مقولات دعوية تحت المجهر


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

شاع في الساحة الدعويّة في العقود الأخيرة مقولات سلبيّة لم تحظ من أقلام ذوي الأفهام ما تستحقه من التحليل والتقويم، فاستساغ كثير من الدعاة تلك المقولات وألفوها، وردّدوها كلما تجدّدت مسبّباتها.

وليست المقولات مجرّد كلمات تُردّد، ولكن يترتب عليها مآلات نفسيّة شعوريّة، ومواقف دعويّة غير معلنة. وقد يترتب على بعضها آثار تعيق التطوير الدعويّ وتقدّمه نحو الأفضل.

ومن تلك المقولات السلبية مقولة: \"لم آمر بها ولم تسؤني\" للتعبير عن مشاعر الرضا والقبول والغبطة لأمر أو حدث وقع في مكان ما، ولم تحصل فيه مشاركة من أتباع المدرسة الدعوية !

وعادة ما يكون في هذا الحدث سلبية بشكل أو بآخر، وعادة لا يدخل تحت الأجندة الدعوية لأصحاب المقولة، لكنهم يرضونه ويقع منهم تأييد عاطفي وجداني لفاعله مع عدم إقرارهم له منهجاً وتأصيلاً!

وهنا أمور:

الأول: حصول نوع من انفصام الشخصية الدعوية مع الوعي بها وهو أمر غير مقبول عند التمحيص وإمعان الفكر والرأي ويترتب عليه ارتباك وصراع نفسي يتم تجاوزه وتحجيمه وإبعاده عن دائرة الشعور بعد صراع يطول أو يقصر حسب مستوى التفكير النقدي للشخص- وهو من الأمور التي تسبب الاكتئاب الدعوي المتقطع كلّما وردت على الذاكرة الدعوية موجباته أو تجدّدت صوره الذهنيّة.

الثاني: تدرّج السلبية في الموقف يأخذ أشكالاّ عدة، فمهما بلغت درجة عدم الموافقة على \"الحدث\" الذي حصل \"كأحداث سبتمبر\" وما تبعته من أحداث ومقايسات في طول العالم الإسلامي وعرضه مما أعلنت جهات معينة محسوبة على الدعوة الإسلامية وساحتها مسؤوليتها الكاملة عنه بما لا يقبل الشك، إلا أن السلبية هنا تكمن في عدم الإعلان عن موقف \"عدم الموافقة\" مهما قلّ والذي تعبّر عنه جزئية \"ولم تسوءني\" من المقولة المشؤومة.

وفي مقابل ذلك ينبري أناس آخرون تنقصهم التجربة والخبرة والرؤية الصحيحة للأحداث ولكن تدفعهم الغيرة على الحق وعلى \"سمعة الإسلام\" بكل ما يملكون من عواطف متأججة رافضة للحدث بالكتابة في الموضوع والحديث عنه فتأتي كتاباتهم العاطفية دون تحقيق المقصود الأعظم وهو \"تغيير المسار الفكري\" لكل من قد يتأثر بمذهب وفكر أصحاب الحدث، وعلى الأقل محاولة حفظ عقول الآف الشباب الآخرين عن الوقوع ضحية لهذا الفكر المنحرف.

 

ومن تلك المقولات: \"علينا بذل الأسباب وليس علينا النتائج، أو النتائج على الله\".

هذه المقولة لها معنى صحيح من حيث عموم الأقدار في هذا الكون. إلا أن لها معنى آخر غير صحيح هو المقصود بالنقد والتقويم في هذا المقالº إذ أصبحت المقولة بشكلها السلبي احتجاجاً بالقدر على ضعف أو فشل الداعية أو المدرسة الدعويّة في أمر ما.

وقد أدّت بعد انتشارها وقبولها من عدد كبير من الدعاة دون تبصر أو تدبر إلى الإهمال التام لأمور عظيمة منها:

أ) - عدم العناية بسلامة وجودة وملائمة الوسائل المبذولة في العمل الدعوي.

ب) - عدم عناية الداعية بمآلات الأفعال والأقوال أو عدم تقديرها ابتداء.

ج) - إهمال توافق الأسباب المبذولة مع السنن الإلهية في الأنفس والآفاق وفي الكون والمجتمعات.

د) غياب أو ضعف مقام المحاسبة والمراقبة فيما يفعل الداعية أو يدع.

هذان مثالان لمقولات دعويّة سلبيّة أسأل الله أن يوفق الدعاة إلى التنبّه إلى آثارها ومآلاتها، وأن ييسر لهم إقصاءها عن قاموسهم الدعويّ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply