العلاقة الوثيقة بين الدعوة والأمن


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

مما لا شك فيه أن الأمن مطلب أساس وركيزة من ركائز الحياة وهو نعمة ومنة من الله - سبحانه وتعالى - ينعم بها على من يشاء من عباده, وقد قال - تعالى -: {لإيلاف قريش (1) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (2) فليعبدوا رب هذا البيت (3) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)} [قريش] , وقد قال - صلى الله عليه وسلم - موضحا أهمية الأمن: (من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها),

ولا يمكن لأي نشاط إنساني أن يزدهر وينمو في مناخ غير آمن يعتريه الخوف وعدم الاستقرار, لذا فإن استتباب الأمن أساس الحركة والنشاط والعمل، وحيث إن الدعوة من أهم المناشط التي يقوم بها الإنسان، لذا فإن الدعوة بحاجة إلى مناخ آمن تتحرك فيه طولا وعرضا لمنفعة وخدمة بني الإنسان·

ولا يمكن للداعية أن يمارس نشاطه ودعوته في مكان غير آمن وهو يترقب الأخطار المحدقة به, لذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبان الفترة المكية يبحث عمن يؤمنه لإبلاغ دعوة ربه ويحميه من الأخطار المحدقة به من قريش, فكان يعرض نفسه على القبائل التي تأتي للحج في كل عام, وذهب للطائف للبحث عن مكان آمن للدعوة·

بل كان المؤمنون وهم قلة يجتمعون سرا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم بن أبي الأرقم خوفا من بطش وجبروت قريش, وعندما اشتد الأذى على المسلمين في مكة أمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى الحبشة، حيث يوجد الأمن على عقيدتهم وحياتهم من ملك لا يظلم عنده أحد وهو النجاشي فكانت الهجرة الأولى للحبشة ثم الثانية إلى أن أظهر الله الإسلام وأعزه فعادوا إلى بلادهم, ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما بايع الأنصار في بيعة العقبة الأولى والثانية لنصرة دعوته وحمايته كما يحمون نساءهم وأولادهم أوجد مناخا آمنا تتحرك فيه الدعوة كما وكيفا, فكانت الهجرة إلى المدينة النبوية، حيث يوجد هناك الأمن الذي يكفل للدعوة القوة والانتشار·

 

كما أن الدعوة بحاجة إلى مناخ آمن مطمئن كذلك الأمن بحاجة إلى دعوة صافية ناصعة تدخل قلوب البشر ليعودوا إلى خالقهم ويعبدوه ويكفوا عن كثير من المصائب والجرائم ويعملوا الصالحات فتنتشر الفضيلة وتكبت الرذيلة، فينشأ مجتمع صالح ينبذ الشر والفساد ويدعو إلى الخير والصلاح يسوده الإيمان والاطمئنان والمحبة والإخاء كما كان مجتمع الصحابة - رضي الله عنهم - تقام فيه العدالة ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقام الحدود بين العباد وينتصف فيه من الظالم للمظلوم, يقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن)·

 

ولذلك فإن المجتمع الذي يسوده الأمن والإيمان هو خير المجتمعات، بل إنه مصدر الإشعاع والنور للبشرية قاطبة كما قال - تعالى -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله (110)} [آل عمران] ·

لذا كان الأمن والدعوة متلازمين كل منهما مؤثر في الآخر فإذا وجد الأمن وجدت الدعوة وإذا وجدت الدعوة الصادقة تم الأمن والاستقرار والطمأنينة·

ومن أصدق الأمثلة على التلازم بين الأمن والدعوة هو حال جزيرة العرب عندما كانت قبل التوحيد في حالة فوضى وعدم استقرار وخوف شديد، حيث كانت القبائل تغير على بعضها وتسلب وتقتل، والقوي يأكل الضعيف، بل إن الحجيج الذاهبين لأداء هذا النسك معرضون للنهب والسلب من قبل بعض قطاع الطرق وكذلك كان الجهل والبدع منتشرة فلما توحدت البلاد تحت راية التوحيد وانتشرت الدعوة الصادقة على يد جلالة الملك عبد العزيز-رحمه الله- استتب الأمن وأقيمت الحدود على الخارجين على حدود الله وأمن المجتمع من العابثين وأطمأن الناس وزالت الجهالة والبدع واستقرت الحياة وبعث جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - الدعاة والوعاظ والمرشدين إلى كافة أرجاء البلاد لإمامة الناس وتعليمهم أمور دينهم, ورفع الجهل عنهم الذي هو سبب البلاء والخوف, وأمن الناس على أعراضهم وأموالهم وأبدانهم بعد أن كانت عرضة للسلب والتقتيل, فراجت التجارة وانتشر التعليم وقاموا بممارسة نشاطاتهم بكل حرية بعد أن كانوا يخافون من قطاع الطرق والقبائل المغيرة, وأصبحوا عباد الله إخوانا يتعاونون على البر والتقوى وبناء هذه البلاد الإسلامية الفتية التي تحكم شريعة الله - سبحانه وتعالى - وتقف في وجه الظالم والمعتدي على الحرمات لترده إلى الشريعة مصداقا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما), أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يديم علينا الأمن والإيمان والسلامة والإسلام وأن يحفظ لهذه البلاد الطيبة المباركة أمنها واستقرارها, وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير العباد والبلاد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم·

  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply