تسلية العقيم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

لاشك أن الولد نعمة جليلة من أعظم النعم التي يمن الله بها على الإنسان، وهو زينة الحياة الدنيا، قال - تعالى -(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وله مصالح وفوائد كثيرة في الدارين لا يحصيها إلا الله من الصلة والبر والدعاء للوالدين والإحسان إليهما، واتصال النسب وإحياء الذكر والقيام بشؤونهما أحياء، وأمواتا وغير ذلك من المنافع العظيمة.

 

وقد يمنع الله الولد عن بعض الناس ويجعله عقيماً قال - تعالى -(لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا و إناثا ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير).

 

وقد يلحق العقيم هم وحزن من جراء فقد الولد وهذا أمر طبيعي من الفطرة لايؤاخذ عليه المرء شرعاً، ولا يلام على ذلك فان صبر و وان واحتسب الأجر على الله وأحسن الظن بربه جوزي أجرا عظيما و وان جزع وتسخط وأساء الظن بربه فاته خير عظيم وباء بالإثم الكبير.

 

وسعي العقيم في تحصيل الولد وبذل الأسباب لا ينافي التوكل على الله ولا ينقص الإيمان، والإنسان مفطور على حب الولد، ويشترط في ذلك أن تكون الأسباب نافعة سواء كانت أسباب عادية مباحة مجرب نفعها كالتداوى بالعقاقير الطبية، أو أسباب شرعية دل الشرع عليها كالرقية ونحوها، ولا يجوز بحال تعاطي الأسباب المحرمة من السحر والدجل والأوهام وغير ذلك مما تذهب دين العبد وتفسد عقله وتضيع ماله.

 

والواجب على العقيم أن يربط قلبه بالله ويتعلق به ويكل الأمر إليه ويوقن أن النفع والضر بيده وأن الكون تحت يده يتصرف به كيف شاء، وان جميع هذه الأسباب مهما كانت لا تؤثر بنفسها بل يصرفها الله فان شاء أنفذها وان شاء امسكها، فلا يتعلق بالمخلوق ولا يلتفت قلبه إلى شيء من الأسباب.

 

والدعاء من أعظم الأسباب في حصول الولد، فليكثر العقيم منه ولا بأس بطلب الدعاء من الرجل والصالح، وان يحسن الظن بربه ويوقن بالإجابة قال - تعالى -(وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة \" وليعظم الرجاء بربه وينصرف إليه بكلية قلبه ويدعو دعاء المضطرين قال تعالى) (امن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) وليعلم أن الفرج قريب وان الله قادر على كل شيء خالق الأسباب والمسببات خلق عيسى بلا أب ورزق مريم بلا سبب وأعطى زكريا الولد وزوجه عقيم وقد بلغ من الكبر عتيا، وأطفأ نار إبراهيم ذات اللهب، فيالله العجب ما أعظم عطاياه وأجزل نعمه وألطفه بعباده..

 

ولما رأى زكريا - عليه السلام - سعة قدرة الله ولطفه وكرمه ورعايته لمريم - عليها السلام - برزقها فاكهة الشتاء بالصيف وفاكهة الصيف بالشتاء طمع في الولد وقال إن الذين قدر على ذلك لقادر على أن يصلح زوجى ويرزقنى ولدا على الكبر وكان أهل بيته قد انقرضوا قال - تعالى -(هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبه انك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحي مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين * قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء) قال ابن عباس: كان ابن عشرين ومائه سنة وكانت امرأته عاقر بنت ثمان وتسعين سنة \" وقال - تعالى -عن إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء).

 

أخي العقيم فأقبل على ربك بالمناجاة ولا تيأس من رحمة الله، وتصدق وأحسن وأكثر من التوبة والاستغفار واعلم أن الله قادر في أي وقت على أن يرزقك الولد مهما طال الوقت كما رزق غيرك وقد شاهدنا قصصا عجيبة وأحوالاً في هذا الباب، وإياك والاعتماد على كلام الأطباء والثقة على أنه من المسلمات التي لا تتغير والوقوف عند ذلك، فهم يصفون الحال المشاهدة وفق مقاييس الخلق العاجز، ويتكلمون في الأسباب العادية وقدرة الله فوق ذلك، وكم رأينا من قال فيه الأطباء لا يولد له فرزقه الله الولد.

 

وإذا كان سبب العقم ناتجاً عن الزوجة فالمشروع للزوج الإحسان إليها وإكرامها وعدم تعييرها بذلك والصبر على إمساكها ودوام عشرتها، وإن رأى طلب الولد بالزواج بأخرى فحسن وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال \" تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة \" مع الإحسان إلى الزوجة الأولى وعد م تسريحها وذلك من المعروف الذي أوصى الله به.

 

والمرأة التي تبقى تحت زوج عقيم وهى خالية من العقم لها أجر عظيم وثواب جزيل على صبرها عن طلب الولد وذهاب شبابها وزهرة عمرها بلا ولد، لاسيما إذا صلحت نيتها وكانت راغبة في صلاح الزوج وحسن خلقه وكمال عقله، ويجوز لها طلب الطلاق وفسخ العقد لذلك كما قضى بذلك عمر - رضي الله عنه -.

 

ويجب على من كان عالما بعقمه إذا تقدم لامرأة إبلاغها بعقمه ويأثم بترك ذلك لأن ذلك غرر نهى الشرع عنه، وكذلك المرأة العقيم يجب عليها البيان.

 

وهذه أمور تهون على العقيم وتسليه إذا تفكر فيها وتأملها:

1- أن يوقن أن ما من أمر قضاه الله وقدره إلا لحكمة بالغة، فالله - سبحانه - حكيم في أقواله وأفعاله وتقديره لا يقضي شيئا عبثا فإذا تفكر في فقد ولده انه أمر قدر عليه لحكمة ولو خفيت عليه حصل له التسليم التام والرضا بذلك وهذه حالة إيمانية عظيمة من استشعرها هان عليه الأمر.

 

2- أن ذلك من البلاء الذي يبتلى فيه المؤمن في الحياة الدنيا ليرى الله صدقه من كذبه وإيمانه من نفاقه وتسليمه من تسخطه، وكل يبتلى بنوع من البلاء وقد ابتلى بأغلى شيء فليصبر.

 

3- ما يترتب على الصبر من عظم الجزاء ودخول الجنة فالجزاء من جنس العمل فكلما عظم البلاء عظم الجزاء فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال \" من فقد حبيبه فصبر دخل الجنة \" وأخبر أن فقد البنات حجابا من النار فكيف بمن حرم الولد ابتداء فصبر على ذلك، ما أعظم جزاءه وأحسن عاقبته.

 

4- أنه ربما صرف الله عنه الولد لطفا به ودفع عنه أعظم الشرين لعلم الله السابق أنه لو رزق ولدا لكان فتنه له في دينه وشغلا عن طاعته، وعذابا له وهما كما قص الله - سبحانه - عن غلام الخضر حينما قتله قال - تعالى -\" وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما \" أي: فعلمنا أن يحملهما حبه على أن يتابعانه على الكفر قال مطرف: \" فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقى لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله - تعالى -فان قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له فيما يحب\"

وكم والد فتن بولده وصار وبالا عليه وشغله عن دينه والله المستعان.

 

5- إن كان الله أخذ منه الولد فقد بسط له في الوقت وبارك فيه، فالتفرغ للعبادة والدعوة وطلب العلم والعمل الصالح نعمه عظيمة حرم منها الكثير، وكم من شغل برعاية ولده عن فعل الخير، وكذلك فقد الولد فيه سعة في المال والرزق، والولد مهلكة للمال فليستثمر ذلك في بذل المال وإنفاقه في وجوه البر والإحسان، وكم رأينا من العلماء والصالحين الذين فقدوا الولد وبارك الله في علمهم وعطاءهم ولله في خلقه شؤون.

 

6- أن هذا الأمر لم يخصه الله به بل كتبه على طائفة كثيرة ممن قبله أو بعده يشاركونه في فقد الولد وأن الله كما فاوت بين الناس في الرزق فجعل منهم الغنى والفقير فاوت أيضا يبنهم في هذا الباب فجعل منهم عقيما ومنهم ولودا والتفكر في هذا يهون الأمر عليه ويسليه.

 

• فينبغي على العقيم أن يوطن نفسه على ذلك وأن يكيفها على حسب ظرفه ويسلى عن التفكير في عقمه ولا يسترسل وراء الوساوس ويشغل نفسه بكل مفيد، ولا يبقى فارغا يتخطفه الشيطان فان الشيطان حريص على تخذيل المؤمن وتحزينه، ويدخل على كل مؤمن بما يناسبه.

 

• فان شق العقم عليه ولم يستطع دفعه وصار يشكل له هاجسا مؤلما في حياته وأحس بفقد مشاعر الأبوة فليكفل ولدا صغيرا يرعاه في حجره يملأ عليه حياته ويشبع رغبته ويشعره بنوع من الأبوة ويكسر روتين السكون والملل بينه وبين زوجته، فربما كان هذا حلاً ناجحاً، وقد جربه أناس فانتفعوا به مع حصول الأجر العظيم، ولا يلتفت أبدا إلى كلام الناس وانتقادهم ما دام فعله في حدود الشرع وظهر نفعه.

 

وأخيرا فإن من اللطائف أن أهل الجنة لا توالد بينهم ولا يكون لهم ولد كما حكى ذلك طائفة من أهل العلم، ويشهد لهذا القول عموم الأدلة والنظر الصحيح، فإن قانون الجنة وطبيعة الحياة فيها وأحوال أهلها تخالف قانون الدنيا وأحوال أهلها، فالجماع في الجنة وجد للذة والجماع في الدنيا وجد للتناسل وغيره، والأزواج في الجنة مطهرون من كل شئ خلافاً لأزواج الدنيا، والأزواج في الجنة أبكارٌ دائما خلافاً لأزواج الدنيا، وأهل الجنة أتراب أسنانهم ثلاث وثلاثون لا ينقصون ولا يزيدون خلافاً لأهل الدنيا، ويبقى في الجنة فضل فينشأ الله خلقا جديدا لذلك ولو كانوا يتوالدون لما بقي فضل، ويلحق الله بالمؤمنين ذريتهم في الدنيا ولم يذكر لهم ذرية في الآخرة، وكل ماروي في السنة في إثبات الولد في الجنة منكر لا يصح منه شئ، والله أعلم بالحال، وحال أهل الجنة أكمل الأحوال ونعيمهم أحسن النعيم، فتسلى بذلك واتخذه عزاء لك وأحسن صلتك بخالقك تفز بجنة ربك.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply