لماذا لا نتساءل ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

 

طالما حدثت نفسي عن الأسباب التي تجعل شهيتنا للتساؤل ضعيفةº مما أدى إلى تراكم المشكلات وضعف خبرتنا العامة في التحليل والوقوف على العلل الخفية التي دفعت بالأمة إلى الوضعية التي تعاني منها الآن، وقد بدا لي أن ذلك يعود إلى عدد من الأسباب، أذكر منها:

1 - سيطرة الموروثــات والتقالــيد الشعبية على مداخل التفكير لدى معظم الناسº وتلك الموروثات تنظر إلى الإكثار من طرح الأسئلة على أنه دليل الجهــل وقلة الخبرة. كما أن المبـــادرة إلى الإجابة على أي سؤال يُطرح تعطي انطباعاً معاكساًº ولذا فإن من الملاحــظ أنه حـــين يطرح سؤال يتعلق بالصحة ـ مثلاً ـ وفي المجلس طبيــب فإن أكثر من شخص يجيب قبل أن يتمكن الطبيــب من إبـــداء رأيه! وهذه الوضعيةـ ذاتها تشجع الناس أيضاً على أن يجيبوا أنفسهم على التساؤلات التي تثور في أذهانهم بعيداً عما في الكتب، وعما لدى أهل العلم، وهذا يـــؤدي بهم إلى أن يشعــروا بنوع من الامتـلاء الكاذب، ويكونون بذلك كمن يتجشـأ من غير شبع!

 

2 - طريقة التعليم السائدة في المدارس تكرس ما تشيعه الثقافة الشعبيةº حيث إن أسلوبنا في تلقين المعلومات يجعل المعلم يظهر في موقف الإنسان الذي يعرف كل شيء، أو موقف الفارس الذي يجول ويصول في الحلبة وحيداً دون أن يحسب حساب أي شيء. وتتجلى المعلومات التي يسوقها في شكل معطيات قطعية، تجاوزت مرحلة الجدل والنقاش. وبعض المعلمين يزيد الطين بلة، فيمنع الطلاب من إلقاء أي سؤالº لأن ذلك قد يشير إلى أنه لا يشرح بطريقة وافية، أو لأنه قد يوقعه في الحرج مما يدفع الطلاب إلى الصمت المطبق!

 

3 - في المجتمعات الإسلامية جماهير غفيرة يعشقون الغرائب ويروجون لها لأسباب مختلفة منها إمتاع السامعين، وإظهار العلم بما يجهله غيرهم، والتسويق لشخص أو جماعة أو فكرة أو طريقة.... والارتزاق من وراء الإثارة التي تحدثها القصص والحكايات العجيبــة! مــن طبيعــة الغرائب أنها لا تعرف الوقوف عند أي حدº ولذا فإنها تتطور في كثير من الأحيان لتأخذ شكل الخرافة، ولتبني من ثم عقولاًَ خرافية. من مخاطر الغرائب والخرافات أنها تمحو في أذهان الناس الفروق بين الطبيعي وغير الطبيعي، والجائز والممنوع، والقريب والبعيد، والممكن والمستحيل... ومن خلال زوال الفروق بين هذه الثنائيات تتهيأ أذهان الناس لقبول أي شيء والاستسلام للوضعية الراهنة بوصفها شيئاً لا بديل عنه.

 

4 - اليأس والإحباط بسبب سوء الأحوال وتدهور مكانة الأمة بين الأمم الأخرىº مما يؤدي إلى الإحجام عن التساؤل حيث يفقد المحبط الحيوية الذهنية، كما يفقد روح الانفتاح والتفاعل التي كثيراً ما تتمظهر في التساؤل، فتؤول الأمور إلى السكون التام وانتظار المصير المحتوم.

 

5 - جفول الوعي الإسلامي في وقت مبكر من تاريخ هذه الأمة من (الفلسفة) بسبب تجاوز بعض فلاسفة المسلمين للعديد من الأصول والثوابت الشرعية، وقد أدى ذلك إلى ضعف صناعــــة المفاهيم لدينــا، وإصابتنا بقصور مريــع في عدد كبيـــر منها. وحــين يتضاءل مفهــوم ما عن المستوى الذي ينبغــي أن يبلغه، ينحط مستوى العمل ورد الفعــــلº مما يجعـــل الانحدار نحو القاع أمـراً مقبــولاً أو غير مستنكر، ومن ثم فلا يثار حوله أي تساؤل. إذا أردنا لشهية التساؤل لدينا أن تنفتح من جديد، فلا بد من معالجة الأسباب التي أدت ـ وما زالت تؤدي ـ إلى اضمحلالها. والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply