الإحسان سبب لصيانة الإنسان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: مازالت الدروس من سورة يوسف مستمرة، ولعل من أبرز الدروس التي يقدمها يوسف - عليه السلام - درس في الأخلاق والعفة.

إن ما حدث ليوسف - عليه السلام - مع امرأة العزيز لم يكن باختياره. لم يأت هو إليها، لم يطرق الباب عليها، والذي يتابع القصة يدرك هذه الحقيقة.

ولما وقعت الفتنة ووقع البلاء حصن نفسه، وقال: إني أخاف الله. وهذا موقف، نحتاج إلى أن نربي أنفسنا عليه، لا بتكرار العبارة: إني أخاف الله، ولكن بترجمتها إلى واقعي عملي يصدق قائلها كما فعل يوسف - عليه السلام -، ولن يتحقق هذا إلا بتحقيق ما ورد في الحديث الصحيح: \"يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك\". يوسف - عليه السلام - حفظ الله ف- حفظه الله - \"كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السٌّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ\" (يوسف: من الآية24). وفي قراءة المخلِصين بخفض اللام، فصرف عنه الله السوء والفحشاءº لأنه كان مخلصاً وصادقاً ومحسناً، وبذلك حماه الله - جل وعلا -.

 

والذي يتأمل سورة يوسف - عليه السلام - يجد أنه كان محسناً، بل الإحسان صفة مطردة له، صفة لازمة، فأين الإحسان في هذه القضية؟

انظروا إلى أثر الإحسان. انظروا إلى حسن معاملة الخدم وغيرهم ومن يعمل تحت إمرتك، إذا أحسنت إليه سيحفظ ودك، هذا هو الأصل ودعونا ممن شذّ، فالشاذ لا حكم له

 

لقد أحسن إلى نفسه، وأحسن إلى امرأة العزيز، وأحسن إلى العزيز فجمع الإحسان من أطرافه.

أحسن إلى نفسه عندما لم يقع في هذا البلاء، وقد وجدنا أن بعضهم حتى بعد أن من الله عليه بالتوبة، يعاني من مرارة هذا البلاء الذي قارفه. أما يوسف - عليه السلام - فصفحته بيضاء ونفسه راضية.

 

كما أنه أحسن إلى امرأة العزيز إذ لم يستجب لها، وهذا إحسان عظيمº لأنها في قوة الشهوة لم تفكر بمآلات الأمور.

وكذلك إحسان إلى العزيز إحسان ظاهر فقد حفظ له عرضه.

 

قول يوسف - عليه السلام -: \"معاذ الله\"، كلمة تدل على قضية إيمانية قامة بالنفس فدفعته لقولها، وهي معنى الإحسان في حديث جبريل. لما سأل عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. يوسف - عليه السلام - بلغ قمة الإحسان في المعنى الإيماني، بالإضافة إلى المعاني الأخرى للإحسان، فلجأ إلى الله ولم ينسه في تلك اللحظة، بل كان معتصماً به فقال: معاذ الله، وهذا هو الإحسان. أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

 

قوله: \"إِنَّهُ رَبِّي أَحسَنَ مَثوَايَ\" (يوسف: من الآية23). اختلف المفسرون في مراد يوسف - عليه السلام -º فهل الضمير يعود إلى الله - جل وعلا -، أم يعود إلى سيده؟ وهما قولان مشهوران.

 ولكن الذي ترجح لدي أنه هنا يقصد سيدهº لأن سيده قال لامرأته: \"وَقَالَ الَّذِي اشتَرَاهُ مِن مِصرَ لِامرَأَتِهِ أَكرِمِي مَثوَاهُ\" (يوسف: من الآية21)، وهنا أعاد الصيغة، إنه ربي أي سيدي، أحسن مثواي فلا يليق بي أن أخونه في أهله، لا يمكن أن يحسن إلي، فيعاملني معاملة السيد لا معاملة العبيد والخدم، فأسيء إليه بهذا الظلم العظيم \"إنه لا يفلح الظالمون\" وما دعت إليه ولاشك ظلم عظيم، فالوقوع في الفاحشة ظلم للنفس، وظلم للأهل، وانتهاك لحرمات الله - جل وعلا -، وحرم من أكرمه ففيه تجتمع أطراف الظلم، كما اجتمعت أطراف الإحسان في العفة.

وهذا التفسير لا يتنافى مع من قال: إن المراد في قوله: \"إِنَّهُ رَبِّي أَحسَنَ مَثوَايَ\" (يوسف: من الآية23) الله - جل وعلا -، فنعم هو ربه - سبحانه وتعالى -، وهو الذي أحسن مثواه، حيث سخر قلب العزيز لإكرامه، ولقول هذه الكلمة، فلا شك أنه فضل الله من قبل ومن بعد، ولكنه يتنافى مع من أخرج بذلك عزيز مصر من مراده يوسف - عليه السلام -.

يوسف - عليه السلام - لم يضيع هذا الوفاء وهذا التوجيه. كثير من المشكلات التي تقع في البيوت حتى تصل أحياناً إلى قتل رب المنزل، أو أحد أولاده، أو أحد عائلته، كما نقرأ في الصحف، وما يصدر من المحاكم تجد أن سببه إساءة المعاملة لهذا المستضعف.

 

أما عزيز مصر، فأول قرار اتخذه قال فيه لامرأته: أكرمي مثواه، فأكرمته هذا الإكرام بناء على أمر سيدها، فحفظ الود وحفظ هذه المنزلة - عليه السلام -، وأيم الله مهما قدم العزيز من إحسان إلى يوسف، ومن إكرام لمثواه، فلا يعادل هذا الموقف الذي وقفه يوسف من حفظه لعرض العزيز وصيانته لأهله.

 

إنه موقف يدعونا إلى أن نحفظ حق من علمنا، أن نحفظ حق من ربانا، نحفظ حق الوالدين، نحفظ حق الأساتذة، نحفظ حق العلماء، نحفظ حق الموجهين.

وكم مر بك في حياتك إنسان أحسن إليك؟ فهل فعلاً حفظت له الود؟ كما حفظه يوسف - عليه السلام - أم أنك نفعي تأخذ ولا تعطي؟

 

تأمل كم من الناس له فضل عليك ممن عاصرت فضلاً عمن سبقك، وأعظم فضل هو فضل الله - جل وعلا - ثم تأمل في حياتك ما مقدار برك لوالديك؟ ما مقدار صلتك لأساتذتك ومن أحسن إليك في أمر دين أو دنيا؟

إن يوسف - عليه السلام -، يرسم لنا منهجا في التعامل وفي الوفاء وفي الخلق وفي الكرم.

 

فأقول: إن علينا أن نحسن التعامل مع من معنا، ومع تلاميذنا، وأبنائنا وخدمنا وأجرائنا، وعلينا أيضاً أن نحسن التعامل والوفاء مع من أحسن إلينا في القديم والحديث، في الحاضر والغائب.

نسأل الله أن يحسن إلى من أحسن إلينا، وأن يقينا شرور النفس وسيئات العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply