المسنون وبيت الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

عندما يذكر المسجد يتبادر إلى الذهن الراحة النفسية والطمأنينة القلبية، فالمسجد منذ عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما زال مكانًا لتجمع المسلمين صبيانهم وشيوخهم، نسائهم، واليوم تشهد مساجدنا روعة تجمع الأحباء الكبار فيها، ينهلون من علوم القرآن، يحفظون، ويرتلون، ويبدأون من جديد حياة مسجدية جميلة، تقتل فراغ الشيخوخة، وتصنع لهم عالمًا رائعًا من الحب في الله والصحبة فيه.

فبين كبارنا الأعزاء والمسجد علاقة تواصل متميزة يتناولها هذا التحقيق.

 

المسجد والراحة النفسية:

يقول الحاج محمد عوض الله حماد إسماعيل \"77 عامًا على المعاش: قبل إحالتي على المعاش لم أكن أتمكن من أن أصلى الخمس صلوات في المسجد، بينما بعد خروجي على المعاش صرت مواظبًا على الصلاة في المسجد، كما نقوم بتوعية الشباب المسلم بأمور دينه، وفى أحيان كثيرة أجد شبابًا على وعى كبير، فلا أخجل من أن أسألهم عما لا أعرف من أمور ديني.

 

الحاج محمد حسين - 67 سنة: أحضر إلى المسجد منذ كان عمري 40 سنة، والحمد لله أؤدي الصلاة فيه دائمًا، وأعلم أولادي أن يترددوا على المسجد، ويلتزموا بالصلاة في المسجد لما في ذلك من صلاح الدنيا والآخرة.

 

الحاج أحمد على - 70 سنة: بعد المعاش بدأت أحضر إلى المسجد وأتعلم من أمور الدين الكثير، ونجتمع في كل يوم في جلسة قرآنية جماعية نتعلم فيها أصول القراءة الصحيحة، كما قال الله - تعالى -: {ورتل القرآن ترتيلا}.

 

الحاج رجب عبد اللطيف - على المعاش: مواظبتي على الصلاة في المسجد، وحضور مجالس حفظ القرآن الكريم بعد خروجي على المعاش تشعرني بالراحة النفسية، وتزيل عن روحي كل متاعب وهموم الدنيا.

 

استفادة روحية:

الحاج عادل محمد يماني - على المعاش: لست مواظبًا على المسجد حتى بعد خروجي على المعاش، وأكتفي بالمواظبة على صلاة الجمعة ورمضان في المسجد، أما بالنسبة لدروس العلم فلديّ كتبي، فاستفادتي من المسجد استفادة روحية فقطº لأن أئمة المساجد لا يخاطبون احتياجاتي، وإنما يخاطبون الشباب أكثر مما يخاطبوننا.

 

استثمار مربح:

- الحاج عبد الستار محمد حسن - على المعاش: بعد خروجي على المعاش أصبح نشاطي في عمل الخير مع بعض الأصدقاء من خلال لجنة الزكاة بالمسجد، فنحن نستثمر أوقاتنا في استثمار مربح بدلاً من تضييعها في الجلوس على المقاهي.

- الحاج الشحات عوض إبراهيم - على المعاش: أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة، ومن خلال المسجد تعرفت على الصحبة الطيبة، وأصبحنا نتعلم دروس الفقه، وعلوم الدين، ونتعاون على فعل الخيرات.

 

الملائكة تحفنا:

أما النساء المسنات، فالمسجد بالنسبة لهن بيت تفريج الهمّ، كما تؤكد السيدة كاميليا محمد - 58 عامًا التي تقول: أصبح الوقت بين المغرب والعشاء أيام السبت والإثنين والخميس وقت عيد بالنسبة لي، ولجميع جاراتي وحبيباتي اللاتي تعرفت عليهن في المسجد، وتعلمنا على أرضه الطاهرة كيف نحب بعضنا البعض في الله، وكيف نكون صدورًا واسعة وحنونة فتصَّبر بعضنا على همومهن ونتواصى بالتحمل، وندعو بظهر الغيب لأحبائنا وأبنائنا، والتي تحفظ منا دعاءً تعلمه للأخريات وكل من سمعت شيئًا أعجبها تقوله لنا جميعًا.

 

إنها جلسة ربانية جميلة ننسى فيها همومنا، ونقتل الفراغ، ونتحمل جفاء الأبناء، وتجاهل الأحباء، ونتبادل النصح والخبرات، ونخرج منها ونفوسنا صافية مغسولة، فقد كانت الملائكة تحفنا وتستغفر لنا كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل يستحق أي شيء في الدنيا أن نضحي من أجله بهذه الفرصة الرائعة؟

وتتذكر السيدة عايدة سيدة 66 عامًا أيامها مع المسجد قبل أن تزداد عليها آلام الركبة والساق، وتضطرها إلى المكوث في البيت، وعدم صعود السلم أو هبوطه، فتقول إنها كانت أجمل أيامها التي بارك الله فيها فاتسعت لأن تحفظ أثناءها أجزاء كثيرة من القرآن، وتتقن أحكام التجويد التي كانت تقرأ بها سماعيًا، ولكنها لا تعرفها حكمًا حكمًا، وتضيف السيدة عايدة: لقد شملتنا جميعًا بركات المسجد والصحبة الطيبة، فكم كانت أكثر من واحدة منا تعانى من مشاكل، وتسألنا أن ندعو لها بظهر الغيب، ونفعل فتأتى بعد وقت قصير منشرحة الصدر لتقول لنا إن الله فرج كربها، وبعد أن حالت ظروفي الصحية دون الانتظام في ارتياد المسجد مازلت محافظة على صلتي بأخواتي عبر الهاتف، ومازلت أحفظ في بيتي ما يحفظنه في المسجد، ولله الحمد.

 

دور المسجد:

وحول ما يجب أن يكون عليه إمام المسجد أو الداعية الذي يتعامل مع المسنين يتفق الشيخ طارق عبد التواب المفتش بوزارة الأوقاف، والشيخ محمد عبد العزيز الشريف إمام مسجد على أن على الإمام أن يحسن التعامل مع المأموم، خاصة مع هذه الفئة العمرية، وألا يستخف بهم، وإنما يعاملهم باللين والرأفة، وأن يصبر عليهم باعتبارهم طلبة علم مع المحافظة على هيبة الإمام في نفوس المأمومين، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \"ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه\".

 

ويرى فضيلة الشيخ محمود أبو سريع - مدير إدارة شئون القرآن بمديرية أوقاف الجيزة: أنه عند مجالسة كبار السن يجب أن يتحلى الداعية والإمام بسعة الصدر، إذا بدر من أحدهم ما يضايقه، كما يجب عليه ترتيب وإعداد ما يلقيه عليهم حسب أهميته لهم، وعلى قدر ما يفهمونه، فقد روى البخاري عن الإمام على - رضي الله عنه - أنه قال: \"حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ \".

 

تربية روحية وسلوكية:

وحول أهمية المسجد في حياة كبار السن، وكيف يمكنهم استغلال هذه الفرصة يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدي إمام أهل السنة والرئيس العام للجمعيات الشرعية، والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: إذا كان هؤلاء المسنون قد انتهوا من أعمالهم الوظيفية، فلديهم مجالات ضخمة لخدمة المجتمع ونفعه مثل: الجمعيات الخيرية، ومجالات كفالة اليتيم، ورعاية الفئات غير القادرة، ومحو الأمية، وعلى الخطيب أن يحثهم على تحرى حسن الخاتمة.

وينبغي على الداعية أن يبين لهم أهمية ما عليهم، ولا حجة لهم أمام الله في أن يتركوا العمل لدينهم ولأولادهم ولجيرانهم ولأمتهم كلها بدعوى أنهم أحيلوا إلى التقاعدº إذ عليهم أن يستغلوا هذه الفرصة في اكتساب الثواب ونقل الخبرات إلى شباب الأمة.

ونحن نضم صوتنا إلى صوت شيخنا د. محمد مختار المهدي، وندعو آباءنا وأمهاتنا إلى بيوت الله حيث راحة القلب، وصفاء النفس، وقتل الفراغ، والأهم تثقيل موازين الحسنات.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply