التدين وعقبات الطريق


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

درج الإنسان منذ قديم الزمان على الاتجاه نحو قوة عظمى يرجع لها في السراء والضراء، والإنسان بفطرته يتجه لله - تعالى -، أما حينما تنطمس الفطرة يبدأ في الاتجاه للمخلوقات التي يراها عظيمة فيجعلها في منزلة الإله. وحتى الإنسان الذي لا يقر بالدين فهو تلقائيا يكون قد اتخذ له إلها غير الله وهو الهوى، قال - تعالى -: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا).

وبين كل هذه الاتجاهات يبرز الاتجاه إلى خالق الكون قويا في الفطرة السليمة، متمثلا في دين الإسلام الذي ارتضاه الله لخلقه، وجعله الطريق الوحيد الموصل إليه، قال - تعالى -في سورة آل عمران: (إن الدين عند الله الإسلام)، وقال: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

 

ما معنى التدين في الإسلام؟

معنى التدين في الإسلام: هو علم المسلم بصفات ربه وحقوقها، ثم العمل بما أمر به على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، عن طريق إتباع القرآن والسنة الصحيحة، وما أجمعت عليه الأمة، من غير تبديل أو إتباع للبدع، سائرا على هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، جاعلا من حياته الدنيا مزرعة لأخراه، وهدفه الأول الوصول إلى الحق بالعلم والعبادة، ونيل رضوان الله وحسن المصير، متخذا كل ما حوله من نعم وأعمال وعلاقات وسائل للوصول إلى هدفه، وأنهار تصب في مصب حب الله وحسن عبادته: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

وذلك يتطلب الاجتهاد في طلب العلم ومجاهدة النفس والهوى، وطلب التثبيت بالدعاء المستمر والاستعانة بالله لمعرفة الحق واتباعه والثبات عليه: (إياك نعبد وإياك نستعين).

 

العلم هو العتبة الأولى على سلم التدين:

العلم هو أول الطريق وبداية الصراط المستقيم: (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، وهو لازم للعبد في كل أوقاته، ومهما بلغ من منازل: (وقل رب زدني علما)، فالبدء منه، والطريق لا يقطع إلا على ضوء مصباحه، والمنتهى به، وخير رزق يرزقه العبد العلم بدينه والمعرفة بخالقه، وهو لا يصل لذلك إلا بالحرص على طلب العلم الشرعي من مصادره الأصيلة، وطرق أبواب المعارف، والمداومة على مجالسة العلماء الأفذاذ والانتفاع بعلومهم، مع الدعاء الصادق، والمداومة على العبادة ومجاهدة النفس.

يقول ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر: (العارف بالله إن عمت نعمة عرف من أهداها، وإن مر مر حلا مذاقه في فيه لمعرفته بالمبتلى، وإن سأل فتعوق مقصوده صار مراده ما جرى به القدر، علما منه بالمصلحة بعد يقينه بالحكمة وثقته بحسن التدبير، قلبه مراقب لمعروفه قائم بين يديه ناظر بعين اليقين إليه، فقد سرى من بركة معرفته إلى الجوارح فهذبها، لا هم عليه في الدنيا ولا غم عنده وقت الرحيل عنها، ولادهشة له في القبر، ولا خوف عليه يوم المحشر.

أما من عدم المعرفة فإنه معتد لا يزال يعج بالبلاء لأنه لا يعرف المبتلى، ويستوحش لفقد غرضه لأنه لا يعرف المصلحة، ويخاف من الرحيل لأنه لا زاد له ولا معرفة بالطريق) انتهى كلامه.

 

العمل الموافق للكتاب والسنة المخلص لله هو الطريق الوحيد:

ضجت كتب التاريخ برواية أخبار الفرق والملل ممن فرقوا دينهم وابتدعوا في عقائدهم وعباداتهم، فضلوا الطريق إليه وفاتتهم نعمة الإتباع فما وصلوا، وتشتتت أعمالهم في النزاع وضاع منهم الأثر ففارقوا الصراط واتبعوا السبل.

 

أما المؤمن المتدين فلا بد له من بحث الحقائق وكشف الشبهات والبدع، والتمسك بالأصل وما كان عليه الطليعة الأولى، فينجو من بدعة أو تقليد وجمود أو إتباع للرأي والهوى. قال - تعالى -: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) آل عمران103. وعليه ألا يسمح لرياح البدع وأفكار الضلال أن تغير مسيرة مركبه السائر إلى الحق، كما لا بد له من وقفة مع عمله لبحث النية والتفتيش عن حظوظ النفس فيها وبصمات الرياءº فقبول العمل مرهون بإخلاص النية لله، والله أغنى الشركاء: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).

 

عقبات على الطريق

* متابعة الهوى والشهوات، ووسوسة الشيطان وتزينه الباطل والفتن والبدع، وكذلك التأثر بالناس وكثرة القاعدين عن الالتزام والمثبطين للهمم، فالناس ينقسمون ما بين مؤيد مقتدى، ومؤيد بقلبه مع مخالفة فعله، ونافر عن الحق ساكت، ومجاهر بالسخرية مؤذى للمتدين.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: (لا يغرك كثرة الهالكين، ولا تستوحش بقلة السالكين).

* أخذ العلم من غير مصادره الأصلية ومنهجه الأولº باتباع الرأي والتأويلات الفاسدة.

* الصحبة غير الصالحة التي تزين اللهو وتسخر من الالتزام: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون).

* التكاسل والتراخي في العبادة وطلب العلم، وعدم التزام التدبر والتفكر فيه والفهم، وترك المداومة ولو بالقليل.

 

أثر التدين على المؤمن:

1/ التدين بمعناه الحقيقي يفتح للمؤمن أبواب رحمة الله ويجعله أهلا لتكريمه، فيرزقه العلم والطاعة التي تكمله وترفع شأنه وتعمر علاقته بربه والناس ونفسه.

2/ تجعله أهلا للقيام بواجب الخلافة في الأرض على أكمل وجه فتحصل الفائدة للمجتمع وتتقدم الأمة علميا وفكريا وماديا.

3/ تجعل منه قوة مصلحة لمن حوله فالمؤمن صالح في نفسه مصلح لغيره، فتعم الفائدة به.

4/ إتباع الطريق المستقيم يحقق للإنسان الانسجام النفسي الذي فشلت نظريات علم النفس الحديث في تحقيقه، فينعم بالراحة والاستقرار، وصحة العقل من المرض، وسلامة الفكر من سقم الأباطيل.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply