بذرة الأمل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وعدت إلى بيتي..وقد خطت أقدام الليل الثقيلة على بدني المهترىء لتجعله ركاماً من تعب..

أشعر وكأنما السماء أطبقت فوق صدري، وكأني أحمل فوق ظهري أحمال الجبال.. خارت قواي، وتكدَّرت نفسي، وضعفت خطاي..

أحمل نفسي تارة، وتحملني أخرى، فأقول لها:متى أنتهي من هذه الأعمال المضنية التي أكلت عمري من أطرافه؟ متى أشعر بالراحة والسكون؟ أليس من حقِّ البركان أن يخبو، والعاصفة أن تسكن، والموج أن يستقر؟!

تزجرني نفسي: أليس لأبنائك عليك حق؟! ألا يستحقون منك هذا العناء؟ لتبني لهم مستقبلاً زاهراً وتوفر لهم عيشاً كريماً؟ كفاك ما دهاك في ماضي عمرك، أتريد لهم حياة كماضيك؟!

إنه ليس من حقِّ الشمعة أن تسأل: لماذا أحرق أطرافي بأطيافي؟

إنما عليها أن تُضيء، وكفى!

رضيت بانتصار فكرة التضحية على نفسي التي سئمت تكاليف الحياة .. ورددت برضى: الحمد لله.. الحمد لله..

سرت في أوردتي ومضة فرح، ورعشة سرور، فسكنت.

وقبل خطوات من دخولي منزلي، ليضمني بين ضلوعه بأحبتي..

 

وإذا بالفاجعة!

أرسلت بصري ليجول بين شباب اجتمعوا كالذئاب في ظلمة الليل، وقد سكنت أعين الناس وغطٌّوا في سبات عميق.. فقادتني عيوني إليه..

أهذا ولدي معهم؟! أيعقل أن يكون فلذة كبدي بينهم؟!

وما تلك بيمنه يا عيني؟

يا لمصيبتي!

إنها سيجارة قذرة تندس بين أصابعه كالحية، تلدغه بين شفتيه كالعقرب، تعبره إلى صدره.. تسري في شرايينه.. وتنفث سمومها بين ضلوعه كالكير...

لهفي عليك يا بني!

كيف وصلَت إليك؟ وماذا جلبت عليك؟ إنها بوابة الدخول إلى عالم السوءات.. فهي خطوة البداية، وتأت بعدها خطوات المخازي!!

أمل تحوَّل في لحظة إلى ألم شعرت بأني بنيت قصري فوق الرمال، وغرست بذري في أرض لا تنبت إلا المحال

أحسست بدوار يعصف بي، وبحسرة مرَّة في قلبي، وشعرت ببركان الغضب يجتاحني، وبزلزال القهر يعبرني.. تبعثرت أحلامي مع دخان سيجارته!

سقطت عيني في عينه، فتفجرت عيوني بالدموع!

وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها روح تسيل فتقطر، أركبته بجواري، وذهبت به إلى جوار بيتي.. انسلَّت رائحة الدخان من بدنه لتستقرَّ في أنفي كسهم مسموم غُرس في حبَّة القلب.

طلبت منه أن يبقى في مكانه حتى أعود إليه..

دخلت إلى بيتي في عجل.. أخذت ما وقع تحت يدي من طعام وشراب، وعدت إليه وقد ذهب به الروع كلَّ مذهب!

لم أنبس ببنت شفة.. غمست وجعي في صبري، وأسررت بألمي لنفسي ولم أبده له.. لم تفضحني سوى زفراتي!!

توجهت به من جدة إلى بيت الله العتيق بمكة..

وهناك حيث تتنزل الرحمات، وتقال العثرات.. طفنا ببيت الله الحرام ، تناثرت خطايانا مع خطواتنا.. هكذا شعرنا!

صلينا ما كُتب لنا.. تخففنا من أحمالنا.. وخلعنا ما على ظهورنا من هموم وغموم.. جلسنا سوياً، والكعبة أمامنا، والمصاحف بأيدينا، والطائفون يحومون بجوارنا في مشهدٍ, لا أجمل منه! يفيض بالأنس، وينطق بالطهر، وينبض بالنقاء..

وفي لحظة من لحظات الصفاء..

قام الابن صوب رأس أبيه يجرٌّه إليه، ويقبِّله عليه..

ودموع الندم البريئة تغسل آثار الخطيئة..

وعاد الابن الصالح ليغرس بذرة الأمل في صحراء اليأس.. وقد كان!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply