الداعية والشهرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أكرمنا الله - عز وجل - بهذا الدين العظيم الذي قال الله عنه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة: 3).

وقد أمرنا الله - عز وجل - أن ندعو إلى هذا الدين العظيم فقال في سورة فصلت: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) 33.

لا ينبغي أن يتطلع الدعاة الصادقون إلى الأجر، فهم يطلبون الأجر من الله، كما قال الله - عز وجل - في سورة هود: (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) 51، وكما قال الله - عز وجل - في سورة الشعراء: (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) 109.

ولا ينبغي أن يتطلع الدعاة الصادقون إلى الشهرة، فلا بد للدعوة من الإخلاص لله كما قال الله في سورة الزمر: (فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص).

ولا ينبغي أن يتطلع الدعاة الصادقون إلى الشكر والثناء من الناس كما قال الله - عز وجل - في سورة الإنسان: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا). ولكن إذا شكرهم الناس بدون تطلع إلى ذلك فلا بأس، كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: \"تلك عاجل بشرى المؤمن\" (رواه مسلم).

وليحذر الدعاة الصادقون من الألفاظ الحديثة على الدعوة التي تفسد القلوب وتكون مدخلاً للشيطان إلى النفوس والعياذ بالله مثل: (مشاهير الدعاة، نجم الدعاة، أفضل الدعاة، كوكب الدعاة، محبوب الجماهير) إلى آخر هذه الألفاظ التي \"تنفخ\" النفس البشرية، خاصة إذا كانت الذات متورمة أصلاً.

مصيبة هذه الألفاظ أنها تؤدي بالداعي إلى الكبر والغطرسة والتعالي على الدعوة وعلى الدعاة وفي تصرفاته الشخصية.

 

أولاً: على الدعوة

1 حيث يستدل الداعي المفتون بالشهرة والنجومية بالأدلة والبراهين الشرعية التي تؤكد دعوته، معتمداً على شهرته ونجوميته، والله يقول في القرآن سورة الفرقان: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) 33، ويقول في سورة ق (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)45.

2 تمييع الأحكام والقضايا الإسلامية حتى يحافظ على شهرته ونجوميته، حتى إن أحد الدعاة ميّع قضية التعدد قائلاً لمن راجعه في هذا الأمر: \"معلش متنساش إن 90% من الذين يستمعون إليّ من النساء\".

3 التساهل في أحكام الإسلام، كعدم غض البصر، والجلوس أمام المذيعات، والكلام بطريقة معينة.. حتى يحافظ على نجوميته وشهرته.

4 عدم التعرض للقضايا المهمة، والبعد عما يغضب الحكام الظلمة بعدم الكلام عن ظلمهم وإجرامهم، حتى يحافظ على نجوميته، ولو أدى ذلك إلى تضليل الناس وتفهيمهم الإسلام فهماً خاطئاً، مثل من يقول: لا للسياسة، متجاهلاً أن الإسلام دين ودولة، وأنه منهج حياة، كما قال الله في سورة الأنعام: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين  لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) 163، وفي سورة البقرة: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) 208 أي التزموا بالإسلام كله، وقد ذكر الله - عز وجل - فرعون الملعون كمثال للحاكم الظالم 74 مرة في 29 سورة في القرآن.

 

 

ثانياً: على الدعاة

1 فلا يتصل بإخوانه الدعاة إلى الله مثله، ويستفيد من خبرتهم وأفكارهم وعلمهم، فهو يري أنه يتفضل عليهم بشهرته ونجوميته.

2 لا يستجيب لنصائح إخوانه الدعاة إذا نصحوه وحذروه، فهو يرى نفسه أكبر من النصيحة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"الدين النصيحة\".

3 لا يحترم إخوانه الذين سبقوه في الدعوة، ولا يعترف بأقدميتهم في العلم والخبرة، والله يقول في سورة الحشر (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم)10.

 

ثالثاً: في تصرفاته الشخصية

1 التعالي على الناس وعدم الاتصال بهم مباشرة، بل عن طريق (سكرتارية). وأنا لا أعيب على الداعي أن تكون له سكرتارية، فالسكرتارية تنظم له أعماله ووقته خاصة إذا اتسعت دعوته، ولكني أعيب عليه أن تحول سكرتاريته بينه وبين المدعوين ومحبيه، فلا يستطيعوا الاتصال به مباشرة بل عن طريق وسيط، فهو أشبه بالحكام والمسؤولين الذين يتخذون القصور والحرس بينهم وبين الناس فلا يستطيع الناس الاتصال بهم والالتقاء معهم، خاصة إذا احتاج الناس إلى الدعاة لأمر ضروري كما يحتاج المريض إلى الطبيب المعالج.

2 الاشتراط على المدعوين عندما توجه إليه دعوة أن يكون الحجز له في الدرجة الأولى في الطائرة، وفي جناح في الفندق وليس حجرة وأن يكون الدفع بالدولار، حتى وصل الأمر بأحدهم أن يشترط التحرك داخل البلد بسيارة من طراز معين. فهو يرى أنه لابد أن يميز بهذه الشكليات والمظاهر الكاذبة.

ورحم الله الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عندما سئل: \"لماذا تركب الدرجة الثالثة في القطار؟ \" فقال: \"علشان مفيش درجة رابعة\". وما ذنب من لا يملك المال أن يحرم من العلم؟. أنا لا أعيب أن يكون الداعي إلى الله مكرماً وأن تطير به طائرة خاصة، فلسنا كدعاة أقل من الذي أخذ طائرة أبيه، وطار بها إلى أمريكا مثلاً أو أننا أقل ممن يركبون درجة أولى أو يقيمون في أجنحة في أفخم الفنادق، فنحن مكرمون أكرم تكريم من الله بالعلم الشرعي والدعوة في سبيله، ولكن أعيب على الدعاة أن تكون هذه المظاهر شروطاً للدعوة، فلا ينبغي أن ننسى أننا كدعاة نجاهد في ميدان الدعوة، ولكن هناك من إخواننا من يجاهدون في ميادين القتال وساحات الوغى، فهم أولى بالأموال التي تصرف على هذه المظاهر.

ورحم الله سيدنا عمر بن الخطاب عندما ذهب ليتسلم مفاتيح القدس، وخاض في مخاضة الماء، فعاب عليه سيدنا أبو عبيدة بن الجراح ذلك، فرد عليه سيدنا عمر قائلاً: \"إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فلا نبتغي العزة في سواه\".

 

أخيراً

أذكر نفسي وإخواني الدعاة:

1 بتقوى الله في السر والعلانية.

2 تقوى الله في الألفاظ التي تخرج من ألسنتنا للناس.

3 عدم التعالي والتكبر على الناس.

4 أننا محاسبون أشد الحساب عما نقدمه للناس باسم الإسلام.

5 أن أناساً في الجنة يطلبون من الله أن يريهم الذين كانوا سبباً في هدايتهم ودخولهم الجنة.. فيجدونهم والعياذ بالله في جهنم.

6 لا نغتر بالكثرة التي تسمعنا، فلن ينفعنا في الآخرة إلا عملنا الصالح وليس شهرتنا.

7 أن الناس سيعلقون في رقابنا أي تضليل أو تمييع للقضايا الشرعيةº لأن الدعوة أمانة، وتضليل الناس خيانة.

8 أننا كدعاة مهما كُرمنا في هذه الدنيا، فإن تكريم الله لنا أكبر وأعظم، ومن تواضع لله رفعه الله.

9 أننا إذا أخطأنا علانية فلابد أن نعتذر ونرجع عن الخطأ علانية، ولا نصر على الخطأ بدعوى أن الاعتذار ينقص من شهرتنا.

أسال الله أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يقينا شر أنفسنا..اللهم آمين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply