من إيجابيات الدعوة الإسلامية المعاصرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 إن الدول الإسلامية يعظم عطاؤها ويقوى بقدر ما تبذل في سبيل إحياء المفاهيم الإسلامية وتجديدها ورفع الشبهة عنها وتربية الناس على عقيدة أهل السنة والجماعة، التي بينها المجددون من علماء السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان.

وسنتحدث في هذه المقالات عن أبرز هذه الإيجابيات رغبة منا في إظهارها، وطلباً لنشرها في كل مكان.

 وإن من المفيد أن نشير قبل ذلك إلى أهم الأسباب التي توجب الاعتناء بهذا الموضوع، كما ننبه على المنهج المتبع في دراسته، وإليك هذه الأسباب:

 1- الدلالة على بعض ما بذله العلماء والدعاة من جهود دعوية تجديدية، والتذكير بأهمية ذلك، ودعوة الجميع إلى التعاون على نشرها والمحافظة عليها.

 2- بيان الدليل العملي على يسر تعاون الدعاة والمفكرين وطلاب العلم على نصرة الإيجابيات، وأنه مهما وقع بينهم من الاختلاف في الأمور الاجتهادية فإن المجال واسع للتعاون والمناصرة، ويمكن السعي في كشف اللبس عن بعض المفاهيم التي وقع فيها الكثير من الغبش، وينبغي أن يعلم الدعاة جميعاً أن الصحوة في العالم كله هي ثمرة من ثمار أعمالهم، وأنه يجب على العلماء وطلاب العلم الارتقاء بذلك الجهد وتكثير إيجابياته وتصحيح سلبياته وذلك ممكن ومتيسر والحمد لله.

 3- وجوب تعريف الناس عامة - والمسلمين خاصة - بالآثار الحميدة للدعوة الإسلامية، وبيان أنها الطريق إلى تحقيق عبادة الله وحده واتباع رسله -عليهم الصلاة والسلام -، وأن الفساد لا يرفع من الأرض إلا بتحكيم (الشريعة  الإسلامية)، في جميع المجالات (حَتَّى لا تَكُونَ فِتنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلٌّهُ لِلَّهِ).

  4- إن الحديث عن الإيجابيات هو الطريق الوحيد لربط أجيال الأمة بعضها ببعض، ويحقق لنا حسن الاستفادة من أولئك العلماء الأعلام الذين حملوا راية الإصلاح فيها، وهؤلاء هم أهل العلم والإيمان والجهاد والبصيرة في الدين، ظهر منهم في كل جيل عدول، يقولون بالحق وبه يعدلون، قد علمت الأمة مكانتهم - لا بمجرد الأقوال ولا بكثرة الأموال وإنما علمت مواطن جهادهم وقوة صبرهم ومواقفهم الثابتة في نصرة الحق حتى قدموه على محبه الأموال والأولاد، وعلى زينة الحياة الدنيا وجعل الله منهم أئمة لما صبروا كما قال - تعالى -: (وجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فحرصت الأمة على تقديمهم رغبة منها لا رغبة منهم.

 وهؤلاء المصلحون يجددون في مجالات كثيرة بحسب ما تحتاجه الأمة في كل عصر، ونحن في هذه المقالات نذكر بشيء من جهودهم التي ينبغي أن تحتذى في سبيل الإصلاح، ولا ندعي العصمة لأحد منهم وننبه إلى منهج أهل السنة مع علمائهم فنقول:  إن أهل السنة والجماعة لا يعصّمون العالم منهم ولا يؤثمونه لخطأ وقع فيه، بل يأخذون أحسن ما عنده، ويعذرونه فيما أخطأ فيه ويجعلون جهاده ونصرته للإسلام، وبُعده عن مناطات الفرق والأهواء مانعاً من الطعن فيه، وبهذا الموقف المعتدل - عند أهل السنة والجماعة - استطاعوا أن يحافظوا على جهاد علمائهم ويستفيدوا منه ويبنوا عليه، وقد وفقهم الله في ذلك.

بخلاف أهـل المسالك الفاسدة من المتعصبة والمقلدة الذين ينكرون فضل العالم وجهاده إذا اجتهد وأخطأ في بعض مسائل الاجتهاد.

وهذا الأصل الذي نذكر به وندعو إليه، هو المنهج الوسط الذي التزمه السلف الصالح -رضوان الله عليهم-، وهو مقتضى العدل الذي بينه - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: » إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر « [1].

ونحن معشر أهل السنة والجماعة لا نعصم العالم إذا اجتهد واستفرغ وسعه ولا نؤثمه، بل نحافظ على جهاد العالم وإيجابياته وعلمه وحسن بلائه في نصرة منهج أهل السنة، وندعو الناس إلى المحافظة على جهده وجهاده، ونعتبر إيجابياته مكسباً للأمة يجب المحافظة عليها، ولا نرى مسوغاً للاعتراض عليها بقول القائل: إن هذا العالم أخطأ في كذا وكذا ونخشى أن تنتشر تلك الأخطاء بل الواجب أن نحافظ على إيجابياته، ولا ندعي له العصمة، ولا ندافع عن أخطائه، ونكتفي ببيان الصواب فيما أخطأ فيه.

وبهذا المنهج نستطيع أن ندعو للإيجابيات ونقوي بها المنهج التجديدي في الدعوة إلى الله، فعاد الأمر في النهاية إلى ربط أجيال الأمة بعضها ببعض عن طريق الإشادة والاستفادة من إيجابيات علماء السنة، والحفاظ على جهودهم، والبناء عليها في مجال التجديد.

بهذا المنهج الوسط - ولتلك الأسباب - ندعو للاستفادة من جميع الجهود المبذولة في إطار أهل السنة والجماعة، وسنذكر في المقالات القادمة - إن شاء الله - بشيء من جهود الدعاة والمصلحين كل في مجاله الذي برز فيه، ولكل مصلح درجات مما عمل بحسب علمه وعمله وجهاده وصبره وإحسانه، وندعو للجميع بالتوفيق وأن يبارك الله بفضله وإحسانه في جهود العلماء العاملين، وأن يجزل لهم المثوبة ويجمعنا وإياهم مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply