المرأة المسلمة في مواجهة الإعلام غير الهادف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تقف المرأة حائرة بين الواقع والخيال، بل يتبلور الإحساس عندها في ركن صغير جدًا من الحياة، وتأتى الدراما على رأس هذا الركن الضيق لتكشف عن دينامكية المرأة، وتستشف نسيج روحها.

فالدراما التليفازية، أو السينمائية، تتفاعل مع وجدان المشاهد لتوجد واقعًا مفتعلاً، جميلاً وجديدًا. فما بالك بالمرأة، تلك المخلوق البلوري، والذي لم يتم حل لغزه حتى الآن!

وما زلنا نرى المرأة حتى وإن صلب عودها ونضجت تجربتها، تعود كالطفلة بلا اطمئنان، إلى أفلام ومسلسلات، تدمن حكاياتها، تعيشها زيفًا وصدقًا كتجربة إنسانية ونشاط ثقافي، ذلك النشاط الذي يخضع لمعاييرها الخاصة وحدها.

عندما تراها مندمجة في مسلسل أو فيلم عاطفي ساذج، تدرك على الفور الصلة الخفية بين هذا البريء الذي يجلس شاحذًا إحساسه، و البطلة البريئة المظلومة المقهورة التي يعلو صوت نحيبها خلف الشاشة.

وهكذا فإن الدراما والأفلام عمومًا مؤثر خطير وحيوي على المرآة العربية في سلوكياتها وملابسها، فمن ينكر مدى تقليد الفتيات والنساء لعروض الأزياء أو بمعنى أصح ما ترتديه أو تستهلكه نجمات السينما والإعلاميات، وكل ما يُعرض على شاشات التلفاز؟ حتى وجبات الطعام الفاخرة!! الكثيرات يتسابقن لإعدادها حتى ولو كانت مكلفة للأسرة.

وإذا كان المجتمع بطوائفه كافة يتأثر بوسائل الإعلام المختلفة، فإن المرأة بالذات، سواء كانت فتاة أو متزوجة أو حتى طفلة، تتأثر أكثر بوسائل الإعلام وما تقدمه على المستوى الاجتماعي والثقافي والشكلي..وهذا ما نود أن نرصده في هذا الموضوع.

 

تقول منى صالح (موظفة): أنا أتأثر كثيرًا بما يُعرض في وسائل الإعلام من مسلسلات أو أفلامº فهناك نساء يحببن قراءة القصص لكنني أفضل مشاهدتها، وأعيش مع البطلة همومها ومشاكلها، وأحيانًا أحس أنني مثلها فيما أتعرض له في حياتي من ظلم واضطهاد.

أما سلوى النوبي (ربه منزل) فتقول: كنت أود أن أنقل التلفاز إلى المطبخ، وخصوصاً في ظل الفضائيات التي لا تحرمنا من شيءº فهناك قنوات للأفلام وأخرى للمسلسلات والأغاني. معظم أعمال المنزل وخاصة تجهيز الخضار وترتيب الملابس أقوم به وأنا أشاهد التلفاز وأتابع الدراما، وعندما يأتي زوجي ويتابع نشرات الأخبار أو البرامج الرياضية أتضايق كثيرًا. وأولادي هم الآخرون أصبح لهم مزاجهم الخاصº فهم يحبون أفلام العنف، ومهما حاولت إثنائهم عن ذلك لا يمتثلونº حتى ابنتي صارت هي الأخرى تحب الأفلام الأجنبية والرياضية، أما أنا فمتمسكة بالأفلام العربية، وخصوصًا القديمة والتي تحمل ذكريات شبابي.

سامية الصوالحي (مهندسة) تقول: عندما أخرج مع ابنتي لشراء الملابس تختار أشياء غريبة ولا ترضى مطلقًا باختياراتي، ويقولون ذوقي قديم مع أن معظم بطلات السينما العربية كن يرتدين الفساتين، أما الآن فهن يخترن الجينز ويقلدن بعضًا من الأزياء الحديثة التي تجعل الفتاة مثل الرجل.

 

نظام أفسد على المرأة حياتها

د. سلوى بسيونى (طبيبة أمراض نفسية) تقول: ليس تأثير الإعلام مجرد شكل وملابس، إنه نظام حياة أفسد على المرآة دورها ورسالتها في الحياة، وأذكر مثالاً بسيطًا على ذلك، وهو إظهار علاقة الرجل بالمرآة بشكل غير واقعي، فهذا العرض أفسد عليهما حياتهما الأسرية، فعندما يحدث خلاف فلا بد أن يكون الرجل هو الذي يبدأ بالمصالحة، ويتودد إلى الزوجة حتى ترضى عنه، وهذا غير صحيح وليس بالضرورة أن يحدث واقعيًا.

فالرسول - عليه الصلاة والسلام - ذكر أن من محاسن المرآة توددها لزوجهاº \"تزوجوا الودود الولود\". والرجل له مواقفه ومسؤولياته تجاه أسرته، ودور المرآة هي أن تكون سهلة لينة عطوفاً مع أسرتها وزوجها. لكن عكس هذا الدور تم بشكل تدريجي من خلال الدراما والأفلام التي عرفت تلك الرؤية رويدًا رويدًاº فأفسدت أول ما أفسدت علاقة الزوجة بزوجها، وأثر هذا بدوره على الأسرة كلها. فترسيخ قيمة التودد والتقرب إلى الزوج يجعل العلاقة بينهما في حالة وئام ومحبة، وهذا بدوره يعود بشكل إيجابي على الزوجة أولاً ويدخل السرور إلى قلب الرجل والأسرة.

د. عاطف العبد (أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة) يؤكد أن تأثير الإعلام على المرأة يحمل أوجهاً متعددة، بعض من هذا التأثير يكون بشكل مباشر وآخر بشكل غير مباشر، والتركيز على جسد المرآة وتلخيص دورها على هذا النحو يمثل قيمة متدنية، كما يسبب هوسًا للنساء، فأغاني الفيديو كليب مثلاً، والرقص المنتشر في القنوات المتخصصة لهذا الغرض، واتساع مساحة المشاهدة لهذه الفضائيات من قبل الشباب والمراهقين، والنموذج الجمالي والشكلي منحاز لهذا المعروض الذي يمثل ظاهرة.

وبالتالي تحاول كثير من النساء والفتيات جاهدة تقليد هذا النموذج، فيبعدهن ذلك عن التعامل مع النماذج الواقعية لعامة الفتيات، وهذا بدوره يؤدي إلى العنوسة.

 

امتهان للمرأة

وترى د. إحسان سعيد (أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس) أن الأفلام السينمائية ظلمت المرأة العربية، فإبراز الجانب السلبي في المرأة وحصرها في أدوار الإغراء والعري وقصص الرقص جاء على حساب الدور الحقيقي للمرأة الكادحة والتي تعول أسرتها. فالسينما المصرية بالذات والتي كانت رائدة في مجال الإنتاج السينمائي العربي ركزت في الستينيات والسبعينيات على مثل تلك الأنماط التي أبعدت القدوة الحقيقية والمثالية للمرأة، المتمثلة مثلاً في نماذج طالبات وأستاذات الجامعات والنساء العاملات في نواحي الحياة المختلفة. تلك القدوة الغائبة أثرت بشكل كبير على الأجيال المعاصرة، فصرنا الآن نرى كثيرًا من الفتيات والنساء ينشغلن أكثر بالجانب الشكلي، حتى الجوانب التربوية في الأسرة أصبحت غائبة. وأمهات الماضي اللواتي لم يتأثرن بوسائل الإعلام أفضل من أمهات الحاضرº ففي الماضي كانت هناك فطرة سوية غير مشوهة. الأديبة سهيلة زين العابدين والتي قدمت دراسات هامة في المجال الأدبي والإعلامي تقول: معظم الأعمال الأدبية التي تحولت إلى أفلام أو مسلسلات كان معظمها فيه تجاوزات أخلاقية وخروج عن الأحكام الشرعيةº فمثلاً أفلام (الخيط الرفيع، إني راحلة) يعيش الرجل مع حبيبته دون أن يتزوجها، والعديد من الأعمال الدرامية الأخرى التي تظهر الراقصة بشكل إنساني وتعطي مسوغات إنسانية واجتماعية لخروج البطلة عن الأحكام الشرعية وكذلك الآداب العامة.

وقد أثرت معظم الأعمال الدرامية بشكل سلبي جدًا على سلوك الفتيات والنساء وسهلت لهن ارتكاب المعاصي، أو على أقل تقدير عدم الالتزام السلوكي والمظهري بالأحكام والقيم الإسلامية.

وعن سبب تأثر المرأة بوسائل الإعلام والدراما خصوصًا أكثر من الرجل، تقول د. سلوى الطويل (أستاذ الإعلام): إن المرأة أكثر عاطفية وتأثرًا بما يحيط بها، وتعيش كثير من النساء بل ويتقمصن أدوار البطولة الدرامية. والمرأة في طبيعتها الحياتية وأثناء ممارستها حتى للأعمال المنزلية تكون أسيرة للتلفاز، وأكبر مساحة مشاهدة تتعرض لها النساء والأطفال، والدراما أكبر وسيلة لقتل الوقت والاستحواذ على عقول وعواطف المرأة. ونادرًا ما نجد النساء يقبلن على مشاهدة نشرات الأخبار أو البرامج الحوارية والسياسية، فدرجة المشاهدة الأولى لكثير من النساء هي الدراما بكل أشكالها.

 

صورة مشوهة

ومن جانبها ترى الخبيرة الإعلامية عزة كامل أن المشكلة تتعلق بالصورة المشوهة التي قدمها الإعلام العربي للمرأة، فقد قدم الإعلام وبالأخص المرئي المرأة في صورتها النمطية، وتلك الصورة لا تعني المرأة التقليدية أو الأم وربة المنزل والزوجة والخادمة والسيدة، ولكن أيضًا على النقيض قدم المرأة اللعوب وكلا النوعين موجودان بالمجتمع. فقد قدم الإعلام المرأة العربية إما أنها تطبخ وتكنس وتمسح البلاط وتربي الأطفال، أو امرأة متحررة من الضوابط الاجتماعية، بينما في الواقع المرأة لها دور سياسي واقتصادي وثقافي وعلمي وتنويري وشريك في صناعة الحياة.

لكن لم يبرز الإعلام العربي المرأة العالمة والمسؤولة وربة المنزل المبتكرة وغير التقليدية، ولكنه آثر تكريس الصورة الشائعة في الأذهان ولم يجتهد للتغيير.

ودرست د. عواطف عبد الرحمن (الأستاذة بكلية الإعلام) المشكلات التي تركز عليها الصحافة المصرية ومدى تمثيلها لهموم المرأة، وثبت لها أنها تركز على إبراز صورة المرأة المهتمة بأناقتها، والتركيز على الموضوعات الاجتماعية حول العلاقات الأسرية وتربية الأبناء، والتجميل يحتل المساحة الأكبر.

 

كارثة الفيديو كليب

تقول د. منال أبو الحسن (أستاذة الإعلام بجامعة الأزهر): أظهرت أحدث الدراسات الإعلامية أن كلاً من الفيديو كليب والإعلان يستغلان جسد الأنثى في الأعمال التجارية، وتسويق المنتجات، والأسوأ من ذلك أن الفيديو كليب يستخدم هذه الأنوثة في نشر الرذيلة والفاحشةº إذ يركز تصوير الفيديو كليب على أماكن الإثارة والإغراء في جسد الأنثى، كما يصورها غالبًا في دور العاشقة التي تتدلل على حبيبها.

أما المسلسلات والأعمال الدرامية، فكثير منها يصور الأنثى على أنها كائن يعاني من مشكلات سببها دائمًا ـ أنها أم وزوجة ـ ومعنى ذلك أن دوري المرأة الأساسيين هما سبب تعاستها، ويكمن حل هذه المشكلات في هذه الأعمال الدرامية في أن تتمرد الأنثى على هذين الدورين ومسؤولياتها.

كما يلاحظ أن كثيرًا من الأعمال الدرامية تدعو المرأة إلى التمرد، وتقلل من قيمة ربة البيت.

وتضيف د. منال: من حق المشاهد أن يرى نموذجًا يقتدي به في وسائل الإعلام، ولكن نموذج الأنثى الذي تقدمه وسائل الإعلام يصعب الاقتداء به، بل إنه يؤدي إلى زيادة التفكك الأسرى، فعندما تعرض وسائل الإعلام الأنثى دائمًا بصورة مبهجة ومظهر أنيق، وفي أبهى زينة وأجمل ثياب، وهو ما يتحقق في الواقع بين الإناث بنسبة 30% فقطº فهذا قد يؤدي إلى زهد الأزواج في زوجاتهم اللاتي قد لا تستطيع الكثيرات منهن الوصول إلى ذات الدرجة من جمال إناث الإعلام، ومن هنا تحدث المشكلات بين الأزواج، ويشعر الزوج بأنه غير راضٍ, عن مستوى جمال زوجته.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply