وقفات مع الدعوة إلى الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القرآن الكريم \"مصحف\":

إن مما خص الله به نبي هذه الأمة محمد- صلى الله عليه وسلم - وخص به رسالته، والنور الذي جاء به أنها رسالة ودعوة عامة للثقلين الإنس والجن، والعرب والعجم، والأسود والأبيض، والذكر والأنثى، والسادة والعبيد، كما قال - جل وعلا -: \"يَا أَيٌّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيكُم جَمِيعًا? (الأعراف: 158)، وقال - سبحانه وتعالى-: \" وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا\" (سبأ: 28)، وقال - تعالى -: \" وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِّلعَالَمِينَ\" (الأنبياء: 107)، وقال - صلى الله عليه وسلم - \"بعثت إلى الناس كافة وكان الأنبياء تبعث إلى أقوامهم خاصة\".

 

أيها المسلمون:

وبعد أن تقرر ما سبق.. فإن هذه الأمة مأمورة بما أمر بها نبيه، فهي مأمورة بتبليغ الدين إلى الناس كافة، كما قال - سبحانه -: \" وَلتَكُن مِّنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ \" (آل عمران: 104).

 

هي المكلفة بنشر هذا الدين الذي فيه سعادة البشرية ولا نجاةَ ولا مخلص للناس إلا بالدخول في هذا الدين، والانضواء تحت لوائه، والاهتداء بتعاليمه وتشريعاته، إننا لا نشك لحظةً واحدةً أن دين الإسلام هو الدين الذي به تُحل كل المشاكل العالمية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، العسكرية، وسوف نقف مع هذه العبادة العظيمة والمهمة الجسيمة، والوظيفة الشريفة وقفات عدة.

 

الوقفة الأولى: الدعوة إلى الله أشرف الوظائف:

الدعوة إلى الله وظيفة من أشرف الوظائف، ومهمة من أعظم المهمات كيف لا وهي وظيفة الأنبياء والرسل؟ ومهمة كل من أراد الله به خيرًا ورفعةً وسعادةً في الدنيا والآخرة، ولا أعظم وصفًا، ولا أصدق قولاً من قول ربنا- جل وعلا - حيث يقول: \" وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ \" (فصلت: 33) قال \"الحسن البصري\" عن هذه الآية: هو المؤمن أجاب الله في دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله.. فمقام الدعوة من أشرف المقامات، فيا خسارة من قامت حياته وذهبت أيامه ولم يكن له نصيب من هذه العبادة العظيمة!!، فيا عبد الله، تدارك أيامك، واضرب بسهم في هذا الميدان المبارك بعلمك أو بجهلك، أو بمالك أو برأيك، على قدر استطاعتكº حتى تنال هذا الشرف العظيم.

 

الوقفة الثانية: العلم وأثره في الدعوة:

الله - سبحانه - أمر بالدعوة إليه، وأوجبها على هذه الأمة على كل من قدر، وعلى حسب مقدار العلم الذي مع الإنسان، قال - سبحانه -: \" قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ, أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي\" (يوسف: 106)، فالبصيرة: العلم، وقال - سبحانه -: \" ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ\" (النحل: 125)، فالعلم يتضمن العلم بما تدعو إليه والعلم بحال الداعي، وكلما كان العلم أغزر كانت الدعوى أقوى وأنفذ، ولكن لا يقعدنَّ بك هذا الأمر وتقول: أنا لست من أهل العلم، فنقول لك: ادع على قدر العلم الذي معك، كما قال - صلى الله عليه وسلم - \"بلغوا عني ولو آية\"، وكن دليلاً على الخير، ومساهمًا بمالك، ورأيك وجهدكº فأنت بإذن الله من الدعاة إليه.

 

واعلم أن أجرك عظيم، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: \"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا\"، وقال: - صلى الله عليه وسلم -: \"لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم\"، قال ابن القيم: وهذا يدل على فضل العلم والتعليم، وشرف منزلة أهله، بحيث إذا اهتدى رجل واحد بالعالم كان ذلك خيرًا له من حمر النعم، وهي خيارها وأشرفها عند أهلها، فما الظن بمن يهتدي به كل يوم طوائف من الناس... وفقنا الله وإياكم لهذه النعمة العظيمة.

 

الوقفة الثالثة: الحكمة في الدعوة:

الحكمة في الدعوة إلى الله هي كما قال ابن القيم- رحمه الله - معلقًا على قول الله: \"ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ \" (النحل: من الآية 125) \"جعل - سبحانه - مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يُدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يُدعى بالموعظة الحسنة وهي الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة، والمعاند المجادل يجادل بالتي هي أحسن.

 

الوقفة الرابعة: الإخلاص:

لا تنس إخلاص النية فهي الأساس في الدعوة، كما قال - جل وعلا -: \" ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ \" لا إلى سبيل أحد غيره، وقال في الآية الأخرى: \" قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللهِ\" لا إلى نفسي أو إلى مطمع من مطامع الدنيا، ومن خلصت نيته بارك الله له في جهده ووقته، وظهر أثر ذلك عليه.

ليكن شعارك في الدعوة إلى الله: \" إِن أُرِيدُ إِلاَّ الإِصلاَحَ مَا استَطَعتُ \" (هود: من الآية88) وأيضًا: \"إِن عَلَيكَ إِلاَّ البَلاَغُ \" وقوله - تعالى -: \" لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُم وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ \" (البقرة: من الآية 272)، وقوله - تعالى -: \" وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلاَغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ\" (آل عمران: من الآية20) فيا من تدعو إلى الله لا تذهب نفسك حسرات، ولكن احذر من التقصير في الدعوة إلى الله والعلم والعمل، فإن لم تجد الثمرة فلا تترك هذا الطريق.. فإن الهداية وإدخال الإيمان إلى القلوب ليس إليك، وإنما إلى الله ?إِنَّكَ لاَ تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ? (القصص: من الآية56)، والنبي يأتي يوم القيامة ويأتي معه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد.

 

إن مهمة الدعوة إلى الله يستطيع كل إنسان أن يقوم بها كل على حسب جهده وقدرته كما سبق، ولكن مهمتنا نحن أن نرسخها في قلوب الأجيال وفي نفوس الناشئة وفي عقول الناس، وتكون من أولى اهتماماتهم.

 

 فيا أيها المدرس الناصح، وأيها المربون والمربيات، والمعلمون والمعلمات، ويا أئمة المساجد، يا طلاب العلم، أيها الموظفون... لا تتركوا هذه الوظيفة وهذه المهمة لحظة واحدة من لحظات حياتكم فبها سعادتكم وعزكم ونصر دينكم وظهوره على كل الأديان، وهنا أقف وقفة عتاب ووقفة تعجب مع ذلكم الكاتب في صحيفة من الصحف اليومية- هداه الله- الذي كتب مقالاً جرح أفئدتنا، وآلم نفوسنا لما عاب على إخواننا المدرسين نُصحَهم وإرشادَهم في المدارس، وقال: \"لسنا في مكان للدعوة إلى الله\"، فنقول يا مسلم، يا عبد الله، نحن بغير الدعوة إلى الله وبغير الدين لا وزن لنا بين الناس..، ولا عز لنا إلا بهذا الدين..، فوجب أن نكون كلنا دعاة إليه، ولا خير فينا إذا لم نكن كذلك، فالله الله.. أيها الإعلاميون، اعتزوا بدينكم وانشروه، وساهموا في الدعوة إليه وحث الناس على القيام بهذه العبادة العظيمة، وفقنا الله وإياكم لكل ما يحبه ويرضاه.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply