الدعاة بين التحجيم والتأطير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مخطئٌ من يظن براءة أي منظومة دعوية مـن أي عيـب، أو خلوها من أي خلل أو دخن، بدءاً من القيادة حتى قاعدة المثلث الهرمي الذي يمثل المنظومة بكل صفوفهاº إذ إن ذلك يجافي الفطرة وطبائع الأشياء.

قد تتباين الأخطاء والعيوب في كمِّها وحجمها، ولكن تبقى هذه الحقيقة التي لا بد أن نعيها بصدر رحب يتسع لقلم ناقد، وعين ناقدة، ولسان آخذ، أولاً: على مستوى أفراد المنظومة، وثانياً: على مستوى الآخر. فليس هناك من هو مبرأ من العيب، ولا يوجد من هو مكتمل الأخلاق كامل العقل، فمن كلٍّ, يُؤخذ ويُرد إلا المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. وليس معنى تكامل المنظومة الدعوية في أن قيادتها، أو صفوفها العليا والدنيا تتساند فيما بينها بحيث يسد كلٌ فراغاً في جانب من الجوانب، حتى تبدو في صورتها النهائية خِلواً من الخلل والنقص، ليس معناها أن المنظومة تصبح عصيّة على النقد، أو يصبح أفرادها ـ اتكالاً على ذلك ـ فوق النقد والأخذ والرد.

إن المسيرة الدعوية ما لم يسلِّم أفرادها بحقهم جميعاً في التعبير عن رؤاهم الناقدة، وحق الآخر في مؤاخذات نافذة، فإنها بلا شك راكدةº وإن ظن الكثيرون أنها تسير بلا معوق...وأنها ماضية إلى بر أمانها.

وما ركودها إلا لانغلاقها على وجوهٍ, بعينها يُطَمِئن بعضهم بعضاً ألا مساس بالدعوة، وهي في مسيرتها إنما تلفظ فاعلية أخرى، ووقوداً فاعلاً لظنها خطر الرأي الجريء، والمبادرة الشجاعة تلفظ طاقات كان لا بد من توظيفها، وإن كان فيها جرأة على رأي، طاقات لا بد من استثمارها لتجري بها دماء جديدةº إذ في طموحها علو همة، وفي تصوراتها سمو فكرة، كان يمكن تأطيرها لا تحديدهاº لتنطلق وفق إطار منظم نحو فكر مبدع وعقل محلق، ففرق كبير بين التحديد والتأطير، الأول: منطـلقه العـداء النفسـي لطـاقـة متمـيزة يـراد لها أن تخمد، فلا يكون لها وجود يفرض نفسه.

والثاني: يثق بنفسه، ولا يهمه إلا أن تتسع دائرة المشاركة، وأن يصبح الجنود جميعاً بخصال القواد وملكاتهم، لذا فهو يريد للطاقة أن تؤطر فلا تنحرف، يريد لها أن تنطلق بلا نـزق أو تهور، يريدها أن تعلو في غير جنوح يُردي، أو طموح إلى فساد واستعلاء قد يُفضي إلى خسار.

 

3 التحديد: إيقاف للمدº لأنه على غير الرغبة، والتأطير: إطلاق للمد على عين تبصر، ووعي يرقب ويوجه.

 

3 التحديد: إعلان عن إفلاس فكري وعقلي وأخلاقي، والتأطير: بيان عن سمو نفسي يرجو الخير للناس جميعاً.

 

3 التحديد: انغلاق على الفكرة من غير تجديد، والتأطير: انفتاح من غير تحديد.

 

3 التحديد: يؤدي إلى التهميش، ورفض الآخرº وربما قتله واغتياله معنوياً، والتأطير: يؤدي إلى التفريخ، واستقطاب الآخر، وربما استعماله واستمالته.

 

3 التحديد ركود بالمنظومة حتى تتوقف فلا تجد من يحركها، فإذا حُرّكت احتاجت إلى جهد كبير لا يملكه ساعتها ولو آحاد من أفرادها.

 

3 التأطير سير بالمنظومة هادئ متزن، قد يكون بطيئاًº لكنه أكيد في فاعليتهº إذ يضم كل يوم كل ذي طاقة متميز. وبينما يعالج الخلل ويرسخ قيم الاستعلاء على النفس والذات نجد التحديد لا يعترف أو يقر بخلل، فهو يعمق الغرور من خلال ثقة كاذبة بفكرة مبهرة لكنها حُملت على أكتافٍ, ظنت أنها وحدها الجديرة بها، وما سواها إنما يريد بها شراً، وما تدري أنه في مرحلةٍ, ما لن تجد أكتافاً أخرى فلا تندثرº لأنها بالفعل مبهرةº إذ يلتقطها مؤمن بها، فيبعث فيها الروح من جديد وفق ضوابط أخرى، ومنهجية أكثر سعة، وأكثر إيماناً بجدوى المشاركة وتفعيل الطاقات بعيداً عن الخصوصية وحب الاحتكار.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply