وقفات من عزل الدعاة ...


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مقدمة

منذ قرون عديدة يتعرض المجتمع الإسلامي لأصناف من التضييق الدعوي، يختلف باختلاف الزمان والمكان، وما ذاك إلا من أجل وأد مسلمات هذا الدين، ومزجه بالشهوات والشبهات على حسب الأهواء، وقد يتبنى حدوث الأزمات في حياة الدعاة جملة من الأديان والفرق والمذاهب والجماعات، حيث يكون لها النصيب الأكبر في إيقاد فتنة عميقة في البلد، حتى يكون نتاج ذلك فجوة بين الدعاة أنفسهم، وبين الدعاة والمجتمع...

وبين يدي هذا المقال أضع بين يدي الداعية بعض الخواطر التي أرجوا أن تكون بلسما ناجعا لكل الدعاة، وحسبي من القلادة ما أحاط بالعنق...

 

الرموز الدعوية

الله - عز وجل - يهيء للناس دعاة إلى الله - عز وجل - بدءا بالأنبياء والرسل ومحمدا - صلى الله عليه وسلم -، وانتهاء بأتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -.

والصف النفاقي، وعشاق الحسد، لا يألون جهدا في إطفاء المعالم التي ينطلق من خلالها الدعاة، سواء كان ذلك من الجانب الإجتماعي أو من الجانب النفسي، أو من أي جانب يسقط مكانة الداعية، أو يقلل من جهوده وطاقاته...

 

ومن الأمثلة على ذلك محمد - صلى الله عليه وسلم -، حيث أوجد الصف النفاقي وعلى رأسهم عبد الله بن أبي، أسلوبا في إسقاط مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك باتهام عرض أمنا عائشة - رضي الله عنها -، وقد خابوا وخسروا في استغلال ذلك، فهذا هو أسلوبهم، فهم مثل الذباب لا يقعون إلا على المستقذر، يحاولون جاهدين في النيل من الرموز الدعوية، ولو كان ذلك على حساب الأعراض...

وعشاق الحسد، وأساطين النفاق، يقودهم الغيظ، حينما يرون أن لمثل هذه الرموز واجهة فعلية لهذا المجتمع، مما يقودهم ذلك إلى ((إثارة البلبلة في الصف الإسلامي، وإيجاد حالة من الانهزامية النفسية لدى المسلمين وذلك من خلال الانسياق في بحر الأزمات، مما يولدُ حالةً من عدم الثقة بين المسلمين، فهذا يرمي بالتهمة، والآخر يصدق، ويكون صراع داخلي، وهذا الصراع يزيد من الفرقة بين الأمة، مما يسهل تسلط الأعداء، والابتعاد عن القيادة الدعوية، وذلك يولدُ حالةً من الإحباط النفسي بين الصفوف، والضعف والاستكانة أمام العدو)) (1).

((وكذلك صرف اهتمامات القيادة الدعوية، من أمورٍ, الدعوة إلى الفتن والأزمات الداخلية يشعل الأزمة في أي مجتمع، فتتعطل حركة التنمية، ومسيرة العطاء مدة من الزمن، تطول أو تقصر بحسب حجم هذه الأزمة وآثارها، ما لم يتم العمل بحسب الأسلوب الأمثل لعلاج هذه الأزمة، والمجتمع الإسلامي حالهُ حال أي مجتمع في ذلكº فالأزماتُ تعطل عجلة العطاء، وتهدر الكثير من الطاقات والوقت، ويفقد الصف الإسلامي بسببها الكثير من الإنجازات التي تم تحقيقهاº فبعد انتصاراتٍ, عظيمة حققها المجتمع الإسلامي، بقيادة الرسول- صلى الله عليه وسلم - على الجبهات العسكرية، أو على جبهة بناء المجتمع المسلم، أو على الصعيد الدعوي، نجد الصف النفاقي يُحدث مثل هذه الفتنة، لكي يصرف اهتمامات القيادة الدعوية، من إرساء دعائم المجتمع المسلم إلى إشغاله بمعالجة آثار هذه الفتن، والعمل على إخماد نارها)) (2)

 

تهويل أخطاء الدعاة -

بني الإنسان معرض للخطأ، ولاشك بان الأخطاء تتفاوت بحسب حجم العمل، مما يجعلنا أن نربي أنفسنا على النظرة الواقعية للعمل سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو على مستوى الأعمال المؤسسية.

فمن الإجحاف أن نجعل الخطأ خطيئة لا تغتفر، والزلَّة في مرتبة العزل والمنع، ولا شك بان تعميم الخطأ هو شهوة العاجزين والحاسدين، وفي مخيلة الإنسان مواقف كثيرة تثبت بأن أسلوب التعميم في الخطأ أسلوبا جرى عليه الكثير من المؤسسات الحكومية والمسئولة، وأصبح لديهم عشقا لخبر أي زلة أو خطأ يصدر من الدعاة أو من أي عمل مؤسسي...

حيث أن أداة تفعيل المكر وإشاعة الخطأ فن يجيده صغارهم، مع أن أبواب التحكم لديهم مهيأة لديهم وذلك من خلال الصوت الإعلامي، والسلطة والمكانة، مما يجعل ذلك فرصة لهم في أخذ الحرية في إكمال السير، وتحقيق الهدف...

وعلينا كأفراد ومؤسسات أن نعالج الأخطاء التي تصدر من أفرادنا ومؤسساتنا بشكل إيجابي، مع إظهار الأطر الإيجابية للمجتمع عند إظهار خلاف ذلك، ونحن لا نبرئ الرمز الدعوي من عدم الوقوع في الخطأ، فهو يبحث عن معالجة الأخطاء التي بدرت منه سواء كان ذلك من خلال الكلام أو السلوك، أو يبحث عن المعالم التي تزج به عن الوقوع في تهمة تُثار عليه في دعوته....

 

الرموز الدعوية وفقد التوازن

لما تهب عاصفةً قوية على الرموز الدعوية، فإن ذلك يشكل ثلما واضحا في صفوف الدعاة والمجتمع ككل، بل قد يؤدى إلى حدوث إبادة كلية لأي عمل دعوي، وهذا أمر طبيعي عند حدوثه مباشرة، والمطلوب من الصف الدعوي أن يصنعوا التوازن عند حدوث الحدث، وكذلك التعامل معه في قالب يشكل الإستمرار في العمل الدعوي، وعدم الإنحناء أو الفتور.

ومن الطبيعي أن يشكل المجتمع الذين يبجلون هؤلاء الرموز نوعا من الحماس، وذلك للمكانة التي يحملونها في نفوسهم لهؤلاء، ولكن من الحكمة أن يفعل هذا الحماس تفعيلا إجابيا، من أجل أن ينصر الحدث، أو يقلل من إستمراره، لأنه في حال فقد التوازن في التعامل مع أي حدث دعوي، يجعل هناك خسائر دعوية على جميع الأصعدة، سواء كان ذلك من النشء الدعوي، أو من الأعمال والترتيبات الدعوية، أو ذهاب فترة زمنية لم تحقق فيها مصالح دعوية، أو تبدد المكاسب والإنجازات من ذي قبل، أو حدوث الفجوات بين الرموز الدعوية بإختلاف أعمالهم، وشخصياتهم

ومن الأهمية أن لا يفقد التوازن مهما استمر التيار المقاوم، وأن يستمر سلم العمل الدعوي بإختلاف أساليبه

 

ســد الثغور

لا شك بأن عزل الدعاة عن المنابر الدعوية ثلمةٌ واضحة في تأريخ المجتمعات، وأسلوب بارد لتجميد منابع الخير، ومنحة سانحة إذا استغلت استغلالا جيدا، لأننا نخشى من أصحاب الفكر السيئ، ومريدي الإنفتاح والشر، أن يشمروا لسد ثغور أهل الدعوة والخير...

وراعى الشاه يحمى الذئب عنها فكيف إذا الرعاةُ لها الذئاب

وقد وصف النبى - صلى الله عليه وسلم - هذه الأيام وصفاً دقيقاً كما فى حديث أبى هريرة-رضي الله عنه-61556; أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: \"سيأتى على الناس سنواتُ خدَّاعاتُ، يُصدًّق فيها الكاذبُ ويَكذًّب فيها الصادق، ويُؤتمُن فيها الخائنُ، ويُخوًّنُ فيها الأميُن وينطقُ فيها الرٌويبَضةُ قيل: وما الرٌويبَضةُ؟ قال: الرجل التافهُ يتكلمُ فى أمر العامَّةِ\" (3) .

 

صبرا أيها الدعاة -

يقول السيد قطب (إن موكب الدعوة إلى الله الموغل فى القدم الضارب فى شعاب الزمان ماض من الطريق اللاحب ماضٍ, فى الخط الواصب مستقيم الخطى ثابت الأقدام يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل يقاومه التابعون من الضالين والمتبوعين ويصيب الأذى من يصيب من الدعاه وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء والموكب فى طريقه لا ينحنى ولا ينثنى ولا ينكص ولا يجيد والعاقبة مهما طال الزمن للمؤمنين\"(4).

يأمر الله - جل وعلا - بالصبر فى عشرين موضعاً من القرآن الكريم مرة بصيغة \"اصبر\" وهى ثمانى عشر واثنتان بصيغة \"اصطبر\" أما الصبر فقد ورد فى نحو تسعين موضعاً فى القرآن الكريم فهو أكثر خُلق تكرر ذكره فى كتاب الله - عز وجل -

ولنقرأ معاً بعض هذه الآيات الكريمة:

قال - تعالى -: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}

{واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}

{فاصبر إن العاقبة للمتقين}

{واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}

{واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون}

{ولربك فاصبر}

{اصبر على ما يقولون}

{فاصبر إن وعد الله حق}

{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}

{فاصبر صبراً جميلا}

ثم يأتي الأمر بالصبر بعد النبى إلى الأمة في آيات كثيرة أيضاً:

يقول الله - عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.

 

كلمة للظالمين

((وأما الذين يفتنون المؤمنين ويسومونهم سوء العذاب فما هم أبداً بمفلتين من عذاب الله ولا ناجين مهما انتفخ باطلهم وانتفش ومهما زاد ظلمهم وانتعش فكما أن الله - تعالى -جعل الابتلاء سنة جارية ليميز الخبيث من الطيب فقد جعل أخذ الظالمين أيضاً سنة لا تتبدَّل ولا تتخلف فكل هذه القوى بكل ما تملك من وسائل التقنية الحديثة ومن وسائل الإبادة والتدمير مثلها: {كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}

نعم فأين الطواغيت والفراعنة والجبابرة والأكاسرة والقياصرة؟!

أين فرعون الذى قال لقومه: {أنا ربكم الأعلى} واستخفهم بقوله: {أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى} ؟!

فأجراها الله من فوقه!!!

أين نمرود بن كنعان الذي قال لإبراهيم - عليه السلام -: {أنا أحيى وأميت}؟!

أين قارون الذين قال في خيلاء وكبر واستعلاء: {إنا أوتيته على علم عندي}؟!

وأين عاد وأين ثمود؟ وأين أبو جهل وأبو لهب؟

{فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليهم حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.

فيا أيها الظالمون:

يا أيها المجرمون:

محال أن يموت المظلومون ويبقى الظالمون فاعلموا ما شئتم فإنا عاملون، وجوروا فإنَّا إلى الله مستجيرون، واظلموا فإنَّا إلى الله متظلمون: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}

 

ولله در القائل:

أين الظالمون وأين التابعــون لهم ***فى الغى بل أين فرعون وهامان؟

أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم *** وذكرهم فى الورى ظلم وطغيــان؟

أين الجبابرة الطاغون ويحهموا *** أين من غــــرهم لهو وسلطان؟

هل أبقى الموت ذا عزٍّ, لعزتـه *** أو هل نجا منه بالأموال إنســـان؟

لا والذى خلق الأكوان مـــن *** عدم الكلم يفنى فلا إنـــس ولا جان

 

إذا...

فلا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم ترجع عقباه إلى الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبـه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم

 

أيها الظالمون:

اتقوا دعوة المظلومين فليس بينها وبين الله حجاب فإن الله - تعالى -يرفعها إليه فوق الغمام ويقول لها: \"وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين\")) (5)

 

بشرى للدعاة

قال - تعالى -{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}

 

فلئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً ***فلله أوس قادمون وخزرج

وإن كنوز الغيب تخفى طلائعــاً*** صابرة رغم المكائد تخرج

 

إن الدعاة الصادقين من تم عزلهم وإيقافهم، لكن نور علمهم ودعوتهم السابقة تسد مكانها، وتحذو حذوها، حتى وإن لامس جو الدعوة شيء من الفتور، إلا أن نور الفجر سيسطع ويشع ضوءه، كقدوم النهار على الليل.

قال الله {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

ولتكن مواقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع البلاء في مخيلة كل داعية، حتى يهون الأمور، ويعظم الأجر، وتتحرك الهمم، وتستمر الدعوة...

 

هذا ما أردت الدلو به لنفسي، ولإخوتي الدعاة، عل الله أن يجعل ذلك وسيلة من وسائل تجاوز الأزمات الدعوية، ومفتاحا في تخطي مصاعبها...

تم الكلام وربنا محمود *** وله المكارم والعلا والجود

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...

 

--------------------

(1) كتاب إدارة الأزمات في حياة الدعاة لمحمد على شماخ0

(2) كتاب إدارة الأزمات في حياة الدعاة لمحمد على شماخ0

(3) حديث صحيح: رواه أحمد وابن ماجه والحاكم (انظر صحيح الجامع 1/681) حديث رقم (365).

(4) مستفاد من طريق الدعوة في ظلال القرآن نقلا عم محمد حسان في كتاب خواطر على طريق الدعوة.

(5) محمد حسان من كتاب خواطر على طريق الدعوة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply