بين طيش الإرهاب .. وإرهاب طاش !


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

\"... وللأسف الشديد - شئنا أم أبينا - سيتلقى المشاهدون هذا العمل التهريجي المشتمل على كل هذا التسطيح الفكري الذي لا يحترم عقل المشاهد لقضية من أخطر القضايا المعاصرة، وهذا الهبوط الدرامي الخادش للحياء في بقية أرجاء العالمين العربي والإسلامي على أنه منتج فكري سعودي! ... \"

 

يتردد على الأذهان في ليالي رمضان المبارك، التي تشهد حملة تشويه من قبل بعض الفضائيات لمعاني ومقاصد الشهر الكريم، ويلح في طلب الإجابة: أعندما يتطاول أعداء الأمة على الإسلام ورموزه ومفاهيمه الربانية كتلك الصور الشوهاء البلهاء التي نشرتها صحيفة (يولاند بوستن) الدانمركية، أعندما يعتدي ويتطاول الأعداء تثور ثائرة الأمـة - وهي محقة في غضبتها الربانية - ولكن يختلط عليها الأمر عندما تأتي المسبة من بني جلدتنا وأهل ملتنا فلا تحرك الأمـة ضدهم ساكناً ولا تبدى عليهم تلك الغضبة؟!

 

ومثال ذلك ما حدث من تشويه بطريقة ملتوية للإسلام ومن جرأة على ثوابت الدين في حلقة يوم الأربعاء الخامس من شهر رمضان المبارك لعام 1427 هـ من مسلسل (طاش ما طاش) الذي عودنا الطيش في كل أعماله أو جلها.

 

لقد اختزلت الحلقة الدين والتدين في الإسلام في فئة منحرفة الفكر والسلوك، تحت ذريعة الانتقاد «البناء»، وما هو ببناء، حيث خلت الحلقة من العمق الفكري ومن التوازن المنصف، كما خلت من أي حوار فكري جاد مع المتطرفين، وضخمت وجودهم، ناسية أو متناسية أن هذه الفئة لا تشكل قطرة في بحر المليار ونصف المليار من المسلمين، الذين لا يوافقونها الرأي ولا المسلك، فهنيئاً لأعداء الأمة بما أنجزه لهم مسلسل (طاش ما طاش) الذي استطاع أن ينال من دين الله ما لم ينله الأعداء أنفسهم، ووصم التدين والالتزام بالهدى الإلهي بخليط آسن من أعمال الإرهاب والهوس الجنسي.

 

يمكن مناقشة ما جاء في الحلقة المشار إليها -وبعض سابقاتها- التي أصرت على عرض المشاهد الهابطة من الجمع بين الرجال والنساء في أوضاع مشينة في غرف الفنادق، ومن علاجٍ, من «الأشباح» بالبطح على الأرض والضرب على العورات؟! من عدد من الجوانب الموضوعية والفنية:

 

فالنقد البناء لأي ظاهرة سلبية يكون له هدفٌ نهائي، وهو وصف العلاج أو المخرج السليم منها.

كما يجب أن يشتمل في سياق معالجته للظاهرة على التوازن في الطرح، بمعنى تحديد حجم الظاهرة الاجتماعي ضمن سياقها الاجتماعي، وهو هنا تيار الالتزام الديني.

 

كما ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار عمق الحوار الفكري وتجنب التسطيح والتهريج، مما يؤثر على كيفية تلقي الجمهور - والجمهور هنا هو العالم العربي والإسلامي برمته - لما يعرض من معالجة درامية.

 

فهل عالجت حلقة طاش ما طاش النقاط المشار إليها؟

أم أنها اكتفت بالتهريج في مسألة غاية في الحساسية؟

وهل يعفي القائمين عليها من مسؤولية الكلمة، كونهم يقومون ببث حلقاتهم المسمومة من خارج إطار الوطن، بعد أن رفضت وزارة الإعلام السعودية - مشكورةً - السماح لهم بنشر المسلسل عبر التلفزيون السعودي؟!

 

لنضع الحلقة المشار إليها تحت المجهر:

أولاً/ هل توازن معدو الحلقة في تشخيص حجم الظاهرة؟

بالتأكيد لا.. لم تتطرق الحلقة أبداً - لا من قريب ولا من بعيد - للممارسات الإسلامية الإيمانية الراشدة الموافقة لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجتمع السعودي خصوصاً والإسلامي عموماً، بل اكتفت بحصر صور التدين في تلك الفئة من الناس، بل واتهمت المراكز الصيفية التي تشرف عليها الدولة بأنها مفرخة للإرهـاب؟

 

فهل الأجهزة المختصة بالدولة نائمة على أذنها؟

وما هو البديل للمراكز الصيفية؟ أن يترك الشباب للمخدرات والموبقات؟

 

وأين من ذلك مثلاً الأمثلة الرائعة التي تضربها حكومة خادم الحرمين الشريفين - ذاتها - من ممارسات إسلامية راشدة، من عمارة للحرمين الشريفين وغيرها من بيوت الله، ومن خدمة للحاج والمعتمر ومن طباعة وتوزيع للمصحف الشريف ومن ومن... الخ ما تعجز عن تعداده هذه العجالة مما تبذله الدولة التي تخصص جزءاً كبيراً من جهودها وميزانيتها لخدمة الإسلام والمسلمين؟!

 

وأين من الصورة الشوهاء التي عرضها المسلسل صور المليار والنصف مليار من المسلمين الصائمين القائمين في شتى بقاع الأرض، والتي يمكن أن تمثلها تمثيلاً صحيحاً مشاهدهم في الحرمين الشريفين، وهم يصومون ويفطرون ويصلون ويعتمرون، ويقومون الليل لله رب العالمين راكعين ساجدين ولكتاب الله تاليـن وبالأسحار مستغفرين؟

 

وأين منها ما يمارسه صالح المسلمين، من أعمال البر والخير، والعناية بأهل الحاجات؟ في هذا الشهر وفي بقية أيام السنة، دون كلل أو ملل، وهي جهات يشهد لها الداني والقاصي من أهل الإسلام، مثل هيئة الإغاثة الإسلامية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم وجمعيات البر ورابطة العالم الإسلامي... الخ

 

وأين منها ما يمارس في جامعاتنا ومدارسنا من تعليم الناس الخير؟ بل وأين منها البرامج الإعلامية التي تؤدي دوراً فاعلاً في التوعية الدينية الرشيدة، مثل برامج الشيخ سلمان العودة أو الداعية الإسلامي الاستاذ عمرو خالد وسواهما كثير من أهل الفكر الراقي.

 

ثانياً/ لم تركز عدسة القائمين على البرنامج بصورة حصرية لتختزل الإسلام إلا على تلك الفئة من إخواننا من المسلمين، الذين شطوا في فهمهم وبغوا في سلوكهم والذين نسأل الله العظيم رب هذا الشهر الكريم لهم الهداية العاجلة، ومع ذلك زادت الحلقة عليهم إدخال صور ليست من سلوكياتهم والخلاعة والمجون، من خلال إشراك نساء كاسيات عاريات في نشاطاتهم، وهي أمور لا تعكس الواقـع المتناقل عن أحوالهم.

 

ثالثاً/ كما أن الحلقة لم تتطرق إطلاقاً لحوار فكري معمق مع تلك الفئة من الشباب، ولم تناقش سبب أو أسباب انخراطهم في تلك الأعمال التخريبية، ولم تحاول أن تبين لهم مواطن الخلل في فكرهم، ولم تضرب لهم الأمثلة التاريخية في مآل الفكر الخارجي على مر التاريخ الإسلامي وضرره على المجتمعات، ولم تقدم أدنى درجات دحض ذلك الفكر المنحرف، كما لم تحاول تقديم أي حلول للمعضلة القائمة بل أنهت الحلقة بالتفجير العبثي لأولئك النفر من الناس لذواتهم، وهو خلاف الواقع فهم يستهدفون سواهم، فأين العمق الفكري بل أين الواقعية في المعالجة الدرامية وأين الدروس المستفادة؟

 

رابعاً/ لم تخل الحلقة للأسف الشديد مما يمكن قراءته من قبل غالبية المسلمين على أنه استهزاء بالدين نفسه، فلماذا أقحم مثلاً موضوع الهجرة للحبشة؟ وهي معلمٌ من معالم السيرة النبوية العطرة، وقد تمت بأمر مباشر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شأن هجرة الحبشة بسلوكيات تلك الفئة من الناس؟ وهل ثمة من علاقـة بين الأمرين في تقدير مخرجي البرنامج؟ أم أنهم يعتقدون أن التطرف والغلو لهذه الفئة من الناس مستقاة من تاريخ أصحاب محمدٍ, - صلى الله عليه وسلم - كما يزعم أعداء الإسلام؟! إذا لم يكن هذا ولا ذاك.. فلماذا يقحم تاريخ الصحابة الكرام وتستخدم أسماء البعض منهم وسط هذا التطرف الفكري والمسلك الباغي، وهم رضوان الله عليهم من حمل إلينا بجهادهم في سبيل الله وبتضحياتهم نور الإسلام؟

 

وللأسف الشديد - شئنا أم أبينا - سيتلقى المشاهدون هذا العمل التهريجي المشتمل على كل هذا التسطيح الفكري الذي لا يحترم عقل المشاهد لقضية من أخطر القضايا المعاصرة، وهذا الهبوط الدرامي الخادش للحياء في بقية أرجاء العالمين العربي والإسلامي على أنه منتج فكري سعودي!

 

إنني أدعو من هذا المنبر:

أن تفعّل مواثيق الشرف الإعلامية فلا يسمح أبداً ببث أي شيء يمس الثوابت الدينية أو القيم الأخلاقية.

 

أن تتفق الدول العربية على مرجعية علمية للحكم على الأعمال الدرامية وسواها من المنتجات الإعلامية يمثل فيها العلماء الشرعيين والاجتماعيين والإعلاميين.

 

كما أدعو لأن يقوم المجتمع المدني بتشكيل هيئة رقابة إعلامية تلاحق قضائياً كل من يخل بثوابت الدين والقيم الأخلاقية وترفع ضده في المحاكم القضايا، وإلا فالقاعدة: \" أن من أمن العقوبـة أسـاء الأدب! \"

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply