الشيخ عبد الله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء: باب الدعوة أوسع من باب الفتوى


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

يخفى مدى أهمية الدعوة إلى الله في هذا الوقت متى أخذنا في اعتبارنا متغيرات العصر ومستجداته وما حدث فيه من تحولات وتبدلات تتطلب فلسفة معينة للتعامل معها..وحاجة الناس إلى الدعوة حاجة مستدامة، فالناس تحتاج دوماً إلى بيان الدين الإسلامي بصورته المشرقة الصحيحة، لجميع ساكني هذه الأرض ولإيضاح مايترتب على هذه الدعوة من الأجور العظيمة وحاجة المسلمين للتكاتف والتعاون في هذا المجال، وهل هذه الدعوة واجبة على كل مسلم؟ وما للدعوة إلى الله - تعالى - من شروط، وواجب طلبة العلم في ذلك، واحتجاج بعض طلبة العلم عند إحجامهم عن الدعوة إلى الله - تعالى -بأن الصحابة كانوا يتدافعون الفتوى؟

 الدعوة إلى الله - تعالى -شأنها عظيم وفضلها كبير، فهي الوظيفة الأساسية لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال - تعالى -: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} الأحزاب: 45- 46، بل الوظيفة التي من أجلها بعث الله الرسل إلى الأمم كافة وأنزل معهم الكتب وأيدهم بالمعجزات، قال - تعالى -: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}النحل: 36، وقال جل شأنه: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}النساء: 165.

فالدعوة إلى الله إذاً من الشرف في منزلة عالية رفيعة، إذ هي متابعة لمهمة الرسل والسير على طريقهم في هداية الناس، وليس هناك من عمل أشرف منها كما قال - تعالى -: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}فصلت: 33.

وقال - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما أعطاه الراية يوم خيبر: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم، وهي الوظيفة التي فضل الله بها أمة الإسلام على غيرها، والتي جعلها سبباً للفلاح في الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}آل عمران: 110، وقال - سبحانه -: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}آل عمران: 104. وإن من الواجب على الدعاة أن يتصدوا لهذه الحملة الشرسة التي يشنها أعداء الإسلام ضد رسولنا الكريم عن طريق التعريف بشيء من سيرته وشمائله ومعجزاته وما يتضمنه دينه من اليسر والسماحة وإنقاذ البشرية من الظلم والجشع.

 

تعاون الدعاة

ولاشك أن التعاون بين الدعاة في الدعوة إلى الله - تعالى -أمر واجب، لاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الملهيات والفساد وسهل فيه سبل تعاطي المنكرات واشتد فيه كيد أعداء الإسلام عليه وعظيم إلصاقهم الأذى به وبأهله من المسلمين بشتى الوسائل، فذلك كله يستدعي تكثيف الجهود والتكاتف بين الدعاة، سواء في دعوة المسلمين وتبصيرهم إلى ضرورة العودة إلى كتاب الله وهدي المصطفى - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - أو فيما يتعلق بدعوة غير المسلمين وإظهار حقيقة الإسلام لهم وبيان مكانة نبي الإسلام وما هو عليه من خلق عظيم وخصال حميدة.

 

توزيع الأشرطة النافعة

والدعوة تجب على كل مسلم بحسب ما لديه من العلم ولو كان قليلا، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار -رواه البخاري-، وفي حديث أبي بكرة في حجة الوداع قال: فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع - رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح-.

ولا مانع من الجمع بين الدعوة باللسان والدعوة بتوزيع الأشرطة النافعة المرخص بها، التي ليس فيها ما يوقع الناس في الفوضى، والدعوة بتنظيم المحاضرات والندوات النافعة وإزالة الشبه والضلالات التي تفسد العقيدة وتهلك الناشئة.

 

شروط الداعية

وهناك شروط لابد من وجودها عند الدعوة إلى الله وعلى الداعية أن يلتزم بها ولا يتجاوزها بأن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً، ويشترط فيه العدالة في الأقوال والأفعال، وأن يكون عالماً بأحكام ما يدعو إليه، وإلى جانب ذلك يستحب أن يتحلى بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، كالصبر والتواضع واللين والرفق بالمدعوين ونحو ذلك، وأن يكون قدوة حسنة في أقواله وتصرفاته، وأن يكون على علم بوسائل الدعوة وأساليبها من الحكمة والموعظة الحسنة وغير ذلك، كما أمر به الله - تعالى -في قوله: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}>النحل: 125{.

 

الإحجام عن الدعوة

والواجب على طالب العلم الذي يجد نفسه مؤهلاً بما من الله عليه من العلم الشرعي أن يتقي الله ويؤدي واجب الدعوة إلى الله بحسب ما يقدر عليه، فإن كتمان العلم مع الحاجة إليه من كبائر الذنوب، فقد قال - تعالى -: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}البقرة: 159.

 وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كتم علماً ألجم بلجام من نار يوم القيامة -رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجة، ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وصححه-.

 وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار -رواه ابن حبان، والحاكم وصححه-.

أما أن يترك الدعوة إلى الله مع ما من الله عليه من هذا الخير بحجة أن غيره من طلبة العلم والعلماء يكفونه، فلا يجوز ذلك، وهذا استسلام للشبه التي يبثها الشيطان لإبعاد طلبة العلم عن الدعوة إلى الله ومهما كثر الدعاة فإنهم لا يكفون الناس، فهم مثل الأطباء، فإنهم وإن كثروا، فإن الأمراض أكثر والحاجة أشد.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply