اعرف الهدف من الطاعات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

إن من أعظم البواعث المقوية على عمل الطاعات معرفة الهدف منها واستشعار ذلك الهدف إذا حضرت العبد طاعة من تلك الطاعات أو دعي إليها كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من الفرائض والنوافل.

قد يظن بعض المسلمين أن الهدف المقصود هو العبادة ذاتها من صلاة أو زكاة أو حج أو غيرها، وهذا فهم ناقص ومثبط عن العمل أو مثقل له على بعض نفوس العاملين. فالصلاة - مثلا - ليس المقصود منها مجرد أداء تلك الأعمال في تلك الأوقات ومجرد خفض الرؤوس ورفعها في المساجد ظهرا وعصرا وفجرا ولكن المقصود أعظم .. وأعظم.

والزكاة - أيضا - ليس المقصود منها أخذ مال الأغنياء بل ولا حتى مجرد إعطائه للفقراء كلا ثم كلا ومن ظن ذلك ثقلت عليه زكاته لا سيما من كثر ماله وقل إيمانه. ولكن المقصود من الزكاة أهم وأعظم. وكذلك الصيام فليس هدفه الأسمى مجرد برنامج غذائي معين من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.. لا .. ثم لا. وقل مثل ذلك في الحج فليس الهدف منه مجرد الطواف بالبيت العتيق والمبيت بمنى والوقوف بعرفات ومزاحمة الحجيج. إن الهدف في هذه كلها وفي غيرها أسمى وأعلى وأعظم أثرا حاضرا ومستقبلا على الأفراد والجماعات. وبيان الهدف من هذه الأعمال العظام وتحديده ليس أمرا هينا ولذلك لم يترك بيانه لأحد. بل تكفل الله - سبحانه وتعالى - ببيانه في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم -. لهذا سأذكر لك بيان الهدف بنصوص الكتاب والسنة لتكون ماثلة أمام عينيك من نور الوحيين كلما حضرك عمل صالح وكلما شرعت فيه وجعلت تزاوله. إن الله - سبحانه وتعالى - حين أوجب الوضوء وذكر فروضه تفصيلا فقال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدِ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه (6)} [المائدة]. كل هذه التفاصيل الدقيقة والأعمال والأحوال قد نفى عنها الأهداف السطحية وأسئلة الجهلاء والمنافقين لماذا كذا؟ ولماذا كذا؟ فقال - سبحانه -: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} [المائدة: 6] فالمقصود الأعظم والهدف الأسمى هو تطهير هذه الفئة المؤمنة المتوضئة، وكذلك في الصلاة حيث شبهها رسول الله) بنهر غمر جار على باب المصلي يغتسل منه كل يوم خمس مرات فهل يبقى من درنه شيء؟! قال - عليه الصلاة والسلام -: (مثل الصلوات الخمس....). فالمقصود التطهير. وفي الزكاة يقول - تعالى -: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (103)} [التوبة]. فليس المقصود أخذ مال فئة وإعطاءه فئة أخرى كلا ولكن (تطهرهم وتزكيهم بها، ليتطهروا ويتزكوا بالمعنى الأشمل للزكاة التي هي تزكية النفس وتهذيبها كما قال - تعالى -: {والذين هم للزكاة فاعلون (4)} [المؤمنون]. لم يقل هنا مؤتون أو مؤدون لأن المقصود ليس زكاة المال ولكن تزكية النفس كقوله - سبحانه -: {الذي يؤتي ماله يتزكى(18)} [الليل]. وقال - تعالى -عن الصيام: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183)} [البقرة]. وقال عن الإنسان: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم (37)} [الحج]. فالمقصود إذا التطهير والتزكية وحط الذنوب وإزالة الأدران من القلوب والأبدان {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33)} [الأحزاب]. ولذا قال - عليه الصلاة والسلام -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان.. الكبائر). بل هذا هو المقصود والأعظم لإرسال الرسل وإنزال الكتب قال - تعالى -: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2)} [الجمعة]. وقال - سبحانه -: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم(164)} [آل عمران]. وقال لموسى - عليه السلام -: {اذهب إلى فرعون إنه طغى (24)} [طه] {فقل هل لك إلى أن تزكى (18)} [النازعات] . وهذا كله من التطهير والتزكية لهذه الفئات لتكون دون سائر الناس مؤهلة لدخول الجنة صالحة لذلك فهم بهذه الميزة يدخلونها {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلامِ عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32)} [النحل]. وليكونوا مؤهلين لجوار الله - سبحانه وتعالى - والأنس بالقرب منه واستحقاق إنعامه ورحمته فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. ولذلك لما خلق جنة بيده الكريمة قال: (وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) فجعل البخل رجسا من الأرجاس التي تمنع من بلوغ جنة عدن ومن جوار الله فيها. فالواجب عليك يا أخي المسلم أن تتذكر هذا عند كل ممارسة منك لشعيرة من هذه الشعائر فتسكب ماء الوضوء على أعضائك وأنت تتذكر هذا {يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم (6)} [المائدة: 6]. وتركع وتسجد متذكرا نهرا جاريا لا يبقي من الأدران شيئا، وتصبر على جوع الصيام وزحام الحجاج متذكرا (مكفرات الذنوب) فتزداد حرصا على إسباغ الوضوء والخشوع في الصلاة وإكمال الصيام والحج وسائر الأعمال لأنك تستشعر تطهير نفسك وتزكيها بكل تفاصيل هذه الأعمال ولا تحرم نفسك من حميد آثارها بالملل منها والإسراع فيها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply