الإصلاح العلماء والدعاة لـ (الدعوة): ضرورة..ولكن أي إصلاح نريد؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ صالح الفوزان:

لا صلاح ولا إصلاح إلا باتباع الشريعة وليس أهواء الناس

 

د.محمد النجيمي:

 إذا لم يتم الإصلاح الداخلي ربما يكون ذلك مسوغا لتدخل أصحاب النيات الخبيثة

 

د.عبد العزيز العمري:

ينجح الإصلاح باستشعار المسؤولية والإخلاص لله ثم للوطن

 

د. حسن العبيدي:

الإصلاح يحتاج إلى خطوات مرحلية ولايتم مرة واحدة

 

د. إبراهيم السعدان:

الانتخابات البلدية بداية موفقة ورغبة جادة في الإصلاح

 

أكد عدد من المشايخ والعلماء أهمية الإصلاح الداخلي في المملكة مشيرين إلى ضرورة أن يكون ذلك وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية وأن يخدم المجتمع ويراعي مصالح الأفراد والجماعات..

 

وأشاروا في تحقيق مع (الدعوة) إلى أن الانتخابات البلدية في المملكة سارت ضمن نهج الإصلاح الذي تتبناه الحكومة في سبيل إصلاح الوطن وضمان رفاهية المواطنين جميع. وفيما يلي نص التحقيق:

 

في البداية يشير سماحة الشيخ صالح الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء إلى ضرورة أن يكون الإصلاح وفقا للشريعة الإسلامية لأن أي محاولة غير ذلك ستؤدي إلى الفساد، حيث قال:

 

إن الإصلاح مطلب عظيم كل يتمناه وكل يطلبه، لكن بماذا يتحقق الإصلاح؟ هنا تختلف الوسائل وتتنوع النتائج، فكثير من الناس يظن أن أسباب الإصلاح هي إعطاء الناس ما يشتهون في هذه الحياة وهو ما يسمونه الديمقراطيةº أي أن الشعب يحكم نفسه بنفسه ولا يحكم فيه بشرع الله الذي خلقه ويعلم مصالحه، بل كل ميوله وما يهواه. وهذا في الواقع لا يحقق إصلاحا لأن أهواء الناس تختلف ورغباتهم تتنوع، بل إن النتيجة من وراء ذلك هي الفسادº فقال - تعالى -: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن} [المؤمنون: 71]، ولذلك لم يكل الله الناس إلى أهوائهم ورغباتهم، بل رسم لهم طريقا يسيرون عليه في حياتهم وهو ما أرسل به رسله وأنزل به كتبهº فكل شريعة سماوية اتباعها والعمل بها في وقتها إصلاح ما لم تنسخ إلى أن جاءت شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فنسخت ما سبقها من الشرائع وتضمنت صالح البشرية إلى أن تقوم الساعةº فلا صلاح ولا إصلاح إلا باتباع هذه الشريعة والتحاكم إليه. قال الله - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59]. وسمى الله اتباع شرعه إصلاحا ومخالفة شرعه إفسادا قال - تعالى -: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [الأعراف: 85]º فإصلاحها باتباع شرعه وإفسادها بمخالفة شرعه.

 

والإصلاح في الأرض إنما يتحقق بتحكيم شرع الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال - تعالى -: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 40 - 41]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (.. ولحد يقام في الأرض خير لها من أن تمطر أربعين صباحا)، وهذا هو إصلاح الأرض وإصلاح أهل الأرض وما خالفه فهو تدمير للأرض ومن عليها وإن ادعى أصحابه أنه تعمير وإصلاحº فهذا من تسمية الأشياء بأضدادها ومن غش الخلق. وما أشبه الليلة بالبارحةº فمنافقو اليوم مثل إخوانهم من منافقي الأمس ينادون بالإصلاح ويدعون أن الإصلاح باتباع أنظمة الكفر وتعطيل الشرع ولكن {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32]. وكما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله -: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).

 

ضرورة الإصلاح الداخلي:

ويؤكد الأستاذ الدكتور محمد بن يحيى النجيمي، رئيس الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة على أهمية الإصلاح الداخلي بقوله:

 

الإصلاح الداخلي قضية مركزية ومهمة جدا وذلك لأن الحياة أصبحت معقدة ومتداخلة، أقصد حياة الناس الاقتصادية.

 

وكذلك إذا لم يتم الإصلاح الداخلي فربما يكون ذلك مسوغا ومبررا لأصحاب النوايا الخبيثة الذين يصطادون في الماء العكر فيتدخلون في الشأن الداخلي باسم الإصلاح ويثيرون القلاقل والمشكلات باسم الإصلاح.

 

كما أن نسبة البطالة قد ارتفعت إلى معدلات كبيرة لا يجوز السكوت عليها، بل لا بد من مواجهتها بإصلاح جذري ومسؤول. أما بماذا يتحقق الإصلاح الداخلي؟ فيتحقق بالتأكيد على الالتزام الكامل والشامل بالشريعة الإسلامية عقيدة ومنهج حكم وأن يتم الإصلاح في إطارها ضمن ضوابطها وتفعيل المشاركة الشعبية في القرار وتوسيع نطاقها بحيث تشمل مع مجالس البلديات مجالس المناطق ومجالس الشورى بالإضافة إلى التعليم الجامعي، فلقد سررنا بالقرار الذي اتخذ في التعليم العالي بإجراء انتخاب لرؤساء الأقسام وعمداء الكليات في القريب العاجل.

 

خطوة لا بد منها:

وعن مساهمة الانتخابات البلدية في مسار الإصلاح الداخلي قال: إن الدولة وفقها الله لما رأت كثرة الناس وتعقد وسائل الحياة والمعيشة، أصبح من الصعب حل هذه المشكلات بدون أخذ رأي المواطن مباشرة ولو استمرت الدولة في نهجها السابق لزادت الأمور تعقيدا، فكان لا بد من العودة إلى المواطن وخاصة أن الأمية قد انحسرت في هذا البلد إلى أقل من 02%، وهذه النسبة من الأمية ليست في صفوف الشباب والشابات غالبا، وإنما هي في كبار السن، ثم إن أبناء هذا البلد قد تعلموا مختلف العلوم وانفتحوا على العالم من خلال الفضائيات وشبكات الإنترنت. وأضاف: إن النجاح مرهون بتفعيل المجالس البلدية وإعطائها مزيدا من الصلاحيات وتوسيع المشاركة الشعبية في كافة المجالات وتوعية المواطن بأهمية المشاركة.

 

إصلاح الأفراد أولا:

أما الدكتور حسين بن عبدالله العبيدي، رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة، فيرى أن الإصلاح الداخلي يبدأ بإصلح كل فرد في المجتمع لنفسه لينعكس ذلك على إصلاح المجتمع بأكمله، موضحا ذلك بقوله: فإن الإصلاح ضد الإفساد، والإصلاح مأمور به ومحبوب، والإفساد منهي عنه ومذموم.

 

 وإذا أردنا إصلاح المرء نفسه وما ينعكس عليه من تحقيق الأمن والطمأنينة واستقامة الأصول، فإن دور الفرد المسلم مهم في تحقيق ذلك، حيث إنه إذا أصلح نفسه ثم من تحت يده ثم سعى في إصلاح أفراده ومجتمعه، عم بذلك الإصلاح فصار المجتمع كله صالحا فأسهم في تحقيق الإصلاح.

 

الإصلاح أمر ديني:

وعن الأسباب التي تفرض إدخال الإصلاح في المجتمع قال: أما لماذا الإصلاح، فلأننا مأمورون بصفتنا مسلمين إلى الإصلاح والسعي في سبيله، ونحن منهيون عن الفساد والإفساد، ومن هنا فإن الله - جل وعلا - يأمرنا بالإصلاح فور ظهور بوادر الشقاق فقال - تعالى -: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله... } [الحجرات: 9]. ولا شك أن الإصلاح سمة من سمات المؤمنين الصادقين حقا، فالمسلم مأمور بالتزامه، والإفساد من صفات المنافقين، قال - تعالى -: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام (204) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} [البقرة: 204 - 205]. ومن أهداف الإصلاح تحقيق الخلافة في الأرض وعمارتها كما أراد الله - جل وعلا - كما في الحديث الصحيح: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم.

 

وبين أن من أهداف الإصلاح الإحسان إلى الناس وإيصال الخير إليهم وكسب مودتهم واستمالة قلوبهم فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، فإذا سعيت بالإصلاح لهم فإنك بهذا تكسب مودتهم واحترامهم ودعاءهم فيتحقق بذلك الخير والأمن والصلاح، ومما يتعلق بذلك أن في الإصلاح حب الخير للناس ورفع الحرج والعنت عنهم وإحساسهم بالاهتمام بشأنهم ورعاية مصالحهم وفي ذلك خير كثير. ومن أهداف الإصلاح أنه من واجبات الرعية على ولي الأمر أن يسعى لما فيه صلاحهم، لذا فإن من القواعد الشرعية أن تصرف ولي الأمر منوط بالمصلحة، لذا فإن الإصلاح الحق ما كان موافقا للشرع وليس للهوى. وعن مدى نجاح عملية الإصلاح قال: سيتحقق النجاح إذا حصل التعاون بين كافة أفراد المجتمع بأن يحفظ الحق لأهله وتفهم الناس المقصود من الإصلاح وحدود الإصلاح وخطوات الإصلاح، وأن الإصلاح يحتاج إلى خطوات ومراحل وليس يقع في عشية أو ضحاها، بل يحتاج إلى مراحل وأولويات، إذا فهمت تلك الأمور نجح الإصلاح، وبقدر الإخلال بها أو ببعضها يتعثر الإصلاح وتستبطأ النتائج.

 

الإصلاح مطلب شرعي:

ويقول الدكتور عبدالعزيز العمري، عضو المجلس البلدي للدائرة الرابعة بمدينة الرياض: إن الإصلاح لأي شأن مطلب شرعي وعقلي ووطني، وبلادنا كغيرها من بلدان العالم تمر بمراحل مختلفة توجب علينا التوفيق والتقويم والبحث عن أي خلل موجود وإصلاحه ودعم مواطن القوة والتوجه إلى الإصلاح. إلا أنه شدد على ضرورة التفريق بين دعاة الإصلاح الحقيقي والداعين إلى الفوضى، حيث يقول: وقد كثر الحديث في المملكة في الآونة الأخيرة عن الإصلاح وطلب تحقيقه من مواقع مختلفة ويجب التمييز بينها، فهناك دعاة حقيقيون للإصلاح، وهناك حاجة حقيقية للإصلاح في جوانب مختلفة ينبغي النظر إليها بالعناية والتمحيص والتماس التفصيلات الدقيقة لهذا الإصلاح المطلوب والعمل على تحقيقه بالطرق الصحيحة والشرعية والمناسبة لبيئتنا وثوابتنا وقيمنا الخاصة،

 

مراعاة المصالح العامة:

وبين أن دور المواطن في الإصلاح يعتمد على موقعه وقدرته، فإذا كان هذا المواطن في موقع المسؤولية أو موقع الفكر فهو يتحمل عبئا أكبر في تحريك عجلة الإصلاح دون الهدم أو الإفساد فأهداف الإصلاح واضحة ووسائله مختلفة كل بحسب مكانه وقدرته، وينبغي أن يكون سعي المواطن والمسؤول في الإصلاح مبنيا على المصالح العامة بعيدا عن الذاتية والأنانية والمصالح الشخصية. وأن يميز المواطن بين الإصلاح الحقيقي والإصلاح الشكلي بين الإصلاح الجوهري والإصلاح المظهري.

 

نجاح الإصلاح:

وعن الوسائل التي يمكن أن تحقق النجاح في عملية الإصلاح قال: ينجح الإصلاح باستشعار المسؤولية والإصلاح لله ثم للوطن والبعد عن الأنانية ومعرفة تجارب الدول الأخرى وتيسير كل ما يتعلق بخدمة الناس مع ضبط حقوقهم واستعمال الأصلح والأكفأ على الوظائف العامة، وتحديد اللوائح والأنظمة وتطويرها بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وإقامة العدل بين الناس وأهم من هذا معرفة قيمة الوقت حيث تمضي السنوات، وأحيانا عشرات السنوات، لإصلاح موضوع ما أو نظام ما لا يحتاج إلا إلى أيام أو ساعات أحيان. كما ينبغي أن نعرف ثوابتنا ولا نتخلى عنها فالإصلاح خلاف الهدم، والله المستعان.

 

تقويم الذات:

أما الدكتور إبراهيم السعدان، عميد شؤون المعاهد الخارجية بجامعة الإمام فيعزو أهمية الإصلاح الداخلي إلى طبيعة أي عمل بشري، حيث لا بد من وجود بعض القصور، مما يتطلب العمل على إصلاح النواقص، وقال في ذلك: من أبرز خصائص العمل البشري النقص والقصور حيث خلق الإنسان ضعيفا، وهذا الضعف ليس محصورا على الضعف الجسمي أو النفسي، بل يتعداه إلى أي نشاط يقوم به الإنسان، والإصلاح الداخلي هو نوع من المراجعة والتقويم الذاتي، حيث إن الإصلاح الداخلي يبين الإيجابيات والسلبيات التي توجد في المجتمع، وما من شك أن هذا سيصب في مصلحة المجتمع سواء كانوا أفرادا أو جماعات. وعن دور المواطن في الإصلاح الداخلي قال: يعتبر المواطن هو الأساس في هذه العملية، فالنشاط منه وإليه، ولهذا فإن الإيجابية والتفاعل هي أهم الواجبات على المواطن، وإن صدق النية والإخلاص إذا توفرا لدى كل مواطن وأظهر الصوت الناصح الحريص على سلامة المجتمع وتماسكه وعنايته بمبادئه وقيمه الأصيلة، فإن الإصلاح الداخلي سوف يتضح أثره وتبين بركته، لأن من أنفع الأعمال ما كان نفعها متعد إلى الآخرين والإصلاح الداخلي هو نوع من هذه الأعمال المتعدية النفع، أما إذا فسدت النية واستغل الإصلاح لأهواء شخصية أو رغبات نفسية، فإن الإصلاح سينقلب أثره ويصبح مصدرا من مصادر الفتن.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply