نهاية الفراعنة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نستطيعُ أن نقرأ بدايةَ نهايةِ \"فرعون موسى\"في سورة يونس، ولو تأملنا فيها لوجدنا أنها تشكِّل قوانين اجتماعية سنَّها الله - سبحانه - فهي نموذج وكُلَّما تكررت مفرداتُ تلك المعادلة تكررت نتيجتُها نفسُها.

وقَبلَ أنَ نَدخل إلى تلك القوانينِ والسُننِ الربّانية فَلنتوقف مع أهمِّ بنود البَرنامَج السِّيَاسَيّ لفرعَون الذي طَرَحه وأهمِّ مبادئه وأيديولوجياته:

1. الاستبدادُ والطغيانُ ((مؤسسة الرجل الواحد)): ((مَا أُرِيكُم إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهدِيكُم إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ)) [غافر: 29].

2. النفاقُ السياسي: ((قال للمَلأ حوله إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون)) [الأعراف: 34، 356].

3. الطائفيةُ السياسيةُ والوظيفيةُ: ((إِنَّ فِرعَونَ عَلا فِي الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعًا يَستَضعِفُ طَائِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفسِدِينَ)) [القصص: 4].

4. احتكارُ الشرعيةِ وممارسةُ التشريعِ بهوى النفوس دون الاستنادِ إلى الدستورِ الربّاني: ((وَقَالَ فِرعَونُ يا أيها المَلأُ مَا عَلِمتُ لَكُم مِن إِلَهٍ, غَيرِي)) [القصص: 38].

5. تجهيلُ الشعوبِ واستخفافُ عقولِهم: ((... قَالَ يا قوم أَلَيسَ لِي مُلكُ مِصرَ... ~ فَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُم كَانُوا قَومًا فَاسِقِينَ)) [الزخرف: 54-51].

6. الحكمُ العسكريّ: فهو ((فِرعَونُ ذُو الأَوتَادِ)) [ص: 12].

7. الكفرُ باللهِ وعدمُ شكرِ نِعَمِه: ((كَدَأبِ ءَالِ فِرعَونَ وَالَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِم...))[الأنفال: 52].

بعد هذه الجَولة في \"البرنامج السياسي لفرعون\" لو رجعنا إلى الكلام على بداية نهايته لَعرفنا أنها كانت من يوم بدايته وانطلاقته في الكفر والظلم والطغيان. وإليك قصة نهاية فرعون في سورة يونس:

ـ ((ثُمَّ بَعَثنَا مِن بَعدِهِم مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرعَونَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاستَكبَرُوا وَكَانُوا قَومًا مُجرِمِينَ ~ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الحَقٌّ مِن عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحرٌ مُبِينٌ)) ولم يستسلم سيدنا موسى للإشاعة على رسالته، بل واجهها مباشرة وبقوة.

ـ وعندها تَحَوَّل فرعونُ ومَلَؤُه عن نقطةِ الحوار والموضوعيةِ فيه إلى استفزازِ العصبية والموروثات، وحاولوا التشكيك بالنوايا بَدَلَ مناقشةِ الطروحات: ((قَالُوا أَجِئتَنَا لِتَلفِتَنَا عَمَّا وَجَدنَا عَلَيهِ ءَابَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبرِيَاءُ فِي الأَرضِ وَمَا نَحنُ لَكُمَا بِمُؤمِنِينَ)).

ـ ((وَقَالَ فِرعَونُ ائتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ, عَلِيمٍ, ~ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُوسَى أَلقُوا مَا أَنتُم مُلقُونَ ~ فَلَمَّا أَلقَوا قَالَ مُوسَى مَا جِئتُم بِهِ السِّحرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصلِحُ عَمَلَ المُفسِدِينَ ~ وَيُحِقٌّ اللَّهُ الحَقَّ بكَلِمَاتِهِ وَلَو كَرِهَ المُجرِمُونَ)). نموذج من غرور القوة: تَحَدّى اللهَ والرسولَ والمعجزةَ: بالسحر! وجَمَع الناسَ على أعظمِ وسيلة إعلامية يومَها في بثٍّ, مباشرٍ, غيرِ قابلٍ, للدَّبلَجَة أو التَّعتِيم، وتَوَلَّى هو الدعاية \"لِحَلقة المُناظرة\" وإلزام \"الشَّعب\" بحضور هزيمته. فاستغلَّ سيدُنا موسى ذلك الحشدَ بإظهارِ المعجزة وعقيدته، وثقته بربّه، وتعريف مصطلح \"السِّحر\" و\"المُفسِد\" و\"المُجرِم\".

ـ وبذلك آمَنَ السحرة و امرأة فرعون وعددٌ يسير مِن ((الأقباط)) رغم المخاطر المتوقعة: ((فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِن قَومِهِ عَلَى خَوفٍ, مِن فِرعَونَ وَمَلَئِهِم أَن يَفتِنَهُم...)).

ـ وهناك حميت المواجهةº فطالب سيدُنا موسى أتباعه الذين أعلنوا الإيمان أن يُؤَدٌّوا مقتضَيات ذلك الإيمانº ومنها التوكل: ((وَقَالَ مُوسَى يَاقَومِ إِن كُنتُم ءَامَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُسلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلنَا رَبَّنَا لا تَجعَلنَا فِتنَةً لِلقَومِ الظَّالِمِينَ)) أي لا تسلِّطهم علينا فيَغتَرٌّوا بالقوةِ والنصرِ فيكونَ ذلك فتنةً لهم ويفتنونا عن ديننا ((وَنَجِّنَا بِرَحمَتِكَ مِنَ القَومِ الكَافِرِينَ)).

ـ وَلَمَّا كان فرعون يَهدِم بيوت العبادة (ويَختمها بالشمع الأحمر ويُصادر أوقافها) ويُعَرِّض مَن يَقصدها إلى الاعتقال والتعذيب: رَخَّصَ اللهُ لهم الصلاةَ في بيوتهم وأَمَرَهم بتحويلِ بيوتهم إلى مراكزَ للعبادة والدعوة وأن يتمسكوا بالصلاة والإيمان ليحصّلوا البشارة: ((وَأَوحَينَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَومِكُمَا بِمِصرَ بُيُوتًا وَاجعَلُوا بُيُوتَكُم قِبلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ)).

 

ـ وتَضَرَّعَ موسى إلى الله بالدٌّعاء أن ينتقمَ مِن الظالمينº ((وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيتَ فِرعَونَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَموَالاً فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا رَبَّنَا لِيُضِلٌّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمِس عَلَى أَموَالِهِم وَاشدُد عَلَى قُلُوبِهِم فَلا يُؤمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ ~ قَالَ قَد أُجِيبَت دَعوَتُكُمَا فَاستَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعلَمُونَ)) وفي الأمر بالاستقامة بعد البشارة بإجابة الدعاء: إرشادٌ إلى أنّ الدعاء وإن كان عبادةً عظيمةً، إلا أنه لا ينبغي أن يقتصر المسلمُ عليه دون العملِ بالأسباب والاستقامة على التديٌّن. وسبيل الذين لا يعلمون هو تَقليد الكفار الذين إذا دَعَوا يَستعجلون الإجابةَ. قال بعضُ المؤرخين: كان بين دعوة موسى والإجابة بإهلاك فرعون 40 سنة!

ـ ((وَجَاوَزنَا بِبَنِي إِسرَائِيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنُودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حَتَّى إِذَا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي ءَامَنَت بِهِ بَنُو إِسرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسلِمِينَ ~ آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدِينَ)). ونلاحظ كيف رَكِب فرعونُ رأسَه رغم رؤيةِ معجزةِ انفلاقِ البحر، ويَلفت انتباهَنا أنّ كثيراً مِن الأبيات التي ذُكر فيها فرعون -وخاصةً هلاكه- جاء مقترناً مع قومِه الذين يَحلفون بِحياتِه وعِزَّتِه، وللتحذير مِن نُصرةِ الظالمين والرٌّكونِ إليهم: أَكَّدَت أكثرُ مِن آيةٍ, أنهم أُغرِقوا معه:((فَأَغرَقنَاهُ وَمَن مَعَهُ جَمِيعًا)) [الإسراء: 103]. ولم يَقبل اللهُ توبةَ فرعون لأنها جاءت بعدَ وقوعِ العذاب حيث لا يَبقى مجال للشك أو فائدةٌ للتكليف ((فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم إِيمَانُهُم لَمَّا رَأَوا بَأسَنَا)) [غافر: 85] فليَتُب الفراعنة قَبلَ رؤية البأس.

ويبقى المشهد الأخير: حيث شَكّ بعضُ بني إسرائيل في موت فرعون وصَعُب عليهم استيعابُ هذا الحَدَثَ بعد ادّعائه الألوهية واستبداده بالحكم لعشرات السنين، فأَمَر اللهُ البحرَ الأحمرَ أن يَلفِظ تلك الجثةَ الهامدةَ بلا رُوح: ((فَاليَومَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَن ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ)) وهكذا تَبدَّدت الشكوكُ والظنونُ ورآه معاصرُوه بأمِّ أعينِهم لِئَلا يظنَّ أَحدٌ أنه صعد إلى السماء أو طَلَب لجوءاً سياسياً في دولةٍ, ما! ويستطيع كلٌّ واحد منا أن يراه اليوم ذَليلاً مُحنَّطاً ولو على شاشة التلفاز، أو يرى غيرَه من الفراعنة الذين طالَما ادَّعوا الألوهية -بالقول أو بالفعل- وخانُوا أمَّتهم لِمصلحة أعدائهم. وربما كان أسيادُهم بالأمس هم أوّل من يَبطش بهم لِيَعيَ الذين من بعده هذه الآية ((وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَن ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ)) [سورة يونس: 75-92] صدق الله العظيم. فبعضُ الغافلين بعد هذا الدرس \"الآية\" بَدَل أن يتوكلَ على الله ويَتركَ الركوعَ للأعداء صار يقدم السجدات والمبادرات!

أيها المسلمون أيها الشباب: إن كنتم آمنتم بالله فعليه فتوكلوا وادعوه ولا تَتَّبعوا سبيلَ الذين لا يَعلمون ولا تُقلِّدوهم ولا تَستعجلوا الإجابة، واستقيموا واجعلوا بيوتَكم قِبلة وأقيموا الصلاة وانشُروا الحق وواجهوا حملات التشويه...عندها نكون من أهل:((وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ))!

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply