الهيئة فعلت وفعلت ...


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نسمع بين الفينة والأخرى هنا وهناك ونقرأ لفلان وفلان وهم قلة ـ ولله الحمد ـ في هذه البلاد الطاهرة المباركة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقيم حدود الله - عز وجل - أقول: نسمع ونقرأ للأسف أن بعض الناس يقول: الهيئة * فعلت وفعلت، ويسوقون في ذلك من القصص ما يعجب ويحار له عقل الحليم، ومن سخف ما يحكونه في ذلك ما هو أشبه للخيال وقصص الأطفال، والبعض يقول: الهيئة فعلت كذا وقامت بكذا، ويقصون في ذلك بعض الحكاوي التي حقيقةً استحي أن أقصّها على القراء الكرام احتراماً لعقولهم، وكما قيل: (إذا كان المتحدث مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً) وينسجون في ذلك روايات وحكاوي لا تصدر إلا عن: جاهل بما عليه ـ جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذلك الجهاز الطيب المبارك الذي يتميز بكفاءات علمية وخبرات ميدانية ـ أو تصدر عن: مُتحامل في قلبه هوىً . ومعلومٌ أنه لا يكره رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا جاهلٌ أو من هو على خلاف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتراه يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ـ عياذاً بالله - تعالى - وقد أعجبني تشبيه أحد طلبة العلم لمن يكره هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما قال: شأنه كشأن بغض مُتعاطي المخدرات لرجال المكافحة. فهل رأيتم مدمن مخدراتٍ, لا يكره رجال الشرطة أو رجال مكافحة المخدرات؟ أو هل رأيتم مخالفاً لأنظمة المرور يُحب رجال المرور؟ لا شك أنهم يكرهون تلك الجهات الأمنية التي تأخذ على أيديهم وتمنعهم من تلك المخالفات. فحب شعيرة الأمر بالمعروف وأهله والنهي عن المنكر من صفات وعلامات أهل الإيمان، قال - تعالى -: ((وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتِ بَعضُهُم أَولِيَآءُ بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ)) [التوبة: 71]. وأما بغض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هو من صفات المنافقين والمنحرفين، قال - تعالى -: ((المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مّن بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُم إِنّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ)) [التوبة: 67]، وقد جعل الله - تعالى -الخيرية في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك أن من أهم صفاتها توحيده - عز وجل - وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال - سبحانه -: ((كُنتُم خَيرَ أُمّةٍ, أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَلَو آمَنَ أَهلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيراً لّهُم مّنهُمُ المُؤمِنُونَ وَأَكثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ)) [آل عمران: 110]، وقال - سبحانه - آمراً وموجباً على عباده أن تكون منهم أُمة يقومون بهذا الواجب: ((وَلتَكُن مّنكُم أُمّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَـَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ)) [104 آل عمران]. وبمفهوم المخالفة يكون من خالف تلك الشروط والصفات واستبدلها بغيرها فأولئك هم الخاسرون. وهذا معلوم من الدين.

 

ولا أصعب شيء على نفوس المخالفين للفضيلة والعاكفين على غير ما يُحمد العكوف عليه، ليس أشد على نفوسهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ أنهم يجدون أنفسهم في حرج من هذه الشعيرة وبين مفترق طريقين، إما أن يأخذوا بأيديهم ويُلزموا أنفسهم بالانقياد إلى الحق وتبنيه والدعوة إليه، فلما وجدوا هذا صعباً على نفوسهم لم يجدوا بُداً من الطريق الآخر وهو: محاربة القائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورميهم بأبشع وأشنع ما يستطيعون، ولك أن تتساءل: أين العاقل الذي يسعى لإنقاذ نفسه من الهلاك في الدنيا والآخرة؟ أين هو عندما يقف أمام أمر الله - تعالى -يُحارب أوامر الله - تعالى- ليل نهار ويعادي شرعه وأولياءه ؟ لم يكتف هذا العاصي بارتكابه واقترافه للذنوب أو أن يكون تقصيره عن الواجبات واقترافه للسيئات على نفسه. بل وقف بالمرصاد لعباد الله المؤمنين القائمين بأمر الله يلمزهم في المجالس وينبزهم ويقذفهم بقلمه، ولنأت على مثالٍ, في كتاب الله - عز وجل -: إذا كان الذي يُرابي وضرره غير متعدٍ, على المجتمع كله، بل ضرره محصورٌ بينه وبين الآخر الذي يُقرضه قرضاً ربوياً، قال الله - تعالى -: ((يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنتُم مّؤمِنِينَ * فَإِن لّم تَفعَلُوا فَأذَنُوا بِحَربٍ, مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ... )) [البقرة: 278ـ279]، وهذه الجريمة (الربا) كبيرة من كبائر الذنوب ومعصية ثنائية بينه وبين آخر، إذا لم ينته عنها فإن الله توعّده بحربٍ, منه - عز وجل - إذاً فما بال من يُحارب القائمين بأمر الله ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ صباح مساء، وديدنه الطعن فيهم، والنيل منهم في كل وادٍ, وفي كل نادي. لا شك أن هذا مسكينٌ ومُعرضٌ ـ والعياذ بالله ـ للعقوبة في الدنيا والآخرة. وما حال هذا المريض وهيئة الأمر بالمعروف إلا كما قال الشاعر:

كناطـح صخـرةٍ, يومـاً ليوهنهـا * * * فلـم يَضُـرهـا وأوهى قرنه الوعـلُ

 

 فبالله عليكم قولوا لي: كيف يُجرم المجرم ويأخذ راحته في الجريمة لاسيما إن جاهر بها إذا كان هناك من يقوم عليه ويردعه من المؤمنين كأمثال رجال الحسبة؟ كيف يعتدي المُعتدي على حُرمات المؤمنين الآمنين ويتتبع عوراتهم في الطرقات إذا كان هناك ثُلّةٌ من المؤمنين تحول بينه وبين رغباته المنحرفة؟ لا شك أن هذا يؤذي أعداء الفضيلة، ويقولون بعد ذلك الهيئة فعلت وأخطأت وفعلت وفعلت ـ سبحان الله ـ وكأن الهيئة كلها شرٌ محض؟ أليسوا هم بشرٌ يصيبون ويخطئون؟ لا ندعي العصمة والكمال لهم كما لا ندعي العصمة والكمال لغيرهم من باقي الأجهزة في أي قطرٍ, من هذا العالم، تجد في كل مكان أخطاء فردية، فكلُّ إنسانٍ, منا معرضٌ للخطأ وكلٌّ إنسانٍ, منا مُعرضٌ للتقصير أو الزيادة أو النقصان، ولاسيما إذا كان هناك احتكاك مباشر بالجمهور، ولكن الأمر كما قال الشاعر:

وعين الرضـا عـن كل عيبٍ, كليلـة * * * كمـا أن عين السُخـط تبـدي المساويا

 

 ألم يخطئ أحد من العالمين إلا الهيئة ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟؟؟!

ولا أقول إن رجال الهيئات فوق النقد، والإصلاح، والتقويم، ولكن معلومٌ لكافة العقلاء الفرق بين النقد الذي يكون منطلقه الإصلاح بالصدق في القول، والقصد، وسلامة الوسيلة، وبين النقد الذي يكون هدفه الهدم عن طريق الكذب، والتلبيس، وسوء الوسيلة. فأي أحد يرضى نقداً مبنياً على الكذب وتقليب الحقائق؟؟؟. وأما النقد الهادف البناء بالضوابط الشرعية فهذا من أساس معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذ لا قداسة ولا فوقية لأحد كائناً من كان من نقد الآخرين والأمر والنهي إلا من عصمهم الله من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام .

ولكن إذا لم نستطع أن نكون آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر فلنكف ألسنتنا عن هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم وأمضوا أعمارهم وأفنوا حياتهم ليحموا أعراض المسلمين ويصونوا أمن بلادهم، فكم من عمليةٍ, لترويج المخدرات أحبطتها الهيئة بفضل الله - تعالى -؟ وكم من مًعَاصِرَ للخمور داهمتها وصادرتها الهيئة وأتلفتها؟ وكم من عِرضٍ, شريف أراد بعض الأراذل أن يُدنسه وأنقذه الله في آخر اللحظات على يد الهيئة؟ وكم من شابٍ, متخلف عن الصلاة متسكع في الشوارع أصبح مواظباً على الصلوات في الصف الأول بفضل الله - تعالى -ثم بنصح وتوجيه وإرشاد الهيئة؟ كم وكم فعلت الهيئة من الخير وفعلت وما زالت تفعل وستفعل بإذن الله - تعالى -، وأعمال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضائلها أعظم من أن تُحصر وتُذكر في هذه المقالة المختصرة، ومهما قلت أو قال غيري فلن نستطيع أن نوفيها حقها ولكن أجرهم عند الله وعلى الله ((فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُمُ الّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم)) [111 التوبة]، وبعد هذا يقولون الهيئة فعلت وفعلت، ألا فلنتقي الله يا عباد الله ولنعلم أننا غداً بين يديه موقوفون وعن أعمالنا مسؤولون ومحاسبون ومجزيون ((وَسَيَعلَم الّذِينَ ظَلَمُوَا أَيّ مُنقَلَبٍ, يَنقَلِبُونَ)) [227الشعراء]، ولنعلم أننا لن نضر الله شيئاً إنما إن أحسنا أحسنا لأنفسنا وإن أسأنا أسأنا لأنفسنا والله تعال غنيٌ عنا، ومعلوم ما تحظى به هذه البلاد المباركة من رعاية ولاة أمرها ـ حفظهم الله ـ لهذا الجهاز المبارك (جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فقد جعلوه ـ ثبت الله أجرهم وأذاقهم بركته في الدنيا والآخرة ـ نظاماً وجهازاً من أجهزة الدولة الرسمية وجعلوه ركناً قوياً شديداً من أهم أركان الدولة، وأنعم بها والله من دولة، وإن مما يجدر بالمؤمن أن يرفع به رأسه في هذه البلاد الطاهرة هو تحكيم شريعة الله وإقامة التوحيد والسنة ووجود مثل هذه الأجهزة المباركة والتي لا وجود ولا مثيل لها في الدنيا كلها، تميّزنا بها على دول الغرب والشرق والعرب والعجم، فميزة هذه البلاد حراسة العقيدة والثوابت، والفضيلة وحراسة الأعراض وحراسة المبادئ السمحة وحراسة القيم ومكارم الأخلاق ومحاربة الرذيلة وأهلها، هذه البلاد تحرص أن تحمي شعبها وأبناءها من كل سوء، فأنعم بها من دولة وشعب تفردوا بهذا الفضل، واجتمعت قلوبهم عليه. وصدق الله - تعالى -إذ يقول: ((قُل بِفَضلِ اللّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مّمّا يَجمَعُونَ)) [58 يونس]. وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرِزُ بين المسجدين كما تأرِزُ الحية إلى جحرها) رواه مسلم.

 

وفي الختام أرى أنه من الواجب توجيه رسالة إلى رجال الهيئات بأن يكون كل واحد منهم على مستوى المسئولية فلا يؤتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبله وذلك بالأخذ على أيدي بعض المتعجلين لمنسوبي الهيئة الذين يسيئون إلى سمعة جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تصرفاتهم الفردية المخالفة لما تقتضيه المصلحة الشرعية والفقه بالأوضاع الراهنة ومقتضى الظروف التي نمر بها حالياً بالإضافة إلى الهجمة الشرسة من أعداء الإسلام الذين يحاولون تشويه صورة الإسلام بذريعة أخطاء بعض أفراد المجتمع الإسلامي وهذا الواقع يحتم الحيطة واليقظة أكثر من أي وقت مضى حتى لا تُتخذ بعض التصرفات الفردية الخاطئة ذريعة للنيل من الإسلام وأهله خاصة الدعاة إلى الله ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ زادهم الله خيراً وكف الله عنهم بأس المغرضين ـ. ولا أجد شيئاً أحسن في معالجة الأخطاء الفردية التي تقع من بعض منسوبي الهيئة من الاحتساب عليهم والأخذ على أيديهم وذلك بتعليم من يحتاج التعليم منهم فلا أحد يستغني عن العلم إذ كلنا بحاجة للتعلم ((وَفَوقَ كُلّ ذِي عِلمٍ, عَلِيم)) [76 يوسف]، حتى لا تغرق سفينة النجاة.

 

والله أسأل أن يسدد ويعين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ويوفقهم، وأن يؤيد دولة الإسلام القائمة بهذه الشعيرة وأن يجعلها ممن تحقق فيها قوله - تعالى -: ((الّذِينَ إِن مّكّنّاهُم فِي الأرضِ أَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُا الزّكَـاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ)) [41 الحج] وأن يكفيها كيد الكائدين وحسد الحاسدين وأن يديمها رائدة وقدوة للمسلمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply