التعلق النسائي بالدراما... لماذا؟


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

بعض الفتيات يتقمصن أدوار السندريلا، وأخريات كن يتقمصن أدوار فاتن حمامة أو شادية، والآن فإن الفتيات الصغيرات يتقمصن أدوار نانسى وهيفاء وغيرهن من ممثلات السينما والمغنيات. فالدراما والأفلام عموما مؤثر خطير وحيوي علي المرأة العربية في سلوكياتها وملابسها، فمن ينكر مدي تقليد الفتيات والنساء لعروض الأزياء أو بمعني أصح ما ترتديه أو تستهلكه نجمات السينما والإعلاميات وكل ما يعرض علي شاشات التلفاز؟ حتى وجبات الطعام الفاخرة التي يقدمها التليفزيون.. الكثيرات يتسابقن لإعدادها حتى ولو كانت مكلفة للأسرة. 

وإذا كان المجتمع بكافة طوائفه يتأثر بوسائل الإعلام المختلفة، فإن المرأة بالذات، سواء كانت فتاة أو متزوجة أو حتى طفلة، تتأثر أكثر بوسائل الإعلام وما تقدمة علي المستوي الاجتماعي والثقافي والشكلي.. هذا ما نود أن نرصده في هذا الموضوع. 

 

التليفزيون في المطبخ!:

-         تقول مني صالح (موظفة): أنا أتأثر كثيرا بما يعرض في وسائل الأعلام من مسلسلات أو أفلام، فهناك نساء يحبون قراءة القصص لكنني أفضل مشاهدتها وأعيش مع البطلة همومها ومشاكلها وأحيانا أحس أنني مثلها فيما أتعرض له في حياتي من ظلم واضطهاد. 

-         أما سلوى النوبي (ربه منزل) فتقول: كنت أود أن أنقل التليفزيون في المطبخ وخصوصا في ظل الفضائيات التي لا تحرمنا من شيء، فهناك قنوات للأفلام وأخرى للمسلسلات والأغاني. معظم أعمال المنزل وخاصة تجهزي الخضار وترتيب الملابس أقوم به وأنا أشاهد التلفزيون وأتابع الدراما، وعندما يأتي زوجي ويتابع نشرات الأخبار أو البرامج الرياضية أتضايق كثيرا. وأولادي هم الآخرون أصبح لهم مزاجهم الخاص فهم يحبون أفلام العنف ومهما حاولت إثناءهم عن ذلك لا يمتثلون، حتى ابنتي صارت هي الأخرى تحب الأفلام الأجنبية والرياضية، أما أنا فمتمسكة بالأفلام العربية وخصوصا القديمة والتي تحمل ذكريات شبابي. 

-         سامية الصوالحي (مهندسة) تقول: عندما أخرج مع ابنتي لشراء الملابس تختار أشياء غريبة ولا ترضي مطلقا باختياراتي وتقول إن ذوقي قديم، وتختار لنفسها ملابس مشابهة لما ترتديه بطلات السينما العربية.

 

الدراما نظام حياة:

-         د. سلوى بسيونى (طبيبة أمراض نفسية) تقول: ليس تأثير الأعلام مجرد شكل وملابس، إنه نظام حياة أفسد علي المرأة دورها ورسالتها في الحياة، وأذكر مثالا بسيطا على ذلك وهو إظهار علاقة الرجل بالمرأة بشكل غير واقعي، فهذا العرض أفسد عليهما حياتهما الأسرية، فعندما يحدث خلاف لابد أن الرجل هو الذي يبدأ بالمصالحة ويتودد إلي الزوجة حتى ترضي عنه، وهذا غير صحيح وليس بالضرورة أن يحدث واقعيا.

فالرسول -عليه الصلاة والسلام- ذكر أن من محاسن المرأة توددها لزوجها "تزوجوا الودود الولود". والرجل له مواقفه ومسئولياته تجاه أسرته، ودور المرأة هو أن تكون سهلة لينه عطوفة مع أسرتها وزوجها. لكن عكس هذا الدور تم بشكل تدريجي من خلال الدراما والأفلام التي عرفت تلك الرؤية رويدا رويدا فأفسدت أول ما أفسدت علاقة الزوجة بزوجها، وأثر هذا بدوره علي الأسرة كلها.

فترسيخ قيمة التودد والتقرب إلي الزوج يجعل العلاقة بينهما في حالة وئام ومحبه وهذا بدوره يعود بشكل إيجابي علي الزوجة أولا ويدخل السرور إلي قلب الرجل والأسرة. 

-         د. عاطف العبد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة يؤكد أن تأثير الإعلام على المرأة يحمل أوجه متعددة، بعض من هذا التأثير يكون بشكل مباشر وآخر بشكل غير مباشر والتركيز على جسد المرأة وتلخيص دورها على هذا النحو يمثل قيمة متدنية كما يسبب هوسا للنساء، فأغاني الفيديو كليب مثلا والرقص المنتشر في القنوات المتخصصة لهذا الغرض واتساع مساحة المشاهدة لهذه الفضائيات من قبل الشباب والمراهقين والنموذج الجمالي والشكلي منحاز لهذا المعروض الذي يمثل ظاهرة.

وبالتالي تحاول كثير من النساء والفتيات جاهدة تقليد هذا النموذج فيبعدهن ذلك عن التعامل مع النماذج الواقعية لعامة الفتيات وهذا بدوره يؤدى إلى العنوسة.

 

الدراما ظلمت المرأة:

-         وترى د. إحسان سعيد أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس أن الأفلام السينمائية ظلمت المرأةالعربية، فإبراز الجانب السلبي في المرأة وحصرها في أدوار الإغراء والعرى وقصص الرقص جاء على حساب الدور الحقيقي للمرأة الكادحة والتي تعول أسرتها. فالسينما المصرية بالذات والتي كانت رائدة في مجال الإنتاج السينمائي العربي ركزت في الستينات والسبعينات على مثل تلك الأنماط التي أبعدت القدوة الحقيقية والمثالية للمرأة، المتمثلة مثلا في نماذج طالبات وأستاذات الجامعات والنساءالعاملات في نواحي الحياة المختلفة. تلك القدوة الغائبة أثرت بشكل كبير علي الأجيال المعاصرة فصرنا الآن نري كثيراً من الفتيات والنساء ينشغلن أكثر بالجانب الشكلي، حتى الجوانب التربوية في الأسرة أصبحت غائبة. وأمهات الماضي اللواتي لم يتأثرن بوسائل الإعلام أفضل من أمهات الحاضر، ففي الماضي كانت هناك فطره سوية غير مشوهة.

-         الأديبة سهيلة زين العابدين والتي قدمت دراسات هامة في المجال الأدبي والإعلامي تقول: معظم الأعمال الأدبية التي تحولت إلي أفلام أو مسلسلات كان في معظمها تجاوزات أخلاقية وخروج عن الأحكام الشرعية فمثلا أفلام (الخيط الرفيع، إني راحلة) يعيش الرجل مع حبيبته دون أن يتزوجها، والعديد من الأعمال الدرامية الأخرى التي تظهر الراقصة بشكل إنساني وتعطي مبررات إنسانية واجتماعية لخروج البطلة عن الأحكام الشرعية وكذلك الآداب العامة.

وقد أثرت معظم الأعمال الدرامية بشكل سلبي جدا علي سلوك الفتيات والنساء وسهلت لهن ارتكاب المعاصي أو علي أقل تقدير عدم الالتزام السلوكي والمظهري بالأحكام والقيم الإسلامية.

 

النساء يتقمصن البطولة الدرامية!

-         وعن سبب تأثر المرأة بوسائل الإعلام، والدراما خصوصا، أكثر من الرجل، تقول د. سلوى الطويل أستاذ الإعلام: إن المرأة أكثر عاطفية وتأثرا بما يحيط بها، وتعيش كثير من النساء بل ويتقمصن أدوار البطولة الدرامية. والمرأة في طبيعتها الحياتية وأثناء ممارستها حتى للأعمال المنزلية تكون أسيره للتليفزيون وأكبر مساحة مشاهدة تتعرض لها النساء والأطفال، والدراما أكبر وسيلة لقتل الوقت والاستحواذ علي عقول وعواطف النساء. ونادرا ما نجد النساء يقبلن علي مشاهدة نشرات الأخبار أو البرامج الحوارية والسياسية، فدرجة المشاهدة الأولي لكثير من النساء هي الدراما بكل أشكالها.

 

صورة نمطية:

-         ومن جانبها ترى الخبيرة الإعلامية عزة كامل أن المشكلة تتعلق بالصورة المشوهة التي قدمها الإعلام العربي للمرأة، فقد قدم الإعلام وبالأخص المرئي المرأة في صورتها النمطية وتلك الصورة لا تعني المرأة التقليدية أو الأم وربة المنزل والزوجة والخادمة والسيدة ولكن أيضا على النقيض قدمالمرأة اللعوب وكلا النوعين موجودان بالمجتمع. فقد قدم الإعلام المرأة العربية إما تطبخ وتكنس وتمسح البلاط وتربي الأطفال أو امرأة متحررة من الضوابط الاجتماعية، بينما في الواقع المرأة لها دور سياسي واقتصادي وثقافي وعلمي وشريك في صناعة الحياة.

لكن لم يبرز الإعلام العربي المرأة العالمة والمسئولة وربة المنزل المبتكرة وغير التقليدية ولكنه آثر تكريس الصورة الشائعة في الأذهان ولم يجتهد للتغيير.

-         ودرست د. عواطف عبد الرحمن الأستاذة بكلية الإعلام المشكلات التي تركز عليها الصحافة المصرية ومدى تمثيلها لهموم المرأة، وثبت لها أنها تركز على إبراز صورة المرأة المهتمة بأناقتها، والتركيز على الموضوعات الاجتماعية حول العلاقات الأسرية وتربية الأبناء، التجميل يحتل المساحة الأكبر.

 

الفيديو كليب أهان المرأة:

-         تقول د. منال أبو الحسن - أستاذة الإعلام بجامعة الأزهر: أظهرت أحدث الدراسات الإعلامية أن كلاً من الفيديو كليب والإعلان يستغلان جسد الأنثى في الأعمال التجارية، وتسويق المنتجات، والأسوأ من ذلك أن الفيديو كليب يستخدم هذه الأنوثة في نشر الرذيلة والفاحشة إذ يركز تصوير الفيديو كليب على أماكن الإثارة والإغراء في جسد الأنثى، كما يصورها غالبًا في دور العاشقة التي تتدلل على حبيبها.

أما المسلسلات والأعمال الدرامية، فكثير منها يصور الأنثى على أنها كائن يعانى من مشكلات سببها دائمًا -أنها أم وزوجة- ومعنى ذلك أن دوري المرأة الأساسيين هما سبب تعاستها، ويكمن حل هذه المشكلات في هذه الأعمال الدرامية في أن تتمرد الأنثى على هذين الدورين ومسئولياتها.

كما يلاحظ أن كثيرًا من الأعمال الدرامية تدعو المرأة إلى التمرد، وتقلل من قيمة ربة البيت.

وتضيف د. منال: من حق المشاهد أن يرى نموذجًا يقتدي به في وسائل الإعلام، ولكن نموذج الأنثى الذي تقدمه وسائل الإعلام يصعب الاقتداء به، بل إنه يؤدى إلى زيادة التفكك الأسرى، فعندما تعرض وسائل الإعلام الأنثى دائمًا بصورة مبهجة ومظهر أنيق، وفى أبهى زينة وأجمل ثياب، وهو ما يتحقق في الواقع بين الإناث بنسبة 30% فقط، فهذا قد يؤدى إلى زهد الأزواج في زوجاتهم اللاتي قد لا تستطيع الكثيرات منهن الوصول إلى ذات الدرجة من جمال إناث الإعلام، ومن هنا تحدث المشكلات بين الأزواج، ويشعر الزوج بأنه غير راض عن مستوى جمال زوجته.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply