(كذلك لنثبت به فؤادك)*


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 يشتكي كثير من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية من ظاهرة الفتور [1] التي تفشت في السنوات الأخيرة، واعتورت كثيراً ممن كان يرجى نفعه، ويؤمل خيره، وإذا كانت هذه الظاهرة طبيعية أحياناً لما جُبل عليه الإنسان من الضعف فإنها تبدو غير ذلك عندما تتكرر وتستمر، وعندئذ فهي جديرة بالتأمل ومعرفة الأسباب والدوافع.

 

 وإن من أكبر أسبابها والله أعلم عدم التجديد في العمل الإسلامي، والانتقال به من مرحلة إلى أخرى، من حالة الضعف إلى القوة ومن قلة العلم إلى الرسوخ فيه، ومن التأصيل النظري إلى الواقع العملي ومن التخطيط الجزئي إلى التخطيط الشامل، فإن هذا مما يرفع الروح المعنوية عند المسلم، بل ويزيد إيمانه، وعندها يكون أقوى على دفع عملية التغيير فهي علاقة جدلية كما يقال، وإن ما نراه أحياناً من الجمود على فكر معين قاله أحد الدعاة أو المفكرين قبل عقود من السنين، يدعو إلى الأسف، فما يصلح لفترة الأربعينات والخمسينات قد لا يصلح اليوم، وما كُتب في تلك الفترة وما بعدها بقليل حول الاجتهادات في أساليب الدعوة، أو طرح بعض الشعارات ليس كله صحيحاً، وهؤلاء الدعاة وإن كان لهم فضل السبق، ولكن الحق أحق أن يتبع، وقد رأينا عجباً ممن يتصدى للدعوة، يقول لك: قال فلان، وكتب فلان، وكأنه لم يزدد منذ عشرين سنة حرفاً من العلم، ولا يدري ماذا جَد على الساحة الإسلامية.

 

 وإذا تتبعنا حال الدعوة في عصر الرسالة نجد أنها في تقدم مستمر، ليس فيه تراجع، فالمسلمون يزدادون عدداً، والدعوة تكسب شخصيات مهمة وتجد لها ملجأ آمناً في الحبشة، ويتعاطف معها بعض أشراف قريش في حصار الشعب، ثم تأتي بيعة العقبة الكبرى منعطفاً مهماً للدعوة، فالهجرة إلى دار الإسلام (المدينة).

 

 كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل المسلمين خطوة خطوة على طريق التمكين فالمرحلة المكية كانت إعداداً للمرحلة المدنية، بل كل مرحلة سواء أكانت في الفترة المكية أو المدنية كانت نقطة انطلاق إلى ما بعدها، وكلما مارس الفرد واجباً ازداد قوة واستعداداً، وقويت آماله، وشعر بالرغبة في العمل، وكان القرآن ينزل منجماً ليثبت قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعيش المسلمون مع القرآن واقعاً عملياً، يُقوّمهم وينتقل بهم في عملية تربوية إلى الحال التي وصل إليها الصحب الكرام.

 إذا كان الإسلام هو الحق وغيره هو الباطل، فلماذا وجد هذا الواقع الذي نحن فيه لولا أن في الأمر خللاً في معرفة وجوه المصالح والمفاسد، ونقصاً في القيادات التي تنقل المسلمين إلى المرحلة المناسبة، ولعله عندئذ تُشفى صدور قوم مؤمنين.

---------------------------

(*) سورة الفرقان: آية 32.

(1) ونعني بها:التراخي والتباطؤ بعد الجد والنشاط، فتهن العزيمة عن المضي قدماً لعارض يمنعها وانظر ما كتبه الشيخ الدكتور ناصر العمر حول هذه الظاهرة في كتابه: الفتور: المظاهر والأسباب والعلاج.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply