لا تلوموني في حبها ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا تلوموني فإني أحبها.. أعشقها.. لم أكن أعرف ولم أعرف أنسابها، فلما تقصيت أجدادها وأربابها زاد تعلق فؤادي بها.. فهي حلوة حسناء.. جميلة فاتنة.. لأول مرة أخذت بعقلي وأودته إلى غياهيب سجونها.. أسرته ووثقت قيودي.. فهي متكاملة في أوصافها يحدوني قول الشاعر فيها :

خـزاعية الأطراف مرية الحشا *** فزارية العينين طائية الفـم

ومكيـة في الطيب والعطر دائما *** تبدت لنا بين الحطيم وزمزم

تعلم لو طلبت عيناي لقدمتهما لها على طبق من ذهب.. انسقت إليها كانسياق ابن الملوح لليلى.. فهي حقيقة ليلاي..

يلومونني في حب ليلى كأنما *** يرون الهوى شيئاً تيممته عمداً

ألا إنما الحب الذي صدع الحشا *** قضاء من الرحمن يبلو به العبدا

أرمقها كل صبح ومساء.. ألمحها مع بزوغ كل شمس وضياء كل قمر.. أنام على ذكرها، واستيقظ وفؤادي قد أسكنها الشغاف.. فهي في سويداء القلب.. بل وإنها تجري مع كل قطرة دم.. أعلم أن قد فُتن بها الكثير.. فالمتعلقون بطريقها أعداد مهولة.. فمفاتنها جذابة.. ووعودها عظيمة.. أصبحتُ أسير الذهن والأفكار لها.. فيا من تملّكتي الجنان إني أحبكِ وأهواكِ.. يا من قد اكتوي فؤادي بعشقك.. يا من قد أوقعتني في شباكك.. فأنت أبلغ مما أصفك به.. آهٍ, يا غنوتي.. أنظم فيك أبياتاً، وأنثر فيك عبارات قد صدقني فيها فؤادي..

 

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم *** العشق أعظم ممـا بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه *** وإنما يصرع المجنون في الحين

روحي تحلق عالياً عندما تبحر تمعناً فيكِ.. فأنا أموت فداها.. وأسكب دمائي لها..

 

إذا كنت تهوى من تحب ولم تكن *** ذليلاً له فاقرأ السلام على الوصل

تذلل لمـن تهوى لتكسب عـزة *** فكم عـزة قد نالها الـمرء بالذل

 

مشاعري قد فاضت من ينبوع المحبة الذي امتلأ بالصفاء الذي لم يكدر صفوه أي مُكدِّر.. من قذف حبيبتي بأي تهمة أو تهجّم عليها بأي هجمة كانت له العاقبة الوخيمة التي ملؤها النار القذافة بالشرر.. فأنا الشظايا المحرقة على طريق من فكّر أو حاول النيل من معشوقتي، ولو كان ذلك في سبيل فنائي.. سهامي مسمومة.. وناري محمومة.. وعواطفي معدومة.. مع كل مخطئ.. فأنا من الضواري المفترسة.. إن شئت فقل ليثاً هائجاً.. وإن شئت فقل ذئباً متيقظاً.. وإن شئت فقل صقراً مفترساً.. وإن شئت فقل فارساً غيوراً.. وإن خلتني إعصاراً مفنياً في سبيلها فلن تبالغ.. وإن حسبتني بركاناً يقذف من فوهاته كل متجرئ فلن تتجاوز.. فلا تفكر أن تنقدها أو تجرحها.. ولا تحاول أن تنشب نفسك في حروب ضارية ستجر فيها أذيال الهزيمة..

 

كل ذلك لأنني أحببتها ورسمتها في كل شيء أراه وربطت صورتها بكل ما أشاهده فحينما أقرأ في سير المصطفي تتبدي لي صورتها الحقيقية.. وهيئتها الأصلية.. وملامحها الطبيعية.. وفروعها الجذرية.. فمنبعها استقيه من سيرة الحبيب عليه صلوات ربي.. وصور حبها والتعلّق بها تتجلى لي في تاريخ الخلافة الراشدة والقرون المفضلة بل وكل من تبع نهجهم الصحيح.. فأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عشقها قبلي وافني عمره لها.. وهذا عمر بن الخطاب قد اتخذ لها سياسة حازمة.. وكذلك الصحابة كل قد تفاني لها بما يملك.. ومن قبلهم الأنبياء الذين كانت هي همهم...

 

فمن لي بذنب لبٍّ, يدرك الأهداف التي رسمها رسول الهدي، فهو أول مخططٍ, لها.. فمن لم يحب صاحبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به فليراجع إيمانه.. ودونك قصة الفاروق مع النبي في الحب فتضلّعها وافهم معانيها..

 

إن منهج رسول الله في حياته هو الدعوة لهذا الدين بكل الأساليب الممكنة المناسبة للبيئات والشخصيات والأزمنة.. كان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - هو رجل الدعوة الأول لهذه الأمة وهو قائدنا في هذا النهج..فقد خرج من الطائف ولم يشعر بنفسه إلا وهو بقرن الثعالب..فما سبب هذا السرحان؟.. إنه حمل هم هذا الدين والدعوة له.. فهلاّ حملنا هذا الهم.. وعشقنا هذا الدعوة وأحببناها لأن أصولها نابعة من مناهج ربانية أصيلة.. فمتي حصلت المحبة لشيء قدم من أجله الغالي والرخيص.. فلا تلوموني في حبها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply