الجنس..سببته التقنية أم فضحته؟!!


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مع اتحاد عدد من الشركات العالمية في مجال الاتصال مثل: (نوكيا، وآي بي إم، وإريكسون، وإنتل توشيبا) والإعلان في مطلع العام 1998 عما يُعرف باسم مجموعة: (The Bluetooth) حتى توالى بعد ذلك انضمام العديد من الشركات العالمية لإدراج هذه الخدمة كأساس ضمن منتجاتها، والتي بلغت أكثر من (3400) شركة، وتكاد تجمع المراجع والمصادر بأن سبب التسمية يعود إلى (هارولد بلوتوث) وهو ملك إسكندنافي عاش في أواخر القرن العاشر الميلادي، واشتهر بإنجازاته في توحيد عدة مقاطعات كانت تعاني الانقسام آنذاك، وهو بالضبط ما ترمز إليه تقنية (البلوتوث) في قدرتها على الجمع بين عدد ضخم من الأجهزة الإلكترونية، وذلك في معيار عالمي متفق عليه.

لكن على الرغم من الأغراض الإيجابية والاستخدامات الصحيحة التي من أجلها اكتشفت هذه التقنية فقد عانت المجتمعات العربية على وجه الخصوص إشكالات تربوية أصبحت تهدد ركناً من أركان العلاقات الإنسانية وهو الأمان الاجتماعي، وأصبحت أجهزة الاتصال مرتعاً خصباً تُتَناقل عبره صور عورات المسلمين لتكون في متناول جميع شرائح المجتمع العمرية والجنسية.

حول هذا الموضوع فتحت مجلة (الإسلام اليوم) ملفها الخاص لسبر المجتمع، والكشف عن اتجاهات رأي الجمهور والنخبة حول هذه القضية...

"من مفارقات هذه الأيام أن كلمة (الجنس) أصبحت تُتداول تَداوُل كلمة (السلام عليكم)، ومن هنا تكمن الخطورة لأن الفواصل بين الأخلاق، والسلوك باتت جدرانها متصدعة ووشيكة الانهيار بين أفراد الأسرة" هذا ما بدأ به حديثه الأستاذ طه المهدي رب أسرة وموظف برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ويستطرد قائلاً: "ولذا فإني أرى أن الجنس موجود في أي مجتمع حديثاً كان أم قديماً، ولكن التأثير المباشر الذي أحدثته التقنية هو تجريء المجتمع على نفسه، وكسر حواجز الآداب والذوق والأخلاق وهذا بحد ذاته الخطر بعينه فعندما تزول كل مصطلحات الأدب في الحوار الذي يشكل حاجزاً تربوياً اجتماعياً بين الأبناء والآباء فإن هناك خللاً ما ينخر في أساس المجتمع، ويدعو لانتقاضه".

 

انعدم الحياء!

بمنتهى الأريحية وهو قابع في ركن المجلس من بعيد يبحث في جهازه الخاص به، ويتصفح الرسائل الواردة إليه عن طريق (البلوتوث) يقوم س. ع. باستعراض أحد المشاهد الفاضحة التي وصلته بوجود ابنه البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً. لاحظ من بجواري علامات الدهشة في عينيّ، وكأنه أدرك ما يدور بداخلي من سؤال فبادر قائلاً: "إن نظرت إلى الأب وشخصيته لوجدته بأنه في الأساس يفتقر إلى وجود معايير المربي النموذجي أو على أقل تقدير المربي الواعي لمسؤولية وأمانة التربية الملقاة على عاتقه، لذا فإن هذا يؤكد على أن التقنية ليس لها علاقة بما نحن فيه من ابتلاءات، وإنما الأساس هو مرضٌ عضالٌ متجذر فينا بتجذر جفاف جذورنا الإسلامية التي ابتعدنا عنها".

 

جيل لا يعرف الطريق:

كما يؤكد محمد يحيى مدرس اللغة العربية للمرحلة الثانوية بجدة أن مما أوجدته التقنية ليس الجنس بحد ذاته، ولكنها كشفت عن أخلاقيات أخرى في المجتمع مثل: التطفل والغوص في أعراض الناس، فقلما تجد متصفحاً أو مستعرضاً لأحد تلك المشاهد ينثني عن النظر إليها أو حتى على الأقل رؤيتها من باب التطفل ثم الغض عنها مباشرة، ولكن الأمر يستدعي غالباً خطوات أخرى تتمثل في طلب نقلها إلى جواله أو حاسوبه الخاص، وربما تبع ذلك نقله وتبادل إرساله إلى آخرين، بل والأدهى من ذلك هو الإفصاح عن الأشخاص، بل إن الأمر الأشد قسوة هو نسبة هذا المشهد لزيد أو عمرو من الناس بقصد الإساءة والتشويه".

ويقاطعه حسن الشهراني ليؤكد كلام زميله قائلاً: "مما يؤكد استخدام مثل هذه المقاطع في تشويه سمعة أشخاص بعينهم أن أحد التلاميذ في المدرسة، وهو في الصف الثاني الثانوي عندما حصل له موقف سلبي مع أحد مدرسيه ما كان منه إلا أن قام بالتقاط صورة مدرسه عن طريق جواله ثم بعد نقله إلى حاسوبه الخاص قام بعملية مونتاج كأبرع ما يقوم به ممثلو الخدع السينمائية في هوليوود، وما هي إلا أيام قليلة حتى أصبحت صورة المدرس، وهو في صورة فاضحة، وبمشهد مشين تتناقله جوالات الطلبة".

 

براءة.. وتخلف:

"لا أدري: هل أسميها براءة، أم سذاجة؟ " بهذه الكلمات وهي تخرج بعصبية متناهية تبدأ الأستاذة ابتهاج حمود الأخصائية الاجتماعية كلامها معنا، قائلةً: "تأتيني حالات لبنات في عمر الزهور بين سن الرابعة عشرة والسادسة عشرة يتبادلن فيها الصور الفوتوغرافية، ومقاطع الرقص، والدافع الأول لهذا الأمر بالنسبة لهن لا يخرج في الغالب عن أمرين اثنين: إما لرغبتهن بوجود ذكرى صداقة بينهن، أو تحدٍ, لأفضل رقص بينهن"، وتضيف ابتهاج: "إن أغلب الحالات التي تأتيني تنبئ بالفعل عن براءة متناهية لمن يقمن بمثل هذه التصرفات، ورغم معرفتهن بما يدور حولهن من فضائح تُتناقل هنا وهناك، إلا أنهن يعزون أمرهن إلى حالات خاصة بهن عُراها أواصر الصداقة وعهود الصدق الذي بينهن، متناسيات أنه ومع ذلك يمكن في لحظة فقدان للجوال، أو سرقته، يتم استغلال ما بداخله من ذاكرة لتجد إحداهن نفسها مثار الفرجة والتناقل بين أيدي الشباب".

 

مجتمع الخوف:

في قاعة أحد المعاهد التدريبية في مجال الحاسب كانت تجلس المتدربة عبير ص. بمفردها توجّهت مندوبة (الإسلام اليوم) إليها لتسألها عن رأيها حول هذا الموضوع، فأجابت: "لا تعليق، لا أحب الخوض في هذا الأمر إطلاقاً" وبعد إلحاح قالت: "لقد فقدت الثقة في المجتمع وفي الناس جميعهم، أصبحت إن دخلت بيت أحد أقربائي أو جيراني أراقب الجدران، والستائر والدواليب أخاف أن تكون (كاميرا) مثبتة هنا أو هناك، حتى خروجي إلى الأعراس أصبح لا يكون إلا إن حصل الأمر إلزاماً من أهلي لمجاملة قريبة لنا أو معروفة، وكذلك الأمر حتى في قاعات الدراسة كما ترين، أتوجس من أي تعارف جديد مع أي فتاة.. " وتستطرد قائلة: "صدقوني الأمر ليس مبالغة بل هي الحقيقة.. الحمد لله أنني من عائلة ملتزمة، ونشأت على تربية والدي الذي أكن له كل التقدير، ولكني أحسست أن هذا المجتمع سيلوّث كل ما بناه والدي في تربيتي، وأنه معرّض للانهيار في لحظة واحدة". سألناها: وأين الثقة بالنفس؟ صمتت.. ولم تردّ.

 

ملتقيات الطلبة.. أمكنة خصبة:

تركز انتشار هذه الظاهرة في الجامعات والمعاهد العليا بكثرة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى المدارس الثانوية أيضاً، مما أدّى إلى وقوع العديد من الضحايا كما حكت إحداهن إلى (الإسلام اليوم). (ع. ن) طالبة جامعية قام أحد الشباب بابتزازها بعد تصويرها خلسة بواسطة (الموبايل) ثم قام بعد ذلك بتركيب صورته معها من خلال الحاسب، لكنها قدمت شكوى عليه مما أدّى إلى كشف لعبته وبالتالي إلى العقاب الشديد.

حتى المدارس الثانوية لم تسلم من بعض هؤلاء فتروي لنا (شهد 14عاماً طالبة في الثالث متوسط) تقول: فُوجئت عندما خرجنا إلى الساحة في الفسحة، و شاهدت أحد الأولاد، وكان قد تسلّق حائط المدرسة ليصورنا عبر جهاز (الموبايل) " لذلك أصبحنا نترقّب خوفاً من أي محاولة يقوم بها الشباب دون علمنا، توافقها الرأي (أسماء ربة بيت 30عاماً) حيث إنها تقول بأن (الموبايل) هو سمة العصر، لكن ما يفعله بعض الشباب هذه الأيام غير لائق بمجتمعاتنا العربية، خاصة ما أراه من شباب يحملون الجوال في الأسواق، و يقومون بتصوير أي فتاة تعجبهم.

 

تجارة مشبوهة:

واقعة شهيرة في هذا الإطار نشرتها الصحف المصرية: عندما اكتشفت بعض السيدات نشر صورهن على موقع إباحي في مناظر مخلة، قمن بإبلاغ الشرطة، وبعد رحلة بحث وتقص واسعة تم التوصل إلى عدد من المحلات يقوم أصحابها بهذا العمل، وكل يستخدمه حسب هواه فمنهم من يستخدمه استخداماً شخصياً، ومنهم من يلهو بعرض النساء في جلسات السمر مع الأصدقاء، ومنهم من يستغله في التجارة الخسيسة عبر الإنترنت ونوادي الفيديو المشبوهة.

وواقعة أخرى نشرتها الصحف المصرية حول أحد الشباب، كان في جلسة سمر ولهو يعرض فيها أحد أصدقائه صوراً لنساء عاريات في أثناء قياس بعض الملابس، وصُدم هذا الشاب بأن شقيقته واحدة من اللاتي يُعرضن أمامه للهو والتسلية، فأُصيب بهستيريا وقام بتكسير الجهاز واعتدى على أصدقائه.

والجدير بالذكر أن كاميرات المراقبة مصرح بها من قبل الأجهزة الأمنية في بعض الدول العربية، وهي منتشرة في داخل المنشآت والمؤسسات الحكومية، والمتاحف والمعارض، وفي المحال التجارية والأماكن شديدة الخصوصية مثل صالات (الجمانيزيوم) و(الساونا) التي يتعرض بعض روادها لانتهاك حرمتهم.. وهناك كاميرات تنقل الصورة فقط، وأخرى بالصوت والصورة فقد ساهمت التقنية المتقدمة في تطوير أنواعها على أحدث مستوى، ولكن للأسف يلجأ بعضهم إلى الاستخدام السيئ لهذه التقنية المتطورة بمراقبة النساء في غرف خلع الملابس في المحال التجارية، وفي دورات المياه بالمطاعم وصالات الرياضة والتجميل وغيرها من الأماكن التي لا يتصور روادها أنهم يتعرضون فيها للتصوير سراً في أوضاع عارية، والدليل على ذلك أن بعض المواقع على شبكة الإنترنت تعرض صور النساء في غرف خلع الملابس ودورات المياه، بالإضافة إلى شرائط مخلة يتضح أن أصحابها من النساء لا يعرفن أنهن وقعن في هذا الفخ القذر.

 

الضمير والتوعية هما الأساس:

ترى (غادة أمين) أن الأساس في أي شيء هو الضمير، ومن يتعامل مع هذه الأداة، وليس الأداة نفسها، فقالت: إنه قد يكون بيد الشخص سكين فيستخدمها في تقطيع الطعام، وقد يستخدمها في قتل أحد، وذكرت أنها مع التطور والتقنية، إذا تمت توعية الأشخاص بكيفية التعامل مع هذه الأداة، وأضافت: عندما منعت السعودية استخدام أجهزة (كاميرا) الجوال أصبحت تُهرّب الأجهزة وتُقتنى خلسة، ثم يجري التصوير في أماكن خاصة بالنساء، ثم تُنشر الصور، مما أدى إلى ازدياد هذه المشاكل في السعودية أكثر من بلدان أخرى، فأكدت أنها ليست مع المنع، وإنما مع توعية الإنسان، وزيادة تطوّره الفكري، وإعداده بشكل يواكب التطور التقني.

كما تقول الموظفة (عُلا): إن جوال (الكاميرا) كغيره من التقنيات قد يستخدمه الشخص بإيجابية، وقد يسيء استخدامه كالإنترنت، فقد يدخل شخص على مواقع إسلامية، وقد يدخل على مواقع إباحية، وهذا يتوقف على أخلاق الشخص ومبادئه ودينه، وهكذا هو مع (كاميرا) الجوّال، فهناك أشخاص قد يستخدمونه لكشف حادثة سرقة أو جريمة معينة مثلاً، وقد يستخدمه آخرون في تصوير فتيات والتشهير بسمعتهن.

ورأى الطالب الجامعي (وليد محمد) أن (كاميرا) الجوال اختراع مفيد، ويعود عليه بايجابيات كثيرة تفيده في دراسته فكثيراً ما يصوّر أوراقاً ووثائق رسمية للدراسة، وأخرى خاصة بعلاقاته الشخصية مع أهله إذ إنه مغترب عنهم فيقوم دائما بإرسال صوره لأهله عبر الجوال الذي يبقيه دائماً على تواصل أكبر معهم.

ويقول: إنه على الرغم من هذه الإيجابيات التي يقدمها له الجهاز إلا أن الأمر لا يخلو من بعض السلبيات التي تتوقف على سوء استخدام هذا الجهاز لأسباب نفسية واجتماعية إذ أخبرنا وليد عن حادثة قامت فيها إحدى الفتيات بالتصوير في إحدى صالات الأفراح، وقامت بنشر تلك الصور بطرق مختلفة.

أما (مُنى) - طالبة مدرسة - فذكرت أنها لا تفضل انتشار استخدام هذه الأجهزة لأنها كثيراً ما تلاحظ عند خروجها من المدرسة وجود بعض الشباب الذين يحملون هذا الجهاز، ويصوّرون الطالبات خلسة عند خروجهن من المدرسة، فقالت: إنها لا تعرف مستقبلاً ماذا سيحدث إذا وجدت صورتها تنتشر بطرق مختلفة، وهي لم تفعل شيئاً سوى أنها كانت تخرج من المدرسة!

ويرى (طارق علي) أن سلبيات (كاميرا) الجوال أكثر من إيجابياته، ودعا إلى الحد من استعماله لما فيه من تشهير بأعراض الناس وسمعة أشخاص بريئة.

 

(كل ممنوع مرغوب):

لكل تكنولوجيا تبعات وآثار جانبية، هذا رأي (الأستاذة الدكتورة فوزية العطية أستاذة في علم الاجتماع كلية الآداب جامعة بغداد) فهي سلاح ذو حدين بالإمكان استخدامه بالطريقة الصحيحة أو استغلاله عند بعض أصحاب النفوس الضعيفة لأغراضهم الشخصية، وهذه تؤثر على نفسية المراهق العراقي، ونحن هنا نتكلم عن بعض المراهقين ممن فقدوا آباءهم، أو من لا يجد من يردعه أو يوجّهه، وانطلاقاً من نظرية كل ممنوع مرغوب، عبثت هذه التقنية بعقول بعض الشباب إضافة إلى الفضائيات التي تشجع الكثيرين على استعمال العبارات الشائنة والكلمات التي تخدش الحياء ساعدت أو هيّأت البيئة المناسبة لمثل هذه الأفكار، إضافة إلى الظروف السياسية التي مرّت بالعراق وانعدام الرقابة أو الأمن أو التوعية، لكن بحسب معرفتنا لم تُسجل حالات مشابهة لضحايا من النساء إلا بنسبة قليلة جداً مقارنة بالدول الأخرى، والذي مضى على استخدامهم للجوال فترة طويلة.

 

السبب هو الإعلام:

ضعف الوازع الديني وغياب الرقابة الفعلية المباشرة من قبل الأهل من أهم الأسباب التي تؤثر على الشباب والشابّات وتؤدي بهم إلى الانحراف، بحسب رأي (الشيخ علي خضر عضو هيئة علماء المسلمين، وعضو مكتب الدعوة والإرشاد في الحزب الإسلامي العراقي) والذي يرى أيضاً أن الحلّ يكمن في دور الإعلام الكبير الذي من المفترض أن يدين هذه الأعمال ويحاربها، أما الأهل فيقع على عاتقهم الجزء الأكبر لأن لهم الرأي الأول والأخير في مراقبة سلوك أولادهم ومتابعة أصدقاء أولادهم إذ إن للصحبة دوراً كبيراً في التأثير وبشكل مباشر على الشباب، إضافة إلى تحصينهم بالآيات القرآنية وبمبادئ الدين الحنيف.

"على الرغم من كل ما أُثير ضد الهاتف النقّال المزود بالكاميرا، إلا أنه يبقى ضرورة مهمة من ضرورات العصر، لكن استعماله يتباين من شخص لآخر حسب ما يمتلكه من مبادئ و أخلاق وستار ديني يسدله كلما أحس بقرب معصية تتجه نحوه".

 

جريمة يعاقب عليها القانون:

يؤكد الأستاذ (نبيل عبد العظيم) المحامي المصري أن التقاط صور الفتيات والنساء ونشرها وهن بزي غير كامل وبغير رضاهن ونتيجة للتلصص والتجسس عليهن، يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، ويرجع للقاضي إصدار الحكم الذي يتناسب مع ظروف كل قضية، وإذا لم يكن ذلك موجوداً في قوانين العقوبات فيجب استدراكه إذ إن الأمر يتعلق بأمر مُستحدَث ليس له سابقة.

ويؤكد (نبيل عبد العظيم) المحامي أن هناك قضايا عديدة وصلت إلى مكاتب المحامين، وحتى إلى قاعات المحاكم نتيجة هذه التجاوزات، وهناك أسر تصدّعت من وراء هذا الفعل الفاضح، وهناك كوارث اجتماعية، وسوف تزداد هذه المشكلات مستقبلاً.

ويضيف نبيل عبد العظيم أن القانون يعاقب على جريمة التشهير بالأشخاص بالسجن حتى ثلاث سنوات في حالة ثبوت حادثة التشهير على المتهم، موضحاً أن تصوير الأشخاص بدون علمهم وبث هذه الصور بهدف التشهير سواء على الإنترنت أو على الجوال يندرج تحت بند التشهير، ويُعاقب مرتكبه نفس العقوبة، ولذلك فنحن نطالب بضرورة إعطاء تصريح لاستخدام الجوال الملحق بكاميرا للأشخاص الذين يرغبون في اقتنائه للرجوع إليهم في حالة سوء الاستخدام.

 

تلاعب خطير:

يقول خبير الإلكترونيات المهندس إبراهيم فتح الباب: إذا وقعت صورة فوتوغرافية في يد خبير (جرا فيكس) سيجعل منها شيئاً آخر تماماً، ويغير واقعها كلياً. والأمر ليس قاصراً على تصوير فتيات في جلسات نسائية، ولكن من الممكن إذا وقعت صورة أي فتاة أو حتى رجل في يد خبير تصوير فهو قادر على عمل مونتاج للصورة بقص الوجه وتركيبه على جسد آخر قد يكون عارياً، أو في وضع غير حقيقي، ولا يستطيع اكتشافه إلا المحترفون.

إن التقنية وصلت إلى حد لا يستطيع أحد ضبطها، فهناك ساعات وولاعات سجائر أصغر في حجمها من الجوالات، تحتوي على كاميرات تصوير ولذلك فالحل ليس في منع دخول الجهاز لأن الخطأ في الاستخدام وليس في الجهاز، ولا يُعقل أن نتجنب استخدام كل تطور تقني بدعوى أن له مضارّº فالإنترنت لها مضار مثل المواقع الإباحية، ولكن لا يستطيع مجتمع متطور أن يعيش بدون إنترنت.

وقد بات بالإمكان إعادة إظهار الصور التي يتم محوها من الذاكرة في حال بيع الهاتف أو تركه للتصليح. نحن إذن أمام مشكلة كبيرة لن يكون حلها بمنع أجهزة الهاتف المزودة بالكاميرا لأن التقنيات تتقدم يوماً بعد آخر، وقد تظهر أجهزة أخرى عبارة عن أقلام أو نظارات أو غيرها، فالمهم أن نسعى لتحصين أولادنا قبل أن يزجّوا بأنفسهم إلى الهاوية في لحظة استهتار يعدّونها مجرد تهوّر أو طيش شباب.

أما آخر تقنية تكنولوجية حديثة يستخدمها العابثون في أجهزة الجوال فهي خاصية (البلوتوث) التي تظهر رقم أقرب جوال قريب منك أثناء تشغيله آلياً، وعادة يستخدمها الشاب عندما يقترب من فتاة ليعرف رقمها ليعاكسها بعد ذلك برسائل الجوال اللاهية المعروفة.

 

انعدام الخصوصية.. سمة العصر:

الدكتور سمير الصفتي الأستاذ بكلية الهندسة يقول: إن انعدام الخصوصية أصبح سمة هذا العصر.. الكلّ معرّض لأن تكون حرماته وعلاقاته وأعماله وقصة حياته كاملة مادة خصبة على شاشات الحاسب وشبكات الإنترنت بكل سهولة ويسر.

ولهذا تحاول دول العالم المتقدم سن القوانين التى تساعد الأفراد على التمتع بقدر -ولو قليل- من الخصوصية فى ظل التطور التكنولوجي المحموم، فقد حاولت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الموازنة بين القوانين التي تحترم حريات المواطنين، وتلك التي تسمح بالتحري والتنقيب عن كل صغيرة وكبيرة فى إطار فكرة الأمن القومي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا القوانين وحدها لم تكفِ فشركات الاتصالات مثلاً يمكنها أو يمكن للعامل فيها اختراق خصوصية أي فرد من خلال حل المكالمات التليفونية، ويمكن الكشف عن هوية المتكلم ورقم هاتفه ووقت المكالمة ومدتها، كما يمكن رصد مكالمات التليفون المحمول من خلال محطات الاستقبال والإرسال، وتُخترق رسائل البريد الإلكتروني من خلال الشركات التي تقدم هذه الخدمة، فيمكنها معرفة أدق تفاصيل حياتك الشخصية عن طريق رسائلك.

وينبه د. سمير الصفتي إلى أن هناك تقنية حديثة يُساء استخدامها أسوأ استخدام، وعلى الرغم من ذلك مازالت موجودة ولا غنى عنها، وخطورة أمرها أن السيدات والبنات لا يلتفتن إليها ولا يعرنها أي اهتمام، وهي كاميرات المراقبة في محال الملابس النسائية، والتي يستخدمها بعض عديمي الضمير في غرف قياس الملابس، وفيها تتعرى المرأة بطبيعة الحال لتقيس الملابس التي تريد شراءها، وهنا تهتك الكاميرا سترها، وترسل الصورة إلى عديم ضمير آخر في إحدى الغرف ليستخدمها أسوأ استخدام، أو على الأقل يهتك حرمة الفاضلات، ويعرض أجسادهن في أفلام خاصة على أصدقائه.

 

القضية تربوية في الأساس:

يرى د. جمال سرور -أستاذ علم الاجتماع- أن التقنية سلاح ذو حدين، وفي ظل هذا الثورة الرقمية التي نعيشها الآن لن يستطيع أحد أن يمنع اختراق التقنية لكافة مناحي الحياة، وبفرض منع تداول هذا الجوال ذي الكاميرا فإن ذلك لن يؤدي لمنع التصوير لأن الذي يريد التصوير قد يستخدم الكاميرا المدمجة في الساعات الصغيرةº فالمنع ليس هو الحل، كما أن الإنترنت مليئة بإعلانات كاميرات المراقبة الصغيرة واللاسلكية.

إن الموضوع يتعلق بالدرجة الأولى بالتربية والأسرة، لعدم تطبيقنا أخلاق ديننا الإسلامي، الذي نهانا عن تتبع العورات، والتجسس على الناس في أدق خصوصيّاتهم، لدرجة أنه أجاز فقأ عين من يتجسس على قوم بغير رضاهم.

مضيفاً أن ظهور هذه الجريمة يعود إلى ضعف الوازع الديني وضعف التربية، وهي دليل على التفكك الأسري الذي بدأ يصيب مجتمعاتنا إذ يُلاحظ انشغال الأم والأب عن الأبناء وإيكال تربيتهم إلى الخادمات والمربيات.

إن ما يقوم به هؤلاء ضعاف النفوس من سلوك غير آدمي سواء في حفلات الزواج حيث يتم تصوير الفاضلات و إرسال صورهن إلى ذويهن أو العامة بقصد التشهير. واختلاق المشاكل لهن أو في الأماكن العامة التي تتوافد إليها النساء و تصويرهن سراً لاستغلال هذه الصور بضغوطات أو مساومات دنيئة، لا يدل إلا على نوعية من قام بالتصوير، ومن روّج الصور الفاضحة لأبرياء لا يعلمون ماذا كان يخفي لهم نفر من المنحرفين نفسياً وأخلاقياً واجتماعياً.

 

حباط وانبهار!

يعدّ د. محمود إمام - أستاذ التربية - انتشار هذه الظاهرة بين أوساط الشباب شكلاً من أشكال الغزو الثقافي الغرض منه التغلغل في داخل الفكر العربي والإسلامي، والعمل على تحقيق التبعية بحيث يرى الشباب المسلم أن النهج الغربي هو النهج الصحيح، ونسير في تيارهم الذي يريدونه فهم يسعون لأن نظل أتباعاً لهم في كل شيء.. ونحن مجتمع لنا خصوصيتنا وعاداتنا وتقاليدنا وكل مجتمع على الأرض له خصوصيته وعاداته ومبادئه وأخلاقياته وأعرافه، والغرب يسعى لخلخلة هذه القيم وزحزحة الاعتقادات من خلال هذه الوسائل وغيرها في تحقيقها.

ويعدّ د. محمود إمام المسألة تربوية في المقام الأول، ويجب أن يكون شغلنا الشاغل: كيف ننشئ أجيالاً صالحة؟ والإجابة في غاية البساطة، فكل مجتمع يملك تربية وتعليماً وإعلاماً.. وهذه الوسائل يجب أن تُسخّر لإيجاد أجيال صالحة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر.. تُحلّ الحلال وتحرّم الخبائث، والأمر في رأيه- يتطلب وضع خطة عاجلة لعلاج هذه المساوئ، فنحن في حاجة إلى ثورة شاملة في حياتنا تقوم على كيفية إعادة تخطيط حياتنا في ظل هذه المعطيات المتلاحقة.

 

الإسلام صان حرمة الحياة الخاصة:

يقول الداعية الإسلامي المعروف الشيخ جمال قطب - الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر -: إن الشريعة الإسلامية حرصت على حرمات الأشخاص وخصوصياتهم من أن تُنتهك بأي صورة، وتصدّت لهذا الانتهاك الخطير لحرمات الأفراد وخصوصياتهم، كما جاء النهي صريحاً من الله - سبحانه وتعالى - عن التجسس والذي من شأنه تتبع العورات وانتهاك حرمات الأفراد والتعدي على أسرارهم وكرامتهم فيقول الله - تعالى -: (يا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً... ) [الحجرات: من الآية12].

وجاءت السنة النبوية المطهرة، وأكدت الحرص على صيانة حرمة الحياة الخاصة للفرد فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".

ويتوعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين يتتبعون عورات الناس ويبحثون عن معايبهم فيقول - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".

كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح".

ويتوعد - صلى الله عليه وسلم - من يتجسس عن طريق استراق السمع فحسب بالوعيد الشديد فيقول - صلى الله عليه وسلم -: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صُب في أذنيه الآنك يوم القيامة".

إن المرأة - وبالرغم من أن لها أن تتخفف في الحفلات النسائية - لكن إذا وُجد احتمال لنشر صورها بأي وسيلة خاصة في ظل وجود هذه الأجهزة الخفية التي تكشف كل الأسرار، ففي هذه الحالة يصبح التخفف من الملابس حراماً.

وإذا كنا نحارب المتلصصين فإننا نطالب المرأة ألاّ تمنح الفرصة لأحد فليس معنى تواجد المرأة في مجتمع نسائي أن تظهر بملابس تحطّم كل ساتر، فالله لن يفضح إلا من فضح نفسه لكي يتحقق قول القائل: لا حياة لمن لا حياء له.

 

الجهل سبب المشكلة:

أشارت الاختصاصية الاجتماعية (جيهان حداد) إلى أن سبب انتشار هذه الظاهرة هو أننا في مجتمع يجاري كل شيء جديد من التقنية، وكثير من الأشخاص يسيئون استخدام هذه التقنية بسبب قلة التوعية، فأكدت حداد على ضرورة توعية الناس بالاستعمال المناسب لـ(كاميرا) الجوال من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وعرض المشاكل التي تتعرض لها الفتيات والسيدات وحتى الشباب ليكونوا على حذر أكبر، وإظهار حجم المشاكل التي يسببها الاستخدام السيئ لـ(كاميرا) الجوّال لتجنّبه.

وقال الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية الدكتور (عباس الباز): إن السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو سوء استخدام (كاميرا) الجوال الذي أدّى إلى مشاكل اجتماعية كثيرة تحوّلت معظمها إلى مشاكل قانونية وقضائية، وأضاف: إن سوء الاستخدام يعود إلى الجهل، وعدم الوعي بالقيمة الحقيقية لفوائد هذا الجهاز.

وأكد (الباز) على أن هناك الكثير من الإيجابيات لـ(كاميرا) الجوال فأعطى مثالاً وهو أن يستخدم التاجر الذي يريد شراء بضاعة هذه (الكاميرا) في معاينة أو رؤية جزء منها قبل الشراء، وهو ما يسهل عليه كي لا يخسر في تجارته هذه، ولا يضطر لحمل جهازين عند محاولة شراء أي بضاعة.

 

وسيلة مشروعة في عمل غير شرعي:

وحول نظرة الدين لهذه الظاهرة قال الباز: إن العلماء المسلمين يرون أن هذه الظاهرة لم تنمُ وتنتشر بسبب هذا الجهاز بل بسبب مستخدميه إذ إن أي جهاز يمكن استخدامه في الخير أو الشر، وجهاز الهاتف المحمول سواء أكان بـ(الكاميرا) أو من غيرها ليس له علاقة بهذه الظاهرة فهو مجرد جهاز يمكن استخدامه وتسخيره للخير أو للشر، وكذلك من صنع الجهاز، فهو قام بصنعه لخدمة البشرية، ولتسهيل الاتصال بين الناس.

وأضاف: إن في الإسلام مبدأً لسد الذرائع يقول: إن الوسيلة التي تؤدي إلى عمل أو تصرف مشروع فهي مشروعة، وفي هذه الحالة ليس الجهاز هو الوسيلة غير المشروعة بل هي طريقة استخدامه.

 

المنع أحد الحلول:

وأشار (الباز) إلى أن هناك العديد من الحلول التثقيفية والتوعوية التي تؤدي إلى التخفيف من هذه الظاهرة، وذكر أن بعض الدول قامت بمنع استخدام هذه الهواتف كالصين والسعودية بعد أن رأت أن استخدامه أدّى إلى وقوع العديد من المشكلات، وهذا أحد الحلول الممكن طرحها في حالة تفشّي هذه الظاهرة في المجتمع.

وأوصت الاختصاصية الاجتماعية (حداد) بأن يكون هناك قانون يضع عقوبات لمن يسيء استخدام التقنية الجديدة كـ(كاميرا) الجوال لتكون رادعاً له. 

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply