عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 4 - 6


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المظاهر الإيجابية هناك

وبعد هذه الملامح أحب أن أتحفكم ببعض المظاهر الايجابية الموجودة عند المسلمين هناك، وهذه المظاهر سأتحدث عنها في جمهورية واحدة هي التي زرناها، وهي جمهورية تتارستان، والتي عاصمتها قازان، وقبل أن اذكر هذه المظاهر الايجابية أحب أن أقدم بمقدمة، فأقول: إن هذه الجمهورية لا تكاد تختلف عن الجمهوريات الإسلامية الأخرىº وذلك بالنسبة لما ذكرناه سابقاً من محاولات المسخ والتغيير وأوضاع المسلمين هناك، وعندما نتكلم عنها إنما نعطي نموذجاً فقط لجمهورية إسلامية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وسف أتحدث عن هذه الجمهورية من خلال النقاط الآتية:

أولاً: عدد سكان هذه الجمهورية هو ثلاث ملايين ونصف تقريباً، ونسبة المسلمين فيها تصل إلى ستين بالمائة تقريباً. والبقية من النصارى الروس، ويوجد قلة من غيرهم، وسكانها من التتار وهم معروفون بأنهم جزء من الأمة التركية المعروفة، ويرجعون إلى أصولها.

ثانياً: هذه الجمهورية غنية بثرواتها الزراعية والنفطية وكثرة الأنهار فيها، ويوجد بها نهر يخترقها وهو من أعظم الأنهار في العالم يسمى نهر الفولجا، وهو نهر ضخم وعذب يعتبر من أجمل ما في تلك البلاد. وفيها أنهار كثيرة جداً تعد بالمئات.

ثالثاً: هي منطقة دخلها الإسلام قديماً، بل إن لها نشاطاً إسلامياً متميزاً في العصور الحديثة، قبل الحكم الشيوعي لما كانت روسيا القيصرية هي التي تحكم البلاد، حيث صدر قانون يسمى في ذلك الوقت قانون حرية التدين، وكان صدروه سنة 1323 هجرية الموافق 1905 ميلادية أي: قبل الحكم الشيوعي باثني عشر عاماً تقريباً. ولما صدر هذا القانون، دخل في الإسلام الألوف من الناس في هذه المنطقة – أي منطقة تتارستان، بل إن هناك أسراً دخلت في الإسلام بكاملها، وتحولت مدينة قازان العاصمة إلى عاصمة إسلامية كبرى. فأنشئت فيها جامعة إسلامية كان يدرس فيها في وقت من الأوقات أكثر من سبعة آلاف طالب، وكانت فيها مطبعة عربية مشهورة طبعت عدداً كبيراً من أمهات الكتب الإسلامية، ولا تزال طبعات مدينة قازان من أندر الطبعات في العالم. ورأينا في المكتبات هناك كتباً كثيرة جداً في العقدية والفقه...وغيرها.مطبوعة في المطبعة القازانية. وأنشئ في قازان مركز ضخم للدعوة الإسلامية، وكان لعلماء قازان جهود كبيرة في نشر الإسلام، ولكن كل هذه المظاهر الإيجابية التي مرت علينا، والتي جعلت من مدينة قازان عاصمة عريقة من عواصم المسلمين في بلاد المشرق، كل هذه الأمور قضى عليها قضاءً مبرماً حينما قام الحكم الشيوعي في سنة 1917ميلادية، وعاشت هذه البلد سبعين عاماً عملت فيه الشيوعية مسخاً وإفساداً، وإلغاء لهويته الإسلامية. وأصبح من أبرز ما يشاهده الإنسان من آثار الحكم الشيوعي: الجهل بالإسلام، جهلاً مطبقاً، حتى إن بعض المسلمين هناك يجهلون أن هذا النصراني كافر أم لا، ولقد سُئلنا أكثر من مرة: هل النصراني لا يدخل الجنة؟ انظروا كيف يبلغ الجهل بالإسلام هذا المبلغ.

رابعاً: أوضاع المساجد الباقية هناك، حيث الاستهانة بترك الصلاة:

 فإذا نظرت داخل المساجد وقت الصلاة، لا تجد مصلين وقت الصلاة. مع أن المسلمين بالهوية بالآلاف، ومع ذلك لا تجد من المصلين إلا عدداً قليلاً، فيصلي في صلاة الظهر عدد محدود، خمسة أو ستة أفراد أو عشرة أفراد، وفي صلاة الجمعة في المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مائة ألف، لا يكاد يصلى في المسجد أكثر من ألفين وربما أقل من ذلك، ثم إذا جاء يوم العيد صلى أضعاف هذا العدد فقط، أما ما عد ذلك من الصلوات مثل الصلوات الخمس، فلا يكادون يعرفون الصلوات، مثل الصلوات الخمس، أضف إلى هذا: انتشار شرب الخمور بين المسلمين والتفسخ عند النساء المسلمات.. كل هذا من آثار الشيوعية فكراً وتطبيقاً.

أما العلماء، فهم معدمون هناك حتى أنك إذا قابلت من يشار إليه منهم، وجدته يقول لك: ليس عندي من العلم شيء، ولا يعلم إلا مبادئ بسيطة، ويحفظ قليلاً من القرآن.

ومع هذه السلبيات التي ذكرتها قبل قليل، ومع هذا المسخ الكامل الذي تعرض له المسلمون في هذه الجمهورية إلا أن هناك ظواهر إيجابية اذكرها كما يلي:

أولاً: هناك إقبال شديد على الإسلام وحب للتعرف على عقيدته وأحكامه خاصة ممن يحملون الهوية الإسلامية.

ثانيا: حرص المسلمين هناك – وخاصة أئمة المساجد والموجهين منهم – على طلب العلم الشرعي بدءاً بقراءة القرآن، ثم تعلم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية، ومن مظاهر هذا الحرص: أننا قابلنا عددا من الطلاب لا يحفظون إلا الفاتحة ومع ذلك حرصوا حرصاً شديداً أثناء الدورة على حفظ القرآن، فبعضهم حفظ ثلاث سور أو أربع سور خلال الدورة فقط، وذلك من أواخر القرآن.

ثالثاً: من خلال التجول في القرى وفي غيرها كثيراً ما يشتكي أهلها من ظلم الشيوعية ويحدثوننا عن قصص دامية مؤلمة ومؤثرة. وقعت لهم ولآباهم في السابق، وكانوا يتقبلوننا بمحبة وفرح شديدين وكانوا يقولون لنا أحياناً: كيف تريدون أن نمحو سبعين عاماً من الجهل المطبق والحكم الشيوعي الغاشم بنصف ساعة أو بساعة تجلسونها معاً.

رابعا: من المشاهد المؤثرة أنه في مدينة اسمها أكتوبرسكي، وهذه المدينة تقع في تتارستان رأى الإخوة في إحدى المدارس الإسلامية هناك سكناً للطلاب، وسكناً للمدرسين، ورأوا بجوار سكن المدرسين غرفاً نظيفة مجهزة لم تسكن، ولما سألوا مدير المدرسة والمسؤولين عنها لماذا هذه المساكن لم تسكن؟ قال: إننا أخلينا هذه للمدرسين الذين سيأتون من بلاد العرب ليعلمونا اللغة العربية والدين الإسلامي، فقيل لهم: وما أدراكم بذلك. قالوا: إن إخواننا المسلمين هناك إذا علموا بحالنا واستطاعوا أن يصلوا إلينا فإنهم لن يقصروا وسيأتوننا، وسيكونون معنا ويعلموننا،

وهذا الشعور الذي يشعر به المسلمون هناك نوجهه لكل مسلم ونوجهه للدعاة ولطلبة العلم المكدسين في بلاد المسلمين. بينما المسلمون هناك يحتاجون إلى الواحد، وأعداؤنا من أهل البدع ينشطون هناك نشاطاً عجيباً!!!.

خامساً: من المظاهر الايجابية: الاهتمام بالعلم الشرعي، حيث نجد إقبال الطلاب على هذه الدورات، فهذه الدورة التي أقيمت في قازان اشترك فيها ما يقرب من مائة وخمسين طالباً، هؤلاء الطلاب جاءوا من هذه المدينة ومن غيرها، وبعضهم جاء من مسافة تبعد أكثر من ألف كيلوا متر ليدرس في هذه الدورة التي استمرت قرابة أسبوعين فقط.

وهذا يدل على حرصه على طلب العلم، ولقد كانوا حريصين على الكتاب الإسلامي، وحريصين على تعلم العقيدة، وحريصين على تلقى وكتابة كل ما يسمعونه. وهذا والحمد لله يبشر بالخير، ويدل على أن هؤلاء المسلمين مقبلون على دينهم. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتهم، وأن يبصرهم بدينهم، وأن يثبتنا وإياهم على الخير والهدى.

سادساً: ومن المظاهر الايجابية: بناء المساجد، فهناك جهود كبيرة جداً لبناء المساجد، وهذه المساجد غالباً ما يبنيها أصحاب تلك البلاد، فهي مشاريع نابعة من ذوات أنفسهم، والحمد لله أنك لا تكاد تجد قرية إلا وفيها مسجد قد بني الآن أو مسجد تحت البناء، ولا تكاد تجد قرية إسلامية إلا وأهلها حريصون على بناء المساجد، ويلاحظ أن أشد ما يواجهونه الآن بالنسبة لهذه المساجد هو نقص الدعم المادي اللازم لإكمالها، وذلك نظرا لانخفاض قيمة العملة وغلاء الأسعار.

سابعا: مررنا بعدد من المساجد بدأ المسلمون بناءها وما استطاعوا إكمالها، مررنا بمسجد في إحدى القرى وقالوا لنا انظروا إلى هذا المسجد نحن نحتاج إلى مليون من الروبلات – أي إلى ألف دولار – إن ساعدتمونا أكملنا بناء هذا المسجد، ومررنا على مدينة تسمى بوقرسلان، وهذه المدينة للمعلومية ليست داخلة تتارستان إنما هي مدينة تابعة لروسيا نفسها، لأننا كلنا على أطراف تتارستان من جهة روسيا، فسافرنا إلى هذا المدينة التي تبعد عن تتارستان أكثر من مائة كيلو، وهي تابعة لمدينة موسكو، مررنا بهذه المدينة فوجدنا رجلاً من التجار المسلمين بذل جميع ماله لبناء مسجد، وكان المسجد ضخماً، وقد ألحق به مدرسة لتعليم الإسلام لأولاد المسلمين هناك، ولكن هذا الرجل لم يستطع إتمام المسجد ولا المدرسة ولم يستطع أيضاً مسلمو هذه الناحية إكمالهما. أنفق هذا التاجر فيه أمواله وقال لنا المسلمون هنا \" إنه مر بهم عدد من المسلمين الزائرين ووعدوهم بالمساعدة. فهذه مسجد يشكو إلى الله سبحانه وتعالى ويجأر إليه غفلة المسلمين عنه في مقابل الكنائس التي تبنى هناك ويدفع لها النصارى الملايين. ويوقفون لها الأوقاف ويجرون عليها الدخول.

ثامناً: من المظاهر الإيجابية أيضا: بناء المدارس: وهذه ظاهرة ممتازة جداً، إلا أنها قليلة، وفي الغالب تكون هذه المدارس تابعة للمساجد، تجدها بجانبه ملاصقة له، أو عل بعد أمتار منه، ويكون في المدرسة سكن وصالات للطعام يقوم عليها إمام المسجد وأهل الخير، مع العلم أنهم لا يتلقون أي مساعدة من الجهات الرسمية هناك، وإنما يلتقون المساعدة من بعض المحسنين، وأحياناً يقوم الداعية منهم بنفسه بعمل التجارة حتى يعف نفسه وأولاده عن السؤال. وأحياناً تكون المدارس مستقلة وبعيدة عن المساجد، وهذه المدارس أيضاً قليلة جداً وتحتاج إلى تموين ضخم، وقد زار بعض أخواننا في الدورة مدرسة في إحدى المدن هناك، وكانت هذه المدرسة فيها من التهيئة للطلاب مما يلزمهم الشيء الكثير، بل إننا ونحن في الدورة ندرس الطلاب كنا إذا رأينا الطالب الممتاز نسأل من أين قدم، من أي الجمهوريات، ومن أي البلاد، فنجد أن أغلب الطلاب الممتازين جاءوا من تلك المدارس، وهذا يبين أهمية بناء المدارس في هذه البلاد وفي غيرها. فبناء المسجد أمر طيب ومهم جداً، ومثله بناء المدارس، والحاجة إلى كل منها ماسة جداً.

تاسعاً: ومن المظاهر الإيجابية: دور المسلمات الداعيات حيث إننا سمعنا عن امرأة مسلمة داعية صنعت ما لم يصنعه الرجال، ففي مدينة قازان سمعنا عن هذه المرأة الداعية، ولما سمعنا تفاصيل أخبارها وأحوالها احتقرنا أنفسنا. ظلت هذه المرأة خمسة عشر عامً تدعو إلى الله سراً، ولقد كانت تتنقل كل يوم إلى البيوت بصفة خاصة وسرية وتلتقي هناك بالنساء المسلمات تعلمهن القرآن الكريم، خمسة عشر عام من زمن الحكم تخرج للدعوة وتخرج أحياناً على قدميها، وضعت لنفسها جدولاً منظماًº اليوم في بيت فلانة، واليوم الآخر في بيت فلانة، واليوم الثالث والرابع.. وهكذا طوال هذه المدة!!!. ثم إنها ربت أسرتها وأولادها فرأينا من أسرتها عجباً، رأينا لها أبناء كلهم من كبار الدعاة في تتارستان أحدهم من كبار الدعاة في تتارستان، ثم إننا رأينا أزواجاً لبناتها الأربع من كبار الدعاة إلى الله مع ابنها، فأحد أزواج بناتها مقيم في إحدى الجمهوريات خارج تتارستان، وهو من الدعاة إلى الله. ومفتي تتارستان سابقاً هو زوج لأحد بناتها، وزوج ابنتها الثالثة يقيم في إحدى المدن وهو إمام لمسجد وهو من كبار الدعاة، وزوج ابنتها الرابعة مقيم في إحدى المدن، وهو من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وهي لا تزال إلى الآن تلقي دروسها لكنها تلقيها علناً، بعد أن كانت تلقيها سراً فتعجبنا وقلنا: سبحان الله! كيف تصنع هذه المراة؟ وكيف يمكن أن تصنع المرأة المسلمة في كل مكان وفي كل زمان؟!!!

عاشراً: ومن المظاهر الإيجابية: أن بعض المسلمين هناك أبقوا على الإسلام في المدارس والغرف السرية تحت الأرض، فإن المسلمين لما حكموا بالحكم الشيوعي، صار الواحد منهم يعلم أولاده سرا، ووضعوا مدارس خفية تحت الأرض ينزلون إليها في الأقبية يعلمون أولادهم فيها الإسلام، وهذه المدارس كانت موجودة في أيام الحكم الشيوعي وكان لها أثراً طيب والحمد لله.

حادي عشر: ومن المظاهر الإيجابية: في السنوات الأخيرة عدد من الطلاب من هناك وهم الآن يدرسون اللغة العربية والعلوم الشرعية في الجامعة الإسلامية، وفي جامعة الإمام، وقد أتى عدد لا بأس به منهم، ولا يزالون يأتون على قلة، وهذه بادرة طيبة نطلب من المسلمين ومن القائمين على هذه الجامعات أن يفتحوا المجال أكثر وأكثر لهؤلاء الطلاب المسلمين، فإنهم أحوج ما يكونون إلى الحضور إلى هناº ليتعلموا العقيدة الإسلامية السليمة، وليتعلموا العلوم الشرعية الإسلامية الأصلية، وحتى لا يتخطفهم أهل البدع من كل مكان.

ثاني عشر: زرنا الأكاديمية العلمية في مدينة قازان، أي ما فوق الجامعة، والتقينا بهؤلاء المسئولين عنها، وهنا دار حديث متشعب عن أحوال المسلمين في تتارستان وعن أملهم في المستقبل. وطرحنا عليهم فكرة أن ينشئوا أقساماً للدراسات الشرعية ولدراسة العقيدة الإسلامية، وحبوا بذلك، ولكن قالوا: إن أمامنا عقبة، وهذه العقبة تتمثل في أرمين، هما:

الأول: قالوا: ليس عندنا علماء وأساتذة في التخصصات الشرعية الإسلامية.

الثاني: في لغتنا التتارية، لا توجد الكتب التي يمكن من خلالها أن نتعلم وأن نعلم. وهذا الإشكال نطرحه على جامعات المسلمين، نقول: هم يردون خيراً ويردون فتح مجالات للبحث العلمي المتعمق بالإسلام، ولكن يحول دون ذلك أنه ليس هناك علماء متخصصون. فهل يقوم المسلمون بهذه المهمة؟

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply