أجمل الحياة أن تصنع بأيدي المتعبين


بسم الله الرحمن الرحيم 

عندما يخرج الإنسان من واقعه الصعب، ويحوّل طاقة الحزن بداخله إلى إنتاج وإبداع بدلاً من إبقائها لتكون معول هدم لنفسه ومَن حوله، وبدلاً من الاستسلام للأمر الواقع بمجتمعه إضافة إلى ما يجده الشخص في حياته من مشاكل، يسعى إلى إيجاد عوامل النهوض وصناعة حياة أفضل، ويجد المتعة في مساعدة الآخرين وترك أثر في محيطه بدلاً من العيش كماً زائداً لا فرق بين وجوده و غيابه، عندها فقط يحق للإنسان أن يكون إنساناً، وأن يشعر بالسعادة والمتعة الحقيقية خاصة مع إخلاص النية لله في كل خطوة من خطوات الحياة، واحتساب الأجر في الصبر على المصاعب والمعاناة.

 

هؤلاء هنّ مجموعة من صانعات الحياة رفضن السلبية وتحدين من حولهن من مثبطي الهمم، وجدن في أنفسهن الطاقة والقوة على تجميع أنفسهن واكتساب الخبرة من بعضهن ليبدأن خطوات فعالة في طريق الألف ميل.

سهى تخصص إدارة أعمال، هبة تخصص محاسبة وهنادي تخصص هندسة صناعية عرفن بعضهن بعضاً من خلال مراحل الدراسة المختلفة فارتبطت أفكارهن ومشاعرهن ليكوّنّ بذلك فريقاً متميزاً من الفتيات بعدما حركت الإيجابية فيهن تلك الحلقة بنفس العنوان في صُنّاع الحياة.

بدأت أولى أفكار الإيجابية لديهن بتصميم أسطوانة كمبيوتر تحوي عدداً من المواضيع المفيدة والمعلومات البسيطة ونسخها فيما بينهن ثم توزيعها، وتقول عن ذلك هنادي: \" في البداية كان عملنا عشوائياً ودون خبرة، فخرجت الاسطوانة بسيطة جداً، وكنّا نوزعها حتى اقترح علينا بعض الأقارب بيعها والاستفادة من ثمنها في مساعدة بعض المحتاجين، وبالفعل بدأنا في بيعها بثمن بسيط، ومن أراد زيادته كنوع من الدعم لنا زاده، وقد تأثّر عدد من الناس بنا، واشتروها بمبلغ وصل إلى مائة دولار أو دينار في بعض الأحيان، حتى تمكّنا في البداية من شراء عدد من الكراسي المتحركة، ووضعناها في خدمة الجرحى والمعاقين في المستشفى\".

ورغم معارضة بعض السلبيّين من الناس والتشكيك في مقدرة هؤلاء الفتيات على النجاح إلا أنهنّ تمكنّ في بداية مشروعهنّ الصغير من بيع (2000) اسطوانة بدلاً من (500) كما خطّطن من قبل، ولأن الإبداع يأتي عندما تفكر بطريقة غير ما يفكر به العاديون من الناس فقد طرأت لهن فكرة لإنجاز نشاط رغم قلة إمكاناتهن المادية فتقول هبة: \" أردنا فعل شيء لمحاربة التدخين لكن قلة الإمكانات كانت مشكلة فعمدنا إلى جمع الاسطوانات القديمة غير المستعملة، وألصقنا عليها شعارات للتنفير من التدخين والترغيب في تركه، ووزعناها مجاناً على الناس كنوع من الزينة التي تُعلّق في السيارات على سبيل المثال، وتكون بذلك دعاية متحركة\".

شيئاً فشيئاً بدأت الخبرات تتبلور، وتقسيم الأدوار والاختصاصات يتم اعتمادهº فهو بلا شك سبب رئيس في نجاح المشاريع سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وهذا ما تم اعتماده لديهن خاصة بعد ازدياد عدد الفتيات الملتحقات في أنشطة صُنّاع الحياة، فاختص أهل الصيدلة بمشروع حُماة المستقبل ومكافحة التدخين، ومشروع حُماة البيئة واستفادوا من خبرة سيدة أجرت دراسة بيئية، ولها دراية بهذا الموضوع منذ عشرين عاماً تقريباً، إضافة لعدد آخر من المشاريع التي تبدأ وتستمر أو تنتهي حسب احتياجات المجتمع والإمكانات المتوفرة لديهن، ففي رمضان مثلاً قُمن بمساعدة عدد من الأسر من خلال مبلغ تم جمعه من أنشطة سابقة، وكان لهنّ دور فعّال في تقديم إغاثة أهلية سريعة بعد اجتياح بيت حانون الأخير.

رغم النجاح الذي حققته الفتيات إلا أن الكثير من الصعوبات واجهتهنّ في طريقهنº فهن كفتيات يصعب عليهن التحرك كثيراً ويلزمهن التقيد بالوقت وعدم التأخر مما يجعل وقتهنّ ضيّقاً خاصة، وأن عدداً كبيراً منهن عاملات، بجانب الصعوبات الأخرى التي تفرضها قوات الاحتلال من حيث إغلاق الحواجز فلا يتمكّنّ من الاتصال المباشر لعدة أيام، وسوء الحالة المادية للكثير من الأسر قلل من حجم انتشار أنشطتهنّ خاصة بيع الاسطوانات، كما ألقى الوضع الحزبي لغالبية المجتمع الفلسطيني بظلال ثقيلة عليهنّº فكان من الصعوبة على العديد من الناس تصديق أنهنّ قمن بنشاطهنّ بشكل تطوعي مستقل بعيداً عن أي تنظيم خاصة في بداية ظهورهنّ، واستغراب بدئهنّ بمثل ذلك النشاط بمفردهنّ وهنّ فتيات.

ورغم أن بداية تحرك هؤلاء الفتيات رغبتهنّ في مساعدة المحتاجين من أبناء المجتمع والمتضررين بفعل الاحتلال، لكنهنّ لم يقتصرن على استغلال الإيجابيّة في أنفسهنّ فقط بل حاولن بثها في فئات المجتمع المختلفة حيث تقول هبة: \" كان من الممكن أن نجمع التبرعات أو المساعدات من الناس لمن يحتاجها لكن رأينا أن ذلك شيء سلبي من جهة المتبرعº لأنه رغم وجود الفطرة الخيرة لكنه لن يشعر بأهمية كبيرة له، لكن إن شعر أنه يستفيد من خلال تبرعه بشكل ملموس سيحرك ذلك عنصر الإيجابية لديه هو الآخر، وبذلك نفيد المتبرِّع والمتبرَّع له معاً\".

وجود الهدف هو المحرك الأساسي للإنسان، وما يجعل لحياته معنًى وطعماً ممتعاً رغم الألم والمصاعب، وبدونه مهما كانت الحياة مليئة بوسائل الترف والرفاهيةº فما ذلك إلا متاع مؤقت ما يلبث أن يلحقه الكدر والضيق طالما لم يستفد منه الإنسان في بناء الحياة التي خلقه الله - تعالى -لإعمارها والاستفادة منها في تعمير آخرته، هكذا كنّ هؤلاء الفتيات حيث تقول سهى: \" هدفنا الأول والأخير هو رضا الله تعالى- ثم إبعاد الملل عنا من كثرة وقت الفراغ والاستفادة منهº فالآن لم يعد لدى الكثيرات منا وقت للملل أو التفكير بأشياء ليست ذات قيمة\"، تؤكد هبة كلامها فتقول: \" قول لأحد الأئمة كان يقلقني دوما حين أفكر فيه، وهو أن الإسلام سيأتي يوم القيامة ويقول يا رب هذا نصرني، وهذا خذلني حتى يصل لسيدنا عمر -رضي الله عنه- ويقول الإسلام: يا رب كنت غريباً حتى جاء هذا الرجل ونصرني، فكنت أفكر: ماذا سيقول الإسلام عني يوم القيامة؟ وهل من المعقول أن أبقى على هامش الحياة دون إحداث تغيير أو ترك أثر في المجتمع؟ \"، وقالت هنادي: \" إن لم تضف شيئاً في الحياة كنت أنت زائداً عليها، ونحن لم نرد أن نعيش لأنفسنا نأكل ونشرب ونأتي بأولاد إلى الحياة ليعيشوا بلا هدف مثل الكثير من الناس، لكن أردنا أن نعيش لنا وللمجتمع من حولنا\".

وفي ذلك الإطار قدمت الفتيات نصيحة لجميع من يعشن في الحياة في باقي الدنيا بأن يكن فاعلات في مجتمعاتهن، ويضفن أشياء كثيرة بمقدورهن القيام بها بأبسط الإمكانيات، فعلى الأقل حسب تعبير إحداهن: \" ليس لديهنّ احتلال يصعّب حياتهن أو يزيد آلامهن\"، فيجب ألا ترضى الفتاة العربية بأن تنحصر اهتماماتها في الملابس والماكياج والموضة فقط، خاصة إن توفر لديها الوقت والجهد والمال اللازم لإنجاح مشاريع عديدة، فكيف ترضى للفراغ والملل أن يملأ حياتها؟ \"

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply