برجس والباندا والبعد الأخلاقي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 يبدو أن بعضنا لم يستيقظ بعد على الشوط الطويل الذي قطعه الفكر المتحلل نفاذاً إلى قلوب الكثير من مراهقينا ومراهقاتنا ويبدو أيضاً أننا لا نتعلم بقدر كاف من الدروس التي قرآناها في يوم ما ووصلت لدينا الآن في بعض التجليات إلى حدود المشاهدة الظاهرة.

 

قصة برجس وشلته والفتاة والباندا تقف بنا على مشهد اجتماعي صاعق للكثير منا كونه تم في بلد لم يعرف طوال عمره مثل هذه الصور المنحلة والماجنة من الانحراف المحترف في الإذلال والانتقام بصورة تدعو وبشكل صريح إلى دراسة واقعنا الاجتماعي والتربوي على جميع الأصعدة.

 

قد لا أكون مبالغاً إن قلت عن مثل هذه القصة أنها غيظٌ من فيضٍ, يحدث في الخفاء وإذا كان انتشار تلك المشاهد على الشبكة العنكبوتية التي تعمد مقترفو هذه الجريمة نشرها من خلالها قد أدت إلى هذه الضجة الإعلامية فإن الواجب يحتم علينا ألا نتغافل عن واقع خطير بحاجة إلى التدارك قبل أن يغرقنا الطوفان في محيطه ثم نصفق بعدها بأيدينا في ساعة لا يفيد فيها الندم.

 

إنه من حقنا أن نتساءل: من المسئول عن مثل تلك المشاهدات المنحرفة والتصرفات المشينة التي أصبح معها بعض الشباب ذكوراً وإناثاً لا يبالون بكلمة \"حرام\" أو حتى بكلمة \"عيب\" وحتى أصبح بعض من كان يرتدع بمجرد تذكيره بعائلته والبعد الاجتماعي لها في واد سحيق من القحة والبذاءة وقلة الحياء والمروءة.

 

سؤال عريض يفرض نفسه ويقول بالخط العريض: من المتسبب في تهوين شأن الدين في نفوس أبنائنا؟ ومن هو المتسبب في تحطيم سياج الأخلاق والمروءة لديهم؟ من الذي هدم ويهدم في نفوس الأبناء ما يبنيه الآباء وما تبنيه المدارس والمساجد؟ من هو الذي نقل مفهوماً مغلوطاً عن الحرية إلى أذهان أولئك الأبرياء؟ ومن هو الذي صور لهم الحياة الغربية بصورة الأنموذج المحتذى؟ ومن هو المسئول عن حرب الحجاب والفضيلة والحشمة ليلاً ونهاراً؟ من الذي تسبب في غرس الانفتاح الكامل في قلوب بعض فتياتنا حتى أصبحت ترى أنه ليس من الضير عليها ولا العيب أن تتخذ حبيباً وخليلاً تخرج معه.

 

أين أصحاب الأطروحات الغربية الذين ينادون بالاختلاط ويزعمون ضياع حقوق المرأة في مجتمعاتنا التي لا تقر الاختلاط ولا ترضى السفور؟ أين أصحاب القنوات الفضائية وما تبثه من المسلسلات المدبلجة والأفلام الهابطة ورقصات \" الفيديو كليب \" الماجنة وماهو الدور الذي فعلوه في نفس برجس وغيره من الشباب والشابات؟.

 

نحن في الحقيقة أمام أزمة أخلاقية يجب أن نقف على مسبباتها بكل حزم ووضوح إذا أردنا الحل والعلاج فليس من المعقول أن نرى هذه الانفصام بين ما يتعلمه المرء في بيته ومدرسته ومسجده وبين ما يرى ويسمع من الاطروحات التي تنادي بالاختلاط وهدم القيم في مشاهدات مخلة بالحياء هادمة للمروءة ناسفة للحياء ثم لا يكون لنا بعد موقف من ترشيد الخطاب الإعلامي الذي تناسى الدور الأساس له والمعني بتعزيز القيم والأخلاق والفضائل بدلاً من فذلكات بعض المتفيهقين ممن يجيدون الحديث عن الحرية دون أن يفهموا حدودها وضابطها وموقف الشرع من إطلاقها وتلك وربي مشكلة تحتاج إلى الضبط والمراجعة.

 

أظن أن قضية برجس قد فتحت المجال عن أسئلة لا تزال تحتاج إلى إجابة عن دور الوالدين في التنشئة الصالحة لأبنائهم وخصوصاً مسألة غرس الوازع الديني في نفوسهم وتعليمهم مبدأ المراقبة لله - عز وجل - قبل مراقبة الأفراد؟ وكذلك أين بعض الآباء عن تفقد الأولاد حال غيابهم من المنزل فإنني لا أفهم أبداً كيف تخرج فتاة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين بل وكيف تغيب امرأةٌ مهما كان سنها عن منزلها دون مرافقة محرم إلى ساعة متأخرةٍ, من الليل؟ وكيف يتغافل بعض أولياء الأمور عن أولادهم الذين لا يعودون في بعض الأحيان إلى منازلهم إلا مع الساعات الباكرة من صباح اليوم التالي؟.

 

وثمة سؤال آخر أوجهه إلى الآباء خصوصاً وأقول لهم: إلى متى وبعضكم يبالغ في المطالب والتكاليف إذا تقدم شاب لابنته؟ إلى متى وبعضكم يساهم دون شعور منه في غلق باب الحلال وتضييق فرصه على شبابنا وشاباتنا؟ إنكم بحاجة إلى ستر ما لديكم من بنات ونبيكم قد قال: \" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض \"، وإن الفساد العريض يحدث يوم يساهم بعض الآباء بتضييق فرص الحلال للشباب السائرين في أول دروب الحياة والذين يحتاجون منا إلى أخذ بأيديهم بدلاً من تحميلهم مالا يطيقون من التكاليف والأعباء.

 

إنني أقترح أمام هذه المشاهدات إنشاء هيئة وطنية لمساعدة الراغبين في الزواج من الشباب الذين لا تساعدهم ظروفهم المادية على ذك ويكون ذلك وفق شروط ومعايير وضوابط منظمة لذلك يراعى فيها سن المتقدم وراتبه وسلوكياته وذلك لكي نساهم في فتح باب الحلال ومحاصرة أبواب الحرام مع مراعاة التوعية الدائمة والتثقيف المستمر للأبناء عبر جميع وسائل الإعلام..

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply