الخطابة الدعوية ومصافحة التطلعات العلمية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

التواصل بين البشر يأخذ أشكالاً متعددة وصوراً مختلفة يتم من خلالها التلاقح الفكري بهدف التأثير في الغير، وتأكيد أو تعديل أو تغيير قناعاتهم وتصوراتهم ورؤاهم، والخطابة شكل من أشكال التواصل الفكري وصورة من صوره، ومن المؤكَّد أن قوة تأثيره تخضع لما يملكه الخطيب من قدرات فطرية، وما يتحلى به من أدوات اكتسابية في هذا المضمار، وفي جانب آخر نجد أن الخطابة فعل إعلامي مؤثِّر بحكم أن التواصل فيه أقرب حميمية وتفاعلاًº لكون الخطيب المتمكن يستخدم عدداً من الأدوات الموثِّرة كنظرات العينين، ونبرات الصوت، وحركة اليدين، وتفاعلات الجسم، وبالتالي يصبح قادراً على شد انتباه المخاطب الذي لا يفصله عنه سوى بضعة أمتار فلا تحول بينه وبينه العوائق، ولذا فإن تقنيات الإعلام المختلفة من قنوات فضائية ومنتديات إنترنتية وتواصلات هاتفية برغم التقدم الهائل الذي شهدته في هذا العصر لم تستطع أن تلغي تأثير الفعل الخطابي أو حتى أن تخففه أو أن تشغل الناس عنه.

إن أهم خصيصة من خصائص الخطبة الناجحة هي قدرتها على مصافحة تطلعات المتلقين، وبالتالي الاستئثار بمتابعتهم وشغفهم للحلول التي يقدمها الخطيب بأسلوب مؤثِّر وقادر على الإقناع، وهذا هو الأهم في موضوع الخطبة برمته.

ويحسن هنا التأكيد على خطأ الزعم بجمود الطبع الإنساني والادعاء أن الناس لا يتغيرون، فهذه الدعوى قديمة قدم الإنسان ذاته، وقد تبين بالاستقراء والتتبع خطؤها الجسيم، إذ دلت الوقائع الصحيحة على أن هذا الجمود إنما يسكن مخيلة العاجزين عن التأثير، والخطب المنبرية التي يلقيها خطباء أكفاء متميزون مؤكّد جلي على خطأ وخطل هذا الزعمº لأنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الخطب تحدث تأثيراً قوياً في المخاطبين، وأن تأثير بعضها وصل إلى حد تغيير قناعات فكرية راسخة رسوخ الجبال الراسيات لدى بعض المتلقين، وليس غاية المتطلع إليه من هذه الخطب هداية كل الناس، فحمر النعم تحصل بهداية رجل واحد أو امرأة واحدة، وليس بعد ذلك من الفضل شيء!

إن مقصودي من هذا البيان هو التأكيد على أهمية الخطب المنبرية في هذا العصر الذي طغت فيه التقنيات على كل شيء، وأن الخطابة ذات تأثير بليغ إذا أحسن الخطيب استخدام أدواتها المؤثِّرة، وكان لديه من القدرات ما يسعفه لاستقطاب الآخرين واستيعابهم، ولا سيما في الميدان الدعوي الباحث دوماً عن التأثير الإيجابي في الآخرين بحكم سمو الهدف وإغراءات الجزاء الدنيوي والأخروي، كما أنها قادرة على الاستفادة من التقنيات لتوسيع دائرة انتشارها ونفعه.

بالتالي وجب تأهيل هذا الخطيب في هذا الميدان، إما بفعل ذاتي منه إذا كان ممن يحرص على استيفاء عوامل النجاح، أو بفعل من الجهة المعنية عنه إذا كان من ذوي الجروح الميتة التي لا يؤلمها الفشل أو التقصير، ولعل كثيراً من الفائدة ستعود على الجميع من الدورات المتخصصة عن ما يطلق عليها (هندسة الذات) و(قدرات تغيير الذات) ونحو ذلك من عناصر (البرمجة العصبية اللغوية) إذا كان القائمون بها من ذوي الصلاح والخبرة، بحيث يجمعون بين الفائدة والاحتراز من الشطط.

وفي دائرة أخرى من دوائر البحث عن النجاح نتطلع إلى الجهود الدعوية الجادة في هذا المجال، عن طريق الدراسات العلمية التأصيلية، والدورات التدريبية المتخصصة في محاضن علمية موثوقة، ويحق لنا حينئذ أن نتساءل: لماذا لا تأخذ الجمعية السعودية للدراسات الدعوية بزمام المبادرة في هذا المجال فتثري الميدان بوظيفتها العلمية؟

وبالله التوفيق.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply