بحثا عن الربح والفرقعة الإعلامية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

فضائيات تروج للشعوذة والخرافة وتلعب بمشاعر الناس!

وسط وسائل إعلام متعددة ومتنوعة سواء المرئية أو المكتوبة أو المسموعة، تعتبر القنوات الفضائية من أكثر هذه الوسائل مشاهدة لسهولة الوصول إليها، وهي الأكثر تأثيراً في وجدان المشاهدين لأنها تعتمد على الصورة الأكثر ثباتاً في الذهن.

 

ومن بين هذه القنوات الفضائية ظهرت بعض القنوات التي تروج للسحر والشعوذة وتخصص لها أوقاتاً طويلة..وخطورة هذه القنوات دفعتنا للقيام بهذا التحقيق من أجل معرفة أسباب ظهورها وإقبال الناس عليها، وتأثيرها على مشاهديها..

 

من باب التسلية

تقول ليلى 55 سنة موظفة: أولاً السحر موجود ومذكور في القرآن الكريم، ولكنه لا يضر أحداً إلا بإذن الله وحده، ولابد أن نعرف هذا، وأعرف أشخاصاً سُحر لهم فعلاً، وأنا نفسي تعرضت لهذا، ولكني غير متأكدة إذا كان ما يُقدم في بعض الفضائيات فعلاً حقيقي ويساعد الناس على التخلص من السحر!

وإذا ما كانت تهتم بمشاهدة هذه القنوات التي تعرض أمور السحر والشعوذة تقول: أتابع هذه القنوات من باب التسلية فقط، وكي أعرف ما الجديد الذي يُقدم فيها، ولكني لا أعتبرها مفيدة لأنها تجعل الناس تصدق ما تراه على الشاشة.

وتنهي حديثها بقولها: أهم شيء أن يحصن الإنسان نفسه بالقرآن خاصة آية الكرسي لأنها تحفظ من يقرأها من أي سوء.

 

رفض تام

أما سها عبد المحسن 26 سنة موظفة فتعترض على الفكرة من أصلها وتقول: أنا لا أعتقد في مثل هذه الأمور، فكيف لو أخبرت من يقدم البرنامج المزعوم عن اسمي واسم أمي سيعرف لو كان مسحوراً لي أم لا، فهناك كثيرات بنفس اسمي وأمهاتهن لهن اسم أمي، فهذا كلام غير منطقي، وغير مفسد بأي حال من الأحوال.

وعن خطورة هذه البرامج تقول سها أن الناس البسطاء السذج يصدقون ما يُعرض أمامهم، كما أصبح هناك نسبة من المتعلمين المثقفين الذين يصدقون في هذه البرامج بل ويذهبون لدجالين لفك ما يعتبرونه سحراً، فقد يكون مجرد مرض جسدي ومن يشكو منه بحاجة إلى علاج طبيب وليس مشعوذ.

وتعتبر سها برامج تفسير الأحلام من البرامج غير الهادفة التي تعتمد على أمور غير منطقية في وجهة نظرها.

 

تغييب وعي الناس

وتتفق معها في الرأي سمية 30 سنة باحثة إعلامية فتعترض على هذه البرامج بقولها: في الوقت الذي تعاني فيه الأمة من تخلف علمي وأخلاقي وتدني بين الأمم يخرجون علينا بمثل هذه الفضائيات والبرامج التي تغيب وعي الناس، والتي تفعل ما يسمى \"بالتخدير الإعلامي\" الذي يصرف أنظار الناس عن قضاياهم ومشكلاتهم الحقيقية والأكثر أهمية، ويوجهونها إلى التافه من الأمور.

 

وتضيف سمية: نحن كدول نامية في العالم العربي المفروض أن يساعد الإعلام شعوبه على التنمية والتقدم بدلاً من نشر هذه الخزعبلات.

 

ضغوط الحياة

ومن زاوية أخرى تسير في نفس اتجاه الاعتراض على قنوات السحر والشعوذة تقول منال محمد 38 سنة ربة منزل: ليس من الصواب أن نعلق كل ما يصيبنا في الحياة من قلق أو ضيق أو اكتئاب على السحر والأعمال، لأن ضغوط الحياة ومشكلاتها وصراعاتها كثيرة فلا يعقل أن كل من تحدث له مشكلة يكون مسحورا! ثم ما علاقة اسم الأم بالموضوع؟

وتدعو منال من يعاني من أعراض جسدية أن يذهب للطبيب المختص بدلاً من اللجوء لهذه البرامج أو المشعوذين، وتضيف: أتذكر مرة في إحدى الحلقات التي شاهدتها شخصا يتصل يشكو من زغللة في عينيه، وبدلاً من أن يذهب لطبيب العيون اتصل بالبرنامج يسألهم عن حل!

وعن أسباب تزايد هذه البرامج والقنوات في رأيها تقول منال: بسبب بعد الناس عن الدين وقلة الإيمان، فالإنسان المصلي الذي يحرص على القرآن لا تصيبه لا أعمال ولا غيره لأن الله يحفظه. بالإضافة إلى تزايد الظاهرة في الواقع بين الناس، وبالتالي الإعلام بدأ ينقلها فهي موجودة في الأصل بين الناس.

 

إقبال كبير

أما أكثر المصريات التي قابلناهن مشاهدة لهذه الفضائيات فكانت أمينة إسماعيل 42 سنة والتي تبرر سبب اهتمامها بمشاهدة هذه القنوات بقولها: لابد أن أشاهد هذه البرامج كي أعرف ما يحدث حولي! وإن كنت لا أصدقها كثيراً، فلا أحد يعلم الغيب إلا الله - تعالى -.

وعن مدى إقبال الناس على مشاهدة قنوات وفضائيات الشعوذة تقول أمينة: ألاحظ إقبالاً كبيراً عليها لأن الموضوع مثير وغامض للناس، والناس تنجذب لما هو غامض.

ولكن تعود أمينة فتقول: ولكن من يعمل عقله وينقد ما يراه أمامه سيتأكد من أن ما تقدمه هذه البرامج غير منطقي وكلها خداع للناس، والمشكلة أن هناك من يصدق هذه البرامج.

ولأن لكل ظاهرة سبب أدى لظهورها في المجتمع فقد رصدنا آراء العلماء حول ظهور القنوات الفضائية التي تروج للسحر والشعوذة.

 

إجرام في حق الناس

وفي البداية يستنكر الدكتور إسماعيل يوسف أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة قناة السويس ظهور هذه القنوات، ويحلل أسبابها بقوله: مجتمعاتنا العربية تتحول للنظام الرأسمالي الذي يعتمد على تحقيق الربح بأي صورة حتى لو وصلت للإجرام في حق الناس! فظهرت بعض الأمور التي ما هي إلا مجرد تفاهات لا أساس علمي لها ولا ترسخ لقيمة بل تلعب على مشاعر الناس وتضللهم.

فهذه القنوات جزء من تغييب العقل العربي والإعلاء من شأن الخرافة وتجاهل العلم، وما يزيد الطين بلة أن مجتمعاتنا قابلة لترويج هذه التفاهات التي تعرضها هذه القنوات الفضائية ولدينا طلب على الخرافة في مجتمعاتنا العربية، وبدلاً من أن تحسن وسائل الإعلام من أوضاع الناس وتهتم بأحلامهم وطموحاتهم تتجه للخزعبلات التي لا تفيد.

 

مثل الإدمان

وعن أسباب اهتمام الناس بمشاهدة هذه الفضائيات يقول الدكتور إسماعيل: الناس أحياناً تريد أن تغيب عقلها وتخدره مثلما يفعل مدمن المخدرات، وهذه القنوات تساعدها على هذا فتتجه لمشاهدتها بعيداً عن الواقع ومشكلاته ومواجهته.

وينهي الدكتور إسماعيل يوسف حديثه قائلاً: خطورة هذه القنوات أنها ترسخ للجهل والتخلف، ولا تساعد على بناء مجتمع راقي ومتقدم، والمطلوب من وسائل الإعلام أن ترتقي بالبشر وتجعلهم أفضل وليس أن تقدم لهم الخرافة.

 

فرقعة إعلامية

أما الأستاذة أميرة بدران ـ أخصائية اجتماعية ـ فقد عددت أسباب ظهور هذه القنوات الفضائية فهي ترى أن كثرة القنوات الفضائية جعلت الإعلاميين يبحثون عن فرقعة من أجل أن يجتذبوا المشاهدين وسط عدد كبير من القنوات المعروضة أمامه، ويضاف لهذا الواقع المرير الذي نعيشه في عالمنا العربي- والكلام على لسانها- فغالبية مشكلاتنا لا تُحل لأسباب سياسية أو اقتصادية أو غيرها، والإنسان يحاول أن يعرف سبب هذا وفي نفس الوقت لا يحمل نفسه أي قدر من المسئولية في هذه المشكلات فيجعل الآخرون دائماً هم سبب المشكلة للاستسهال.

وأدى الفراغ الذي يعيشه الناس في عالمنا العربي إلى البحث عن الوهم والبعد عن الحقيقة، علاوة على ضعف الناحية الدينية فالذهاب للعراف من الموبقات السبع التي حذرنا منها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن جانب آخر فمن يعلمون الناس الدين مقصرون في مساعدة الناس على حل مشكلاتهم وعندما يلجأ لهم أصحاب المشكلات التي يقدمون لهم الحلول التي يطبقها على أرض الواقع في حين أنه يمكن استخراج الدرر من السيرة والفقه التي تعطي الناس الأمل وتعلمهم فنون الحياة.

وترى الأستاذة أميرة أن المرأة أكثر إقبالاً على مشاهدة هذه القنوات لأن سيكولوجيتها تتأثر أكثر مما يتأثر الرجل وهي بطبيعتها تحب الفضفضة وأن تسمع كثيراً فهذا يشبع سيكولوجيتها في حين أن الرجل يهمه عمله أكثر.

 

تؤثر على السلوك

وتحذر الأستاذة أميرة بدران من خطورة هذه القنوات لأن تكرار مشاهدتها يؤدي للتعود عليها والتعود يؤثر في الاعتقاد والقناعات لدى الشخص ثم بعد هذا تؤثر على السلوك، وتؤدي إلى تغيير في تصرفات الناس فيما يتعلق بما تقدمه هذه القنوات، فبعد أن كان رافضاً لها يتقبلها ويصدق ما يراه بل قد يتغير سلوكه ويفعل مثلما يرى!

 

الأعمال تخريف

وعن وجهة النظر الشرعية يحدثنا الدكتور أحمد يوسف أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة فيقول: السحر المذكور في القرآن المقصود به التخييل والإيهام للناظر، فالله - تعالى -يقول في القرآن: \"يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى\" ويقول أيضاً \"سحروا أعين الناس\"، وليس كما يتصور الناس من أن السحر يعني ما يسمى الأعمال، فهذا تخريف لا وجود له وليس موجودا في الدين، وما يجعل الناس تتخيل أن كل شيء لا يعرفون تفسيره يكون سحراً أن العرب قديماً كانوا يسمون كل شيء عجيب لا يعرفون سره \"سحراً\"، فيوجد حديث للرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن من البيان لسحراً).

وبصورة أكثر وضوحاً يقول الدكتور أحمد: السحر له وجود فعلا لكن ليس بالصورة التي يتصورها الناس بل كما جاء في القرآن، وما كان غير هذا فهو دجل وشعوذة وكلام فارغ، ومن يصدق هذا فهو عقلية خرافية!

وحين سألته عما ورد في السيرة من أن أحد اليهود وضع سحراً للرسول - صلى الله عليه وسلم - أجاب: روت السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولا يأتيه، وهذا نوع من الكسل أو المرض الذي يعتري الإنسان، وهذا هو الذي أصاب الرسول فقط، وأوحى إليه الله أن قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص تفك ما صُنع له من السحر.

 

انتشار الجهل

أما عن أسباب انتشار هذه القنوات فيرى الدكتور أحمد أن انتشار الجهل وضعف العلم ووسائل الإعلام لدينا لا تنشر المنهج العلمي في التفكير بعكس ما دعا إليه القرآن بقوله: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، فالمنهج العلمي لم يعد موجوداً حتى لدى المتعلمين.

 

العقل والعلم والموضوعية

ويدعو الدكتور أحمد يوسف كل من يشاهد هذه القنوات إلى معالجة الأمور بعقل وعلم موضوعية فلكل شيء سبب علمي أو أسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، ولا يُعقل أن نعلق مشكلاتنا على شماعة السحر فهذا تواكل حذر منه الإسلام ونبه لخطورته، فعلينا أن نبحث عن أسباب المشكلات الحقيقية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply