دور العقيدة الصحيحة في الجندية المعاصرة


بسم الله الرحمن الرحيم 

على مر الأزمان كانت الحاجة قائمة لحراسة المجتمعات والكيانات، وصيانة المبادئ والمناهج والمعتقدات.

ولقد تضاعفت تلك الحاجة وتطورت جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر، الأمر الذي أدّى إلى تكوين جيوش منظمة تضم جنوداً نظاميين.

ولقد عُنيت كل أمة أو دولة بتأهيل جنودها ليكونوا على درجة عالية من المقدرة والكفاءة التي تمكنهم من حماية المكتسبات ورد أي عدوان.

وبشكل عامّ يرتكز تأهيل الجنود على محاور ثلاث:

1 المحور الفكري العقدي.

2 المحور العلمي النظري.

3 المحور العملي التطبيقي.

فمثلاً تدريبات اللياقة البدنية، وتعليم الرماية، وتنفيذ الخطط، وصيانة الآلات، كل هذه الأمور تندرج تحت المحور الثالث (العملي التطبيقي).

وفي المحور الثاني (العلمي النظري) تتم الدراسات النظرية كتعليم اللغات والشفرات السرية، وشرح مكونات الأجهزة ورسومات الخرائط، ودراسة الخطط وغير ذلك.

وفي الظروف الاعتيادية والحالات التدريبية يكفي هذان المحوران لتشكيل الجندي أي جندي وتهيئته ليكون قادراً على التطبيق العملي لما سبق وأن تعلّمه نظرياً.

ولكن الحال يختلف تماماً عندما تكون الظروف حقيقية كحالة الحرب مثلاً إذ لابد من وجود الوازع الفكري العقدي لدى الجندي ليكون دافعاً له إلى الصمود، ورادعاً له عن الانهزام، فضلاً عن الخيانة وتغيير الولاء.

ولذلك تسعى الأمم والدول حتى الكافرة منها لإعطاء جرعات فكرية، ورسم مبادئ وقيم، ورفع شعارات يلتف حولها جنودها، وتكون لهم بمثابة الراية التي تقودهم وتحفزهم على الصمود، بغض النظر عن كون هذه القيم صحيحة أو باطلة، حقيقية أو وهمية.

 

خصوصية الأمة أو الدولة المسلمة:

يمتاز الجندي المسلم بأن المحور الأول لديه المتمثل في العقيدة الإسلامية قوي ومتأصل، وبأنه ثابت وشامل، ويغطي مراحل جنديّته بل حياته كلها في السلم والحرب، في العدل والجور، في الرضا والغضب، في المنشط والمكره.

ولقد عرف التاريخ على مدى قرون من الزمان بسالة وثبات الجندي المسلم وولاءه الذي لا يتزعزع، وهي عوامل قوة كانت تعوض كثيراً من العجز المادي والقصور العددي في الجيوش المسلمة.

وما ذاك إلا لأن هذا الجندي قد حمل بين جنبيه عقيدة لا تهزها الويلات ولا تزحزحها الإغراءات، ولم يعرف التاريخ حالات الانهزام والخذلان فضلاً عن الخيانة عند جنود المسلمين، بل كان حالهم الثبات حتى ينالوا إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة.

والذي يدرس حالات الخيانة، وتاريخ الثورات والانقلابات في بعض جيوش المسلمين يدرك مدى الخلل الذي أصاب المحور الأول الفكري العقدي لدى تلك الجيوش، فنتج عن ذلك أن سخر بعضهم طاقاته العلمية وقدراته العملية في غير محلها فارتدت على أمته أو دولته وكانت معول هدم وأداة شر، وسبيلاً لتقديم مصالح الذات والاعتبار بها فوق كل اعتبار.

ومن هنا تتأكد الحاجة الماسة إلى وجوب إعادة النظر في تأصيل النواحي الفكرية العقدية المنبثقة من القرآن والسنة لدى جيوش المسلمين وإصلاح ما قد يكون طرأ عليها من خلل أو انحراف.

بعض من آثار العقيدة الصحيحة على الجندي المسلم:

إن الدين الصحيح والعقيدة الصافية تحكم المسلم وبالتالي الجندي المسلم في كل شؤونه دقيقها وجليلها، قال الله - تعالى -: \"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) \"{الأنعام: 162}.

والجندي المسلم يلتزم بتوجيهات هذا الدين القويم في كل ما يأتي ويذر، مما يشكل لديه ثباتاً في المبادئ واطراداً في المواقف لا تشوبه الشوائب ولا تعكّر صفوه المنغصات.

ولعلي بعد هذا السرد المجمل أشير إلى بعض الأدلة لبيان ما سبق:

1- الجندي المسلم وهو يقاتل في سبيل الله لا يخشى الموت بل هو ثابت الجنان والأركان، مستشعراً قوله - تعالى -: \" قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون 52 \" {التوبة: 52}.

2- الجندي المسلم وهو يرابط في الثكنات يتذكر قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة، خير من الدنيا وما عليها\"(1).

و قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتاّن\"(2).

و قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"رباط يوم في سبيل اللهº خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل\"(3).

3- الجندي المسلم وهو يحرس ساهراً مكابداً مشقة الليل، يفعل ذلك بكل إخلاص وإقبال. وكيف لا يفعل ذلك وهو يعرف قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله\" (4).

4- الجندي المسلم لا يجد غضاضة في القيام بما يسند إليه من أعمال، ولا أنفة في تأدية ما يؤمر به من معروف. وهو في ذلك كله لا تنتابه عزّة بالإثم أو كبرياء، وحاديه في ذلك قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: \"تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع\" (5).

5- لا يعرف الجندي المسلم الخيانة ولا الغدر، ولا يدفعه إلى أي منهما طمع في مال أو إغراء بعرض من الدنيا قلّ أو كثر، ذلك أنه يحفظ جيداً حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أربع خلال من كن فيه كان منافقاً خالصاً: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها\" (6).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان \" (7).

6- الجندي المسلم لا يفر من مواطن الزحف فينخذل أو يخلي موقعه، معرضاً بذلك إخوانه الجنود وقادته إلى خطرٍ, عظيم.

الجندي المسلم لا يفعل ذلك لأنه يعرف أن هذا العمل من الموبقات التي توجب غضب الله والتي تذهب بعمل الإنسان وتحبطه، والتي قرنت بعظائم الذنوب وعلى رأسها الشرك بالله - تعالى - قال - تعالى -: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى\" فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير 16 {الأنفال: 16}.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"اجتنبوا السبع الموبقات\". قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: \"الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات\"(8).

7-الجندي المسلم حريص على قوة بدنه فلا يضعفه ولا يفرط في صحته بأي شكل ولأي سبب، وذلك في حرص منه على ملازمة وصف الخيرية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله. ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان\"(9).

8- يؤدي الجندي المسلم ما يسند إليه من أعمال بكل صدق وتفانى وإتقان، حباً منه لما يحبه الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الله - تعالى - يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه\"(10).

9- الجندي المسلم يأخذ بأسباب القوة في مجاله ويحرص عليها وخصوصاً في مجال الرماية بأنواعها وبكل الآلات الحديثة المؤدية لها، كيف لا ورسول الله عليه وسلم يقول: \"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي\" (11).

بل إن وقت راحته ولهوه يقضيه في ذلك امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر\"(12).

ومع استتباب الأمن وحلول السلم لا ينسى أن يكون دائماً على أهبة الاستعداد والدربة في هذا المجال المهم عملاً بوصية نبي الإسلامº قال - صلى الله عليه وسلم -: \"ألا إن القوة الرمي - ثلاث مرات - ألا إن الله سيفتح لكم الأرض وستُكفَون المؤنة، فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بأسهمه\"(13).

10- يمتاز الجندي المسلم بتمام السمع والطاعة في المعروفº لأنه يعتقد جزماً أن طاعة ولي الأمر من تمام طاعة الله وذلك في غير معصية الله، وأن عصيان ولي الأمر في المعروف من عصيان الله - تعالى -.

قال - صلى الله عليه وسلم - \"من أطاعني فقد أطاع الله و من عصاني فقد عصى الله و من أطاع الأمير فقد أطاعني و من عصى الأمير فقد عصاني\" (14).

وفي الصحيح: \"بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطباً فأوقدوا ناراًº فلما هموا بالدخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فراراً من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذا خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: \"لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف\" (15).

11- وبإجمال فإن العقيدة الصحيحة بالإضافة لما سبق تمنع الجندي المسلم من تناول الشهوات، ومن ارتكاب المحرمات التي صارت من أهم عوامل الفتك بالجيوش في غير بلاد الإسلام.

كما أن العقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على حفظ العهود، وصيانة الأمانات، وكتم الأسرار، وهذه من أعظم الخصال ومهمات الخصائص التي يسعى أرباب الجيوش لغرسها في نفوس جنودهم.

هذا غيض من فيض وأعود فأقول إن نشر وترسيخ العقيدة الصحيحة في قلوب جنود المسلمين يمثل صمام أمان محكم لجيوش الدول المسلمة يحفظ عليها تماسكها، ويضمن انضباطها، ويحول دون وقوع الخيانات بين صفوفها، كما أن الجندي المسلم المتمسك بدينه لا يمكن أن يستدرج إلى صفوف العدو بشهوة فضلاً عن شبهة.

وفوق كل ذلك فإنه ثابت الجنان، قوي الأركان، مرابط، حريص على تأدية الواجب المنوط به من غير تفريط أو تخاذل. فهو في كل ذلك يستشعر أنه يؤدي عبادة لله الواحد الديان فهو مأجور على كل حال.

ومن الوسائل المقترحة لترسيخ مبادئ الإسلام ما يلي:

1- إقامة الدروس العلمية في ثكنات الجنود.

2- الإكثار من المحاضرات والكلمات الوعظية.

3- نشر الشريط والكتيبات والمطويات النافعة.

4- إقامة معارض الكتب والأشرطة.

5- إضافة دورات تدريبية وحلقات دراسية في هذه المواضيع ضمن المناهج المعتمدة للجنود.

6- ربط الجنود بمبادئ الإسلام وتحبيبها إليهم وخصوصاً في باب التعامل بين القادة والجنود.

7- إحياء سنن الصيام كصيام الاثنين والخميس والأيام البيض وعشر ذي الحجة وعاشوراء، والاجتماع على الإفطار فيما تيسر منها.

8- القيام برحلات منتظمة للعمرة، والحج إن تيسر بحيث يستفاد منها في ذلك.

9- إحياء دور المساجد والمصليات في الثكنات ودعم برامجها واختيار الأكفاء لتولي أمانتها.

10- إنشاء ودعم حلقات تحفيظ القرآن وبذل الحوافز وإقامة المسابقات فيها.

أسأل الله أن يحفظ الإسلام وأهله من شر كل ذي شر وأن يديم عليهم الأمن والإيمان والسلامة والإسلام.

ــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- البخاري 2982.

2- مسلم 1913.

3- صحيح الترغيب 1224.

4-مشكاة المصابيح 3752.

5-البخاري 2887.

6-البخاري 3178.

7- مسلم 1735.

8-البخاري 2766.

9-مسلم 2664.

10- صحيح الجامع 1880.

11- مسلم 1917.

12-صحيح النسائي 3353

13-صحيح الترمذي 2462.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply