لقاء الدكتور أسامة المزيني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

* حركة حماس منذ أن شكلت الحكومة الفلسطينية بعد فوزها في الانتخابات الأخيرة تعرضت لحصار عالمي وسياسي واقتصادي وعسكري، فما أسباب الحصار؟

 

- الحقيقة أن الغرض الأساسي من هذا الحصار الشامل، على حكومة حركة المقاومة الإسلامية حماس، هو رغبتهم في إفشال المشروع السياسي للحركة الإسلامية. ليس المقصود حركة المقاومة الإسلامية تحديداً بقدر ما هو المشروع السياسي للحركة الإسلامية برمته، والذي تمثله حركة المقاومة الإسلامية حماسº ولذلك هم لا يريدون لهذا البرنامج السياسي الإسلامي أن ينجح، فتضافرت كل الجهود العربية والدولية الغربية والمنافقة من أجل إجهاض هذه التجربة، على اعتبار أن إجهاض تجربة حماس ستوجه ضربة للبرنامج السياسي وللتوجه السياسي للحركة الإسلامية العالمية...هذه واحدة.وهناك أمر آخر أُريدَ له أن يتحقق من خلال هذا الحصارº وهو أن تفشل حماس كحكومةº ليظل بارزاً في الأذهان أن حركة المقاومة الإسلامية هي حركة مقاومة تصلح فقط للقتال وفي خنادق مقارعة الظالمين، أما الحياة والمجتمع المدني فإنها غير ناجحة، وبالتالي عليها أن ترجع إلى الخندق وأن تبدع في هذا المجال فقط، أما الأمور الحياتية فلا مجال لها فيه... وهذا أمر آخر أُريدَ تحقيقه من خلال ذلك الطرح.

 

* لكن ألم تكن حماس تقرأ هذا الواقع وهذا المستقبل؟ ألم يكن الأفضل لحماس في هذه الفترة أن تكون تحت قبة البرلمان (في المعارضة) تراقب وتحاسب الحكومة تمهيداً لعملها في الدولة؟

 

-الحقيقة، ولنكن صُرحاء، أننا كنا نتوقع حصاراً، ولكن ليس بهذا الشكل الشامل القاسي العنيف الذي نتعرض له. كانت لدينا تقديرات أن ستكون هناك مضايقات، ولكننا كنا متأملين في إخـواننـا العــرب أكثـر مما وجدناهَ. كنا نأمل أنه إذا ما حاصرنا الآخرون: أمريكا، والصهاينة، وأوروبا فإننا سنجد في العرب من سيكون متنفَساً لنا من ذلك الحصار، وقد وجدنا ذلك جزئياً. لقد وجدنا من يمولناº ولكن لم نجد من ينقل لنا هذه الأموال إلى الداخلº لأن العرب كانوا أعجز من أن يتحدَّوا أمريكا فيدخلوا هذه الأموال. لقد تبرع لنا الكثير من الحكومــات العربــية بمبــالغ سخـية، فكنـا كمـن يـرى المـاء ولا يستطيع أن يصل إليه. أموال موجودة في الخارج تصل إلى حوالي ربع مليار، ولكننا عاجزون عن إدخال هذه الأموالº لأن البنوك ترفض أن تحولها، والجامعة العربية عجزت عن أن توصل الأموال بسبب الرفض الأمريكي، حتى البنوك الفلسطينية غير القادرة على تجاوز الحظر الأمريكي خوفاً على مصالحها هنـا وهنـاك لـم تستـطع أيضـاً أن تتجـاوب معنـاº ممّا أجبرنا على أن نحاول أن ندخل هذه الأموال بالطرق اليدوية، وأن يقوم وزراؤنا بالتجول في دول العالم لجمع الأموال ثم إدخالها بطرق عدة. المهم: إننا فتحنا ثغرة في هذا الحصار.

أما لماذا لم نكتفي بأن نراقب تحت قبة البرلمان؟ فنحن نقول: إنه قد بلغ فساد الآخرين حداً لا نستطيع معه أن نقف ساكتين حيال هذه المشكلة.

فقد بلغت المديونية حوالي مليارين ونصف! هذه الدولة الصغيرة في هذه المدة القصيرة تصل مديونيتها مليارين ونصف؟! وقبل أن نستلم الحكم كان يقال: إن هناك في خزينة السلطة 200 مليون دولار، وحين استلمناها إذا بها خاوية الوفاض! أين ذهبت المائتا مليون دولار؟!

 

إزاء هذا المشهد لا نستطيع أن نقف عاجزين، لا سيما أن الجماهير أعطتنا ثقة عالية وثقة عزيزة تظهر مدى رغبتهم في أن يغيروا هذا اللون الذي يحكمهم. إزاء هذه المعطيات كلها وجدنا أنفسنا مضطرين إلى أن نخوض تجربة البرلمان وتجربة الحكومة. كنا نحرص ألا تكون الحكومة لوناً واحداً، وعملنا على ذلك جاهدين، وحاولناº ولكن كان هناك بعض الاعتبارات النفسية، مثل (فتح) التي لها 40 عاماً وهي تملك ناصية القرار الفلسطيني، صعب عليها في يوم وليلة أن تصبح مقادة بعد أن كانت تقودº فلذلك رفضت أن تشارك، وقال أحدهم: «عار على فتح أن تشارك في حكومة تقودها حماس»، باقي فصائل الكتل البرلمانية كانت ذات علاقة بمصالح غربية، وارتباطها بحكومة ترأسها حماس كان كفيلاً بأن توقف تلك المصالح وتلك المساعداتº بل أنها هُددت، إن صح التعبير، بأنها إذا ما شاركت في حكومة حماس فإنها سوف توضع على (القائمة السوداء).

 

* إذن أُجبِرتم على تولي القيادة. يفترض في الحركات والأحزاب السياسية ألا تُدفع إلى مثل هذه القرارات دفعاًº يفترض أن تكون لها القراءة الصحيحة؟

 

-الحقيقة إننا واثقون أنه لا بد من قراءة مستقبلية شاملة، وكانت لنا هذه القراءة، ولكن الله أعطانا أكثر مما كنا نتوقع، وكانت تقديراتنا تقول: إننا سنحصل على 30-40% من الأصوات والمقاعد. وهذه لم تكن قراءتنا وحدناº ولكن كانت قراءة كل الفصائل والتنظيماتº بل حتى المخابرات الأمريكية والصهيونية كانت عندها مثل هذا التصور. الرغبة الجامحة للتغيير كانت موجودة عند الجماهير.

أما على صعيد الحصار، استطعنا أن نقدم لشعبنا 6 سلف، كل سلفة عبارة عن نصف الراتب، أي وفرنا 3 شهور من 5 شهور. وهذا يعتبر شياً جيداً وخرقاً للحصار، ولكن الإشكالية تكمن في أناس من بني جلدتنا كانوا شاركوا في هذا الحصار.

 

* دعنا نتحدث عن الحصار الداخلي وسحب الصلاحياتº كيف ـ من وجهة نظركم ـ تعاملت (فتح) وتعامل محمود عباس في موضوع الحصار الداخلي، كيف ترونه، وتقيمونه؟ وما شكل الحصار الداخلي؟

 

- الحصار الداخلي الذي مورس على حكومة حماس كان أقسى من الحصار الخارجي، الذي تمثل بإغلاق المعابر ومنع الأموال. من اليوم الأول كان واضحاً عدم استيعاب حركة (فتح) تحديداً لأن تغادر موقع الحكم، ومن اليوم الأول خرجت مسيرات تنادي بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، وتنذر بقلاقل موجودةº بل تعالت الأصوات بمطالبة الرئيس (أبو مازن) بعدم تكليف حماس بتشكيل الحكومةº ولكن طبعاً هذا الأمر لم يتم، وفعلاً شكلت حماس الحكومة، وتم نقل الوزارات إلى الوزراء الجدد، في خطوة بدت ظاهرية أنها في منتهى الديمقراطية. يأتي الوزير (الفتحاوي) ويبتسم وهو يصافح الوزير (الحمساوي) ويسلمه مقاليد الأمورº ولكن ما لم يكن أمام وسائل الإعلام أن هذه الديمقراطية الشكلية كانت تحوي في داخلها مخططاً رهيباً لإفشال الحكومة الجديدة. على سبيل المثال: لنأتي إلى وزارة الإعلام، جاء وزير الإعلام وأراد أن يمارس مهامه، فتفاجأ أن الرئيس (أبو مازن) يسحب تلفزيون فلسطين، وقناة فلسطين الفضائية، ووكالة (وفا) وهيئة الاستعلامات من أن تكون تحت سلطة وزير الإعلام! لا سلطة لوزير الإعلام على أي من الصحف المحلية، ولا سلطة لوزير الإعلام على أي من الإذاعات المحلية. الإعلام الرسمي ضد الحكومة، الإعلام الرسمي صباح مساء يشوه الحكومة وينتقدها ويستحضر من يهجم على الحكومة!

لنأتي إلى وزارة المالية: هي وزارة مالية بلا مال! وجاء الرئيس (أبو مازن) فقال: إن العالم لا يريد أن يتعامل مالياً مع حكومة حماس. إذن ما هو المطلوب؟ فقـال: إن العـالـم يـريـد أن يأتي المال عبـر الرئاسة. فقلنـا له: لا مانع بشرط ألا يُصرف هذا المال إلا من خلال وزارة المالية، ووافق الرئيس (أبو مازن) على ذلك، ولكننا تفاجأنا بأن وزارة المالية تقدم كشوف الموظفين، فإذا بالرئيس (أبو مازن) يغير في مثل هذه الأشياء. كيف يغير؟! يطلب ـ مثلاً ـ أن يصرف 37 مليون، على سبيل المثال، إلى الساحات الخارجية، أي الساحتين اللبنانية والسورية، ومكاتب منظــمة التحـرير. فما دخل السلطة الوطنية بمكاتب منظمة التحرير؟ نحن نقول: إن منظمة التحرير أكبر من السلطة الفلسطينية. فالأصل أن منظمة التحرير تنفق على السلطة الفلسطينيةº وليس السلطة الوطنية هي التي تنفق على منظمة التحرير. هذه واحدة. ثم إن لمنظمة التحرير مواردها الهائلة، لا زالت (5%) من مرتبات الموظفين تقتطع لصالح منظمة التحرير الفلسطينية، ولا زال صندوق الاستثمار، ولا زالت الكثير من الأموال تنهال على منظمة التحرير الفلسطينية. إذن: أين تذهب هذه الأموال؟! إذا كانت منظمة التحرير تريد منا أن ننفق على السفاراتº فندفع مرتبات السفراء، وندفع أجرة السفارات، وندفع تكلفة كل هذه الأشياءº فأين تذهب أموال منظمة التحرير الفلسطينية؟ ثم في الوقت الذي نحـن نعـاني فيـه مـن الضائقـة الماليـة ولا نستطيع أن نعطي الموظفين الرواتب، نقتطع من هذه الأموال إلى الخارج. المهم، الذي وجدناه أن الذي يتحكم في المال وما يصـرف ومـا لا يصـرف هـو الرئيـس (أبو مازن)º وليس وزير المالية! إذن هي وزارة مالية بلا مال، وزير داخلية بلا أجهزة أمن. تخيل السيد (سعيد صيام) عندما جاء تفاجأ أن الرئيس (أبو مازن) سحب منه الأمن الوطني على اعتبار أن الأمن الوطني طبعاً من صلاحيات الرئيس! مع أن اسم الوزارة وزارة الداخلية والأمن الوطني، ثم بعد ذلك تفاجأنا أن الأجهزة التي تحت إمرته وضع الرئيس (أبو مازن) مديراً عاماً لهاº وهو رشيد أبو شباكº لكي يكون مسئولا عن هذه الأجهزة! فشكل جسماً عازلاً بين الوزير وبين الأجهزة الأمنية.

فإذا ما أراد الوزير أن يتعامل فلابد أن يمر من خلال رشيد أبو شباك، فأصبح رشيد هو الوزير الفعلي.

فتخيل مثل هذه الأشياء! تخيل حكومة بلا معابر، إذن كيف سوف تجني الجمارك إذا كانت المعابر مع الرئاسة؟ لأن الرئيس (أبو مازن) قال: إن المعبر إذا كان مع الحكومة فإن الصهاينة سوف يغلقون المعبر وتحتله. هذه صورة لسحب الصلاحيات، ولكن طبعاً اتخذنا خطوات للتعامل مع مثل هذه الأشياء حتى نكسر الحصار، سـواءً كان الحصار الداخلي أو الحصار الخارجي.

 

* هل استطاعت حماس أن تحدث اختراقاتº سواء على صعيد كسر الحصار سواء الخارجي أو الداخلي؟ وكيف تعاملت معه؟

 

-الحقيـقة أننـا تعاملنا، ومنذ اليوم الأول، مـع الجميـع، ســواء الحصار الداخلي أو الخارجي.

فعلى صعيد الحصار الداخلي: جلسنا مع الرئيس (أبو مازن) كحكومة وكحركة، أخبرناه بكل صراحة ووضوح أن هناك صلاحيات تسحب، وهذا ليس في الصالح العام، وجلسنا مع الإخوة في (فتـح)، وقلنـا لهـم: يا إخـوة! هـذه أيدينا ممـدودة لكـم، تفضـلوا وشـاركونا فـي الحكـمº ولكـن لا يصح أن تسلبوا منا الصـلاحيات، أمـا الفسـاد الموجود لو أطلقتم أيدينا فسنمكث أربع سنوات لكي نخفف من هذا الفساد الموجودº فما بالكم وأيدينا مكبلة؟ وتفاهمنا على العديد من القضايا، وبدا الحصار يتغير، فعلى سبيل المثال: فيما يتعلق بالأجهزة الأمنيةº الرئيس (أبو مازن) جلس مع الأستاذ (سعيد صيام) ومع (رشيد أبو شباك)، وطلب من الاثنين أن يتعاونا، وأن تستجيب الأجهزة الأمنية للرئيس (أبو مصعب)º فبدأت تتجاوب. وكانت هناك عدم مصادقة من قبل الرئيس على كل المراسيم التي تخرج من الحكومة، فبدأت تمشي بعض هذه المراسيم. صحيح أنها أقل من خمسها الموافق عليها، ولكن هناك نوع من التجاوب. بدأ التعامل مع مـديـري حمـاس والوكـلاء وما إلى ذلك، وبدأ نوع من الحلحلة أوجدت نوعاً من السير في الوزارات على الصعيد الداخلي.

وعلى الصعيد المـالي: بدأنا نكسر هذا الحصار، وبدأنا نتلقى مساعدات، وأخذ وزراؤنا يطوفون في العديد من الدول، وكانت هناك العديد من الدول التي كانت منذ فترة طويلة لا تقدم للفلسطينيينº أصبحت الآن تقدم، واستطعنا أن نجمع ما لا يقـل عن ربع مليار ـ أي 250 مليون ـ ولكن المشكلة كما قلت: كيف ندخل هذه الأموال؟ وفي تقديري هنــاك ما لا يقل عن 50 ملـيون أو يـزيـد لا زالـت فـي خـارج الـوطــن، لا نستطيع أن ندخلها. المهم أننا استطعنا أن نكسر الحصار، وأن نفهِّم أمريكا أننا قادرون على أن نوجد لشعبنا مصدر تمويل. وهذا هو السبب الحقيقي الذي من أجله أغلقت الصهاينة المعبرº لأن المعبر كان الشريان الذي من خلاله استطعنا أن نكسر الحصار.

على صعيد الحصار السياسي: تعاملَت معنا روسيا وكان فيه تحدٍّ, للموقف الأمريكي، وقابلت الوفد، وذهب الأستاذ (خالد مشعل) والأستاذ (سعيد صيام) أيضاً إلى روسيا. وفنزويلا كان لها موقف، والصين كان لديها استعدادº ولكن كل من كان يبدي استعداداً كان يُوَجه له ضغط حتى لا يتعامل مع حكومة حماسº أملاً في أن تسقط حكومة حماس. وأمريكا كانت قد طلبت منهم أن يمهلوها أربعة أشهر وتسقط حكومة حماس، وعندما فشلت طلبت منهم أن يمهلوها إلى نهاية شهر 12/2006مº فإذا لم تسقط حكومة حماس في نهاية شهر 12/2006مº فلتقم الدول بعمل علاقات في حدود ما تريد.

ولذلك نحن نقول لأبناء شعبنا: أعطوا هذه الحركة الفرصة حتى تجتاز عنق الزجاجة، ثم بعد ذلك احكموا عليها. لذلك فإن الانقلابيين، ولأنهم يعلمون هذا الأمر، يريدون أن يعملوا جهدهم وينفثوا سمومهم حتى يسقطوا الحكومة قبل أن ينتهي هذا العامº لأنهم يعلمون أنه إذا انتهى شهر 12 ولم تسقط حكومة حماسº فإن أوروبا ستتعامل معها والعديد من الدول كذلك. وستكون هذه ضربة قاسية للحصارين المالي والسياسي، وبالتالي سيكون بداية النجاح الحقيقي لحكومة حماس.

 

* أنتم إذن الآن في تحدٍّ, كبير للوصول إلى نهاية العام؟

-نعم، ونحن نعتبر أن صمودنا إلى نهاية العام أمر في غاية الأهمية.

 

* في 28/10 كان هناك توجس من قبل الشارع من حدوث ربما اقتتـال، أو صدامات، أو ما شابه ذلكº هل ذاك كان رسالة واضحة من حماس بعدم السماح لأحد بإسقاط هذه الحكومة؟ وكيف ستواجه حماس أي محاولة انقلابية قادمة؟ ما هي الأسسº هل ستكون بالتلويح، أم بالقوة؟

وردنا من مصادر متـعددة ومتنـوعـة ـ من أكثر من أربعة مصادر مختلفة ـ مما أعطى المعلومة قوة، أن (فتح) وانقلابيين في (فتح) يعدون لعمل قلاقل وما يشبه الانقلاب العسكريº من أجل السيطرة على المؤسسات بالقوة، وطرد الوزراء وطرد المديرين ووكلاء العموم من أماكن عملهم ـ الوكلاء الحمساويين ـ والسيطرة على بعض الأماكنº بل حرقها وتدميرها، ونشر العديد من القوات في المفــترقات بـ (الكلاشينكوفات والآر بي جي). وكان مؤكداً إزاء مثل هذا الأمر أننا لن نسمح لأي أحد أن ينقلب على خيار الشعب الفلسطيني وخياره الديمقراطي، ولذلك وضعنا خطوات وبدأناها بالخطوات السلمية الدبلوماسية، فبدأنا بإخواننا المصريين والقطريين، ووضعناهم في الصورة على اعتبار أنهم كانوا وساطات خير بيننا وبين (فتح)، وذهبنا إلى إخواننا في (فتح)، وقابلنا السيد (أبو ماهر حلس) والتقينا بالرئيس (أبو مازن) وتناقشنا في العديد من القضايا وكذلك لجنة المتابعة، ووضعنا الفصائل كلها أمام مسئولياتهم، وقلنا لهم: بأننا لن نسمح لهذا الأمر أن يتم، وأعلنَّا حالة الاستنفار داخل الحركة وداخل كل أجهزتهاº أبناء الحركة جميعاً يجب أن يكونوا مستنفرين خلال الأسبوعº لأن هذا مشروعنا، ولن نسمح بالانقلاب عليه. والحمد لله رب العالمين آتت هذه الجهود والتحركات ثمارها، وعندما وجدوا أن حماس جادة في وضع حد لهذا الأمر، أعاد العديد من قادة هذا الأمر الانقلابي النظر في المسألة، وقيّموا الأمور. ويبدو أنهم حكّموا العقل، وجمدوا خطواتهم أو ألغوها.

 

* قــادة التيـار الانقلابي لمــاذا لا يتم تعريتهم؟ حيث كان حديث في بيانكم أن هؤلاء دبروا المؤامرة وهربوا في ليل، وكان معروف أن من سافر في تلك الليلة (محمد دحلان)، فلماذا لا تكون الأمور واضحة؟

 

-الأمور كانت واضحة، وتحدثت كتائب القسام بشكل واحد أن توفيق الطيراوي ومحمد دحلان ومن معهما يفكرون ليل نهار وصباح مساء: كيف ينقلبون على هذه الحكومة؟ ولكن نحن نحاول جاهدين أن نجمع وألا نفرق، وأن نتناصح نحن وإخواننا في حركة (فتح)º الذين نشعر أن في الكثير منهم رغبة في أن يكون هناك وفاق بينهم وبين حماسº إلا أن هؤلاء الانقلابيين، الذين لم تستطع فتح حتى الآن أن تتخذ موقفاً حازماً منهم، هم الذين يعكرون الأجواء. لذلك أنا أحب أن أنقل هذا الخبر: إن هناك الآن مكتباً عند المجلس التشريعي تم استئجاره ليكون مقراً مشتركاً بين فتح وحماس، وسيكون هناك ممثل عن فتح وممثل عن حماس طوال الأربع وعشرين ساعة لحل جميع الإشكاليات التي قد تكون بين الحركتين. هناك رغبة صادقة وملحة عند الحركتينº لكي تكون العلاقات فيما بينهم علاقات ودية.

 

* ولكن هذا التيار الانقلابي يبدو أنه الذي يملك القرار في فتح؟

- نعم، يملك القرار ولكن بنسبة محدودةº لأنه مدعوم بالأموال الأمريكية، وبالقرارات الأمريكية، ومن هنا تكمن القوة. ولكن كما هو واضح من خلال الاستقراء، ومن خلال ما نلاحظه من خلال الإخوة في فتح، أن هذا التيار تيار ضعيف في عدده، قليل في أفرادهº ولكنه متنفذ ولديه الأموال. إن هناك صحوة بدأت تظهر عند الإخوة في فتح، وبدأ ينتبه بعضهم إلى أن هناك أناساً انقلابيين، وأن ما تقوله حماس ليس اتهاماً ولكن حقيقة موجودة، وبدؤوا ينتبهون، وإذا ما زاد عدد المنتبهين إلى هذا الأمر فلعلهم يستطيعون أن يضعوا له حداً حتى لا يستفحل.

 

*يعني أنت متفائل بمستقبل العلاقة بينكم وبين فتح؟

- نعم هناك أناس لديهم رغبة جادة، وأنا أحب أن أقول: إن (عبد الله الإفرنجي) استقال من موقعه في حركة فتح، هناك خلافات حقيقية داخل حركة فتح على من يملك القرار، وهناك العديد من القيادات المخلصة في فتح تشعر أن هناك أناساً لهم خط صهيوني، يريدون أن يسيطروا على القرار داخل الحركة.

 

* توافقتم على وثيقة الوفاق الوطنيº إذن ما الذي يمنع من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؟

الذي يمنع من تشكيل حكومة وحدة وطنية سفر (أبو مازن) إلى أمريكا، حيث قال له الأمريكان: إننا لن نفك الحصار إلا إذا وافقت حكومة الوحدة الوطنية على الاعتراف صراحة بـ (الدولة العبرية)، ونزع سلاح المقاومة، والاعتراف بجميع الاتفاقيات الموقعةº فجاءنا (أبو مازن) بهذا الشرط، فقلنا له: يا (أبو مازن) نحن لن نستجيب لشروط أمريكا من أجل ترتيب الوضع الداخليº فلنرتب أوضاعنا داخليـاً. قـال: لا بـد مـن الموافقـة على ما تريده أمريكاº حتى نفك الحصار! قلنا له: إذا واجهنا الحصار متَّحِدين ومجتمعين فنحن قادرون على فكِّه. لكن الرئيس (أبو مازن) أصر على هذا الشرط، ومن هنا توترت الأجواء، وبدأت الأمور تسخن فيما بيننا وبين الرئاسة، ثم بعد ذلك بدأ وسطاء الخير وبعض الفصائل الفلسطينية بالتحركº من أجل العودة إلى وثيقة الوفاق الوطني، وكان كلامنا واضحاً. لقد اتفقنا على وثيقة الوفاق فلا تراجع عنها الآن. (أبو مازن) يريد أن يتراجع عن وثيقة الوفاق الوطني باعتبار أنها غير مقبولة أمريكياً، قلنا: لقد بذلنا فيها جهداً خرافياً حتى توافقنا عليها، وهي تمثل قاسماً مشتركاً بين جميع الفصائل، وإذا رفضتنا أمريكا ستقبلنا أوروبا والعرب، وهناك البديلº فليس بالضرورة أن تقبلنا أمريكا. فهناك مؤشرات وبوادر أن إذا ما اتحدنا وشكلنا حكومة وحدة وطنية وتوافقنا عليهاº فإن أوروبا والعرب سوف يقبلوننا، وبالتالي نحن نستغني عن الأمر الأمريكي. الذي فهمناه أن هناك نوعاً من الموافقة على بعض المعطيات بهذا الأمر، ولذلك نحن متفائلون أن الأيام القادمة قد تشهد اتفاقاً فيما يتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية على أساس وثيقة الوفاق.

 

* إلى متى ستبقى الأمور هكذا؟ إذا كانت أمريكـا لا تريـد حكـومـة وحدة وطنــية إذن ستـبــقى الأمـور معلقـة إلا بموافقة أمريكية؟

 

- إذا أصرت الرئاسة على الموافقة الأمريكية فلا شك ستظل أُمُورنا معلقة. ولكن بعد أن رأى (أبو مازن) صلابة الموقف الحمساوي، ورغم الضغوط التي افتعلت إلا أن حماس لا زالت على موقفها الذي بدأت الكثير من الفصائل تتجاوب معه. بدأ الرئيس (أبو مازن) يلين من مواقفه، ولذلك هناك بعض الوساطات التي تبين أن بالإمكان التنازل عن البرنامج السياسي الصريح اعتماداً على أن وثيقة الوفاق الوطني ممكن أن تكون هي البديل لهذا الأمر.

 

* هناك شخصيات وقعت على وثيقة جنيف مثل (ياسر عبـد ربه)، لماذا لا تطلب حماس إبعاد مثل هذه الشخصيات عن الحوار بينكم؟

- نحن ننصح ولا نستطيع أن نطلب ونلزم، فقط ننصح، وذكرنا للسيد (أبو مازن) ماذا يمثل باسم عبد ربه، لماذا يبقى في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟! هو لا يمثل إلا نفسه، لا يمثل تنظيماً ولا فصيلاً، لا يمثل إلا نفسهº فلماذا يبقى في هذا الموقع المتقدم والحساس في صناعة القرار الفلسطينــي؟ ولكنــنا نطــلب وننصــح ولا نستطيع أن نلزمº لأننا ما لم نقم بإصـلاح منظمـة التحـرير الفلسطيـنية فلا يكون لنا الطرف الإلزاميº ولكن عندما يكون لنا طرف في منظمة التحرير وعندما ندخل اللجنة التنفيذية عندها يكون لنا موقف في مثل هذه الأمور.

 

*ماذا عن مفاوضات الجندي المأسور (جلعاد شليط) وصفقة تبادل الأسرىº وخاصةً أن وفداً من حماس يرأسه عماد العلمي توجه إلى القاهرة؟

- الحقيقة بدأ العدو يشعر أنه عاجز عن إنهاء هذا الملف بالطرق العسكريةº لذلك بدأ يتراجع. وكان واضحاً هذا التراجعº ففي البداية كان يقول: لا بد مـن الإفــراج عــن الجـنــدي دون قـيـد أو شرط، وكنا نشترط التبادلية، واليوم الطرف الصهيوني يقبل التبادلية، وقبل بالطرف المصري وسيطاً بيننا وبينهم، وعين من جهاز المخابرات مندوباً للاتصالات، وتمت فعلاً الأمور وبدأت المفاوضات، وهذا بحد ذاته نجاحº ولكن هذا التقـدم لا نستطيـع أن نقول: إنه وصل إلى نهايتـه، لا زال أمـامنا مـراحل كبيرة، لا سيما أن الطرف الصهيوني يتعامل بمماطلة وتسويف في هذا الملف، ويأمل أن يتمكن بأن يأخذ ولو طرف خيط يمكن أن يصل لحل لهذا الملـف. لذلك هو يفـاوض وفـي الـوقـت نفـسه يبــحث. وما الهجوم على بيت حانون إلا محاولة، وهذه طبيعة الصهاينة تتخذ المنحى العسكري والمنحى الدبلوماسي. ولكني أستطيع أن أقول ملخص الأمر: هناك تقدم على صعيد الملف، وهناك قبول بأشياء لم يقبلها العدو الصهيوني، والتقدم طفيف، ونحن في حاجة أن نتفق على صفقة التبادل.

 

* هل الحكومة قادرة على دعم حماس على الصمود حتى نهاية العام؟

- إذا تفهَّم الشعب الوضع، وإذا لم يستجب الموظفون للدعوات الانقلابية، بإذن الله سوف تصمد.

 

* هناك أحاديث كثيرة صهيونية على عمليات واسعة واجتياحاتº هل تتوقعون اجتياحاً كبيراً؟ وماذا أعددتم له؟

- الحقيقة أننا نعلم أن الاجتياح لغزة سيحدثº ولكـن اجتيـاح لكافة قطاع غزة لا يمكن أن يحدثº لأنه يكبد العدو خسائر كبيرة. وجميع المحاولات السابقة كانت تدل على أن هذا العدو جبان ويتوغل بالأطراف. ولم يكن يتوغل إلى الـداخلº لأنـه حـاول فـي أيــام الغضب أن يتـوغـل إلـى مسافات كبيرة وسقط منه جنــود كثيرون. ونـحن نـقـول: إنـنـا لا نخشى هذا التهديد، وإننا حركة مقـاومـة، وقـد حـاول أن يجـتاح ولكـنه لم يفلحº وأخذ الأطفال يلعبون بأشلاء الجنود بالزيتون ومحور (فلدلفيا)، فنحن لن نستقبله بالورودº بل بالعبوات الجانبية، وسنكون متحدين على قلب رجل واحد.

 

* ماذا تريدون من الشعوب العربية الإسلامية؟ وماذا تقولون لهم؟

- نحن نقول لكافة الشعوب: نحن بحاجة إلى دعمكم المعنوي والسياسي والمالي، أما على صعيد الجماهير فنحن بحاجة للخروج في مظاهرات تأييدº من أجل أن تخفف الضغط عن أبناء شعبنا. نحن نقدم الشهداء والدماء.

وعلى الصعيد الإعلامي نحن بحاجة للقيام بتنظيم مؤتمرات ليشكلوا لنا رافداً قوياً يعيننا على الصمود، ونحن بحاجة إلى تبرعاتهم، فهذه التبرعات تساعد في كسر الحصار وعدم الخضوع للمقايضات الأمريكية، فهذه التبرعات كفيلة أن تساعدنا على صمودنا والاستغناء عن أمريكا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply