذهما معها إلى المكسيك بينما يحصل في المغرب رجل فقير يعمل في رعي الأغنام على بندقية صيد جديدة يعطيها لأبنه لكي يحمي بها الأغنام من الذئاب، ولكن الابن يقوم بالعبث واللعب بها فتنطلق رصاصة طائشة منها على حافلة للسواح الأجانب فيها ريتشارد وسوزان وتصيب الرصاصة سوزان وتُنقل إلى المستشفى، في الوقت الذي تعلن فيه أمريكا أن سوزان أصيبت من قبل إرهابيين خطرين، لتتحول المسألة إلى أزمة سياسية بين البلدين.

\"بابل\" الذي حاز على جائزة \"جولدن جلوب\" كان موقفه تقليدياً من العرب والمسلمين، فقد ركز على الأسر المسلمة الفقيرة والبدوية، وأظهر الأسرة المغربية من رؤية نمطية للعرب وقراهم وبوصفهم بدائيين متخلفين، ربما لا يكون هذا ما عناه المخرج تماماً، لكن هذه المشاهد تكوّن إيحاءات واضحة، خصوصاً حين ترفض سوزان الأمريكية تناول أي طعام مغربيº لأنها لا تثق في نظافته.

السياسة كانت حاضرة بقوة أيضاً من خلال فيلم \"بوبي\" الذي يروي تفاصيل الليلة الأخيرة في حياة مرشح الرئاسة السيناتور روبرت كنيدي قبل اغتياله، من خلال استعراض ما كان يشغل عدداً متبايناً من الشخصيات في ذلك الوقت، تتقاطع مع بعضها البعض وتصب في لحظة الاغتيال يوم 5 يونيو 1968 داخل فندق أمباسادور بلوس أنجليس.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply