الدعوة إلى الله بالمراسلة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من قصة أبي سفيان - رضي الله عنه - مع هرقل أحد عظماء الروم وكان يحكم بلاد الشام آنذاك:

قال، ثم دعا (يعني هرقل) بكتاب رسول الله الذي بعث به دحية إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه:

\" بسم الله الرحمن الرحيم، من محمدٍ, عبدِ الله ورسوله إلى هرقل، عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأرِّيسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: أن لا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأننا مسلمون. \" البخاري/مج1/ ص42-43

 

معاني المفردات:

سلام على من اتبع الهدى: قال ابن حجر - رحمه الله -: ليس المراد من هذا التحية، إنما معناه \" سلم من عذاب الله من أسلم \"

أما بعد: [أما]هنا مستأنفة لا للتفصيل حيث هو الأصل فيها، و[بعدُ] مبنية على الضم لأنه قطع عن الإضافة.

بدعاية الإسلام: بكسر الدال، من قولك دعا، يدعو دعاية. وعند مسلم [بدعوة] أي بالكلمة الداعية على الإسلام، وهي شهادة أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله.

و[الباء] بمعنى [إلى].

أَسلِم تَسلَم: قال ابن حجر، - رحمه الله -: \" غاية في البلاغ، وفيه نوع من البديع وهو الجناس الاشتقاقي\"

فإن توليت: أي أعرضت عن الإجابة إلى الدخول في الإسلام، وأصل التولي إنما يكون بالوجه ثم استعمل مجازا في الإعراض عن الشيء وهو استعارة تبعية.

الأَرِّيسِيِّين: واحده أريسي، وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل. قال ابن سيده: الأريس: الأكار أي الفلاح عند ثعلب وعند غيره. وكما جاء صريحا في رواية ابن اسحاق.

ويا أهل الكتاب: هكذا وقع بإثبات الواو في أوله، وعلى ثبوتها فهي داخلة على مقدر معطوف على قوله[أدعوك].

ودحية: هو ابن خليفة الكلبي، صحابي جليل، كان أحسن الناس وجها، أسلم قديما، بعثه النبي بعد أن رجع من الحديبية بكتابه إلى هرقل، ومات - رضي الله عنه - في خلافة معاوية.

 

شرح معنى الحديث:

في هذا الحديث المبارك يظهر لنا حرص النبي على تبليغ الدعوة إلى العالمين، فأرسل هذه الرسالة إلى عظيم الروم [هرقل] يدعوه فيها إلى الإسلام، وذلك في الفترة التي كان قد عقد الصلح بينه وبين قريش، أي سنة ست من هجرة النبي.

وفي هذا الكتاب المبارك فوائد عظيمة وحكم بالغة يمكن أن نتعرف على شيء منها ونستفيد في حياتنا وطريق دعوتنا:

1.بدأ النبي الرسالة بقوله \" بسم الله الرحمن الرحيم \" لنتأسى بهذا المبدأ العظيم وليكون نصب أعيننا دائما وأبدا الاستعانة بالله وحده وهو الرحمن بعباده الضعفاء المفتقرين لرحمته في كل حال ورحيم بالمفتقرين على رحمته من عصاة ومستضعفين.

2. وفي قوله \" من محمد عبد الله ورسوله \" شرف عظيم يعتز به النبي ويفتخر أن يكون عبدا لله ورسولا أرسله الله للعالمين.

 

3. \"إلى هرقل عظيم الروم\" أراد النبي أن يتألفه لمصلحة الإسلام، وهذا من حسن سياسة النبي مع غير المسلمين، ومن الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن.

 

4. وسلام النبي في الرسالة ليس مباشرا لهرقل، بل لمن اتبع الهدى و فإن اتبع الهدى صار مسلما واستحق السلام، وإن لم يتبع هدي النبي محمد، انصرف السلام لغيره من المهتدين.

 

5. \" أدعوك بدعاية الإسلام\" وهي الدعوة على دين الإسلام الحق الذي لا يقبل الله من أحد سواه ورأسها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

 

6. وفي قوله \" أسلِم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين \" تحذير وترغيب لهرقل: إن أسلمت سلمت من عذاب الله، وأعطاك الله أجرك مرتينº مرة على ما كنت عليه من تصديق وإيمان بنبيك ومرة على تصديقك وإيمانك ودخولك في الإسلام، وهو موافق لقوله - عز وجل - ((أولئك يؤتون أجرهم مرتين)).

 

7. وفي قوله \" فإن توليت فإنما عليك إثم الأرِّيسيِّن \" تحذير لهرقل بأنه إن أعرض عن هذه الدعوة فإنه سيتحمل إثمه وإثم رعيته الذين سيمنعهم بحكم رئاسته لهم وهم محكومون له ولا يستطيعون الخروج عن طاعته خوفا من بطشه، فسوف يبوء بإثمه وإثمهم.

 

8. وفي الختام دعاهم إلى كلمة الحق والعدل والإنصاف وهي أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله. قال بعض المفسرين: إن كلام النبي هذا كان قبل نزول الآية لأن الرسالة كما ذكرنا كانت في السنة السادسة من الهجرة ونزول الآية كان بمناسبة وفد نجران في السنة التاسعة، وإنما كان ذلك من باب مناسبات القول.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply