عراقيل في الطريق


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

عند هؤلاء الشباب صور ضياع، ونسأل الله أن يرحمنا وإياهم، وأن يتوب علينا وعليهم، وأن يردنا وإياهم ردًّاً جميلاً، ونسأله -سبحانه- أن يسترنا، وأن يحفظنا، وأن يهدينا، وأن يتولاّنا.

1.    فمن صور الضياع عند هؤلاء الشباب: الاستهزاء بالعلماء وبالدعاة، والسخرية منهم، وأكل لحومهم، وربما جعلوها فاكهة لمجالسهم، وهذه خطيئة كبيرة لا بد أن ينتبه لها شباب الإسلام، "قل أباللهِ وآياته ورسوله كنتم تستهزءون"(التوبة: الآية 65).

لا يمكن أي أمة أن يرتفع شأنها وهي لا تحترم علماءها ودعاتها.

قال -تعالى-: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم"(آل عمران: الآية 18). وقال -تعالى-: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"(المجادلة: الآية 11). وقال أيضاً: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما"(الزمر: الآية 9). وقال -تعالى-: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"(فاطر: الآية 28).

2.    ومن تلك الصور أيضاً: هجرُ المساجد، وحِلَقِ العلم والدروس والمحاضرات، فشاب لا يصليّ، ولا يحضر حِلَق العلم والدروس والمحاضرات كيف يهتدي؟

وطرق الهداية عندنا هي: المسجد، والعالم، والداعية، المنبر، والكتاب، والمصحف، والشريط، والذكر والدعاء.

وتجدهم تعمر بهم المقاهي، وأماكن اللَّهو، واللغو، والأرصفة، والجلسات الخلوية على الضياع، ويجلسون المجالس أوقاتاً طويلة، لا يذكرون الله، ولا يصلون على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل كلام فُحش، أو غيبة، أو نميمة، أو تهتك في أغراض المسلمين.

هؤلاء إذا استمروا على ما هم عليه، فإنهم يشكِّلون على المجتمع والأمة خطراً عظيماً، فهم يحفظون الأغاني الماجنة المائعة، والقصائد الساقطة الفاحشة، وعندهم أشرطة فاسدة، وأفلام هائلة الدمار.

3.    أيضاً: عندهم إسراف في ممارسة الألعاب الرياضية ومتابعة أخبارها ودوراتها، حتى تصبح شغلهم الشاغل وهمهم الأول، قال الله -تعالى-: "أفرأيت مَنِ اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علمٍ, وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً فمَن يهديه مِن بعد الله"(الجاثية: الآية 23).

4.    وأيضاً: يرتدون الملابس القصيرة، التي لا تجوز الصلاة فيها، وهي نصف الفخذ، فلا يجوز النظر إليهم، ولا يجوز اللعب معهم، لأن عورة المسلم من السُرّة إلى الركبة.

5.    وأيضاً: يطيلون الشعور إطالةً فوق الحد، تقليداً لمن يُسمّون بالنجوم من الكفرة، فيقلّدونهم في قصّات الشعر وفي التسريحات، وعندهم صور لهم يحتفظون بها ويحبونهم، ويعشقونهم، ويتولونهم، وهذا جرح في العقيدة، وفي معالم التوحيد. وهؤلاء نجدهم مع إطالتهم لشعورهم، يحلقون لحاهم، ويحتجون بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل شعره، "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"(البقرة: الآية 85).

6.    وأيضاً: نجد بعضهم يطيل أظفاره، وبعضهم يطيل ظفراً واحداً، وفي هذه خطورة ما بعدها خطورة، لأنهم يمثلون مسارات خاصة من المعصية والخلاعة والدمار في الخلق.

ومنها: تعليق السلاسل في الرقاب، وربط الخيوط في المعاصم، وهي موضة خاصة، يفعلها جيل من الشباب وطائفة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم.

7.    وأيضاً: عندهم إهمال الرياضة الحقيقة، رياضة محمد -صلى الله عليه وسلم- ورياضة أصحابه التي هي: السِّباحة، والرماية، وركوب الخيل، ويأتون بالرياضة الأخرى التي تورث الذلة، والانهيار عند الأمة، أما رياضة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي هي: القوة، والمناعة، والحصانة، والرجولة، فيهملونها تماماً، ولا يفعلونها.

8.    وأيضاً: عندهم إطلاق الصَّيحات، والصّرخات، بالسّبِّ، والشتم والألفاظ النابية، ويجعلها بعضهم تحية عند لقاء صاحبه، وقد سمعتها بأذني، وكثير منكم يسمع هذا، إذا لقيه لعنه أول ما يراه.

ويشتمه شتماً لو وجَّهته لبعض الناس لقاتلك، ويتلقّاها ذاك برحابة صدر! فهذه خطورة ودليل على أنه لا يتصور شيئاً من الرسالة التي أتى بها محمد -صلى الله عليه وسلم- في الأدب، وفي الخلق.

فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتابع الألفاظ حتى في أقل ما يمكن أن يجرح ويقول مثلاً: "لا يقل أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي"(1) لأن الخبث لا يُذكر في مثل هذا، فكيف اللعنة؟ وكيف الشتم؟ وكيف القذف؟ وكيف بأمور تشيب لها الرؤوس يقولونها ويزاولونها؟

9.    وهناك الهوس التشجيعي حتى يكون ديدنه ليلاً نهاراً يشجع، ويموت، ويتفانى، ويدافع عن ناديه فرداً فرداً، ويأتي بالمحاسن إلى هذا النادي، ويشيع فضائل وانتصارات هذا النادي، كأنه أعاد لنا القدس، وأفغانستان، والأندلس المفقود، وعمٌّورية.

فعندهم تقليدٌ للغرب في كل ما يتصل بالرياضة: في الملابس، والتمرينات، والجوائز، والدروع، والكؤوس، والميداليات، حذو القذَّة بالقذَّة.

10.                       من القضايا التي نعيشها: عزوفُ الشباب والشابات عن الزواج، خاصة خرِّيجي الجامعات، ورفض الزواج بحجة إكمال الدراسة، حتى أصبح إكمال الدراسة عندنا طاغوتاً كأنه يُعبد من دون الله، (لا بد أن يُكمل الدراسة)، ومَن يمنع أنك تتزوج، وتكمل الدراسة؟

وللمرأة أن تتزوج في هذا السنِّ، لأن هذا سن الفتوة، وسن إعمار الحياة، "أفمن أسَّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أم مَن أَسّس بُنيانه على شفا جُرفٍ, هارٍ, فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القومَ الظالمين"(التوبة: الآية 109).

بعضهم يقول: الزواج متاعب في الحياة، يعني: أنه يتطلب مصاريف وتكلفة للحياة، والعجيب: أن السلف الصالح كادوا أن يجمعوا على أن من كان فقيراً فعليه أن يتزوج، لقوله -تعالى-: "إن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله"(النور: الآية 32).

قال عمر: "من كان فقيراً فعليه بالزواج"، كانوا يرون أن الزواج فاتحة خير، وهذا مجرَّب، وبالاستقراء.

طبيبة بلغت الثلاثين من عمرها ولم تتزوّج، والأخرى بلغت الأربعين، والأخرى تتكلم وهي في الخمسين تقول: خذوا مني كل شيء وامنحوني زوجاً، ألمانية تقول: ليتني رابعة عند المسلمين لرجل مسلم، وتمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه دعا إلى التعدد.

يقول شوقي:

شعوبك في شرق البلاد وغربها *** كأصحاب كهف في عميق سُبات

بأيمانهم نوران ذكر وسنـــة *** فما بالهم في حالك الظلمـــات

11.                       وأيضاً: عندهم متابعة ما يسمّى بأخبار الموضة، وملاحقة أخبار الأزياء، والحرص على شراء واقتناء مجلاتها الباهظة السعر.

يقول هاري فورد اليهودي: "وإن اليهود من أجل تحقيق غاياتهم قد سيطروا على ثلاثة أمور: منها الأزياء".

12.                       ومنها: التأثر بالدعايات، والإعلانات التي طغت على إعلامنا، ووسائله الإعلامية بشكل لا يصدّق، حتى أصبح الشباب والشابات والشيوخ العجائز يصدِّقون الدعايات الإعلامية، أكثر من تصديقهم لبعضهم البعض، وقد أشارت بعض الدراسات: أن الفتاة أكبر تأثراً بالدعاية، وأسرع تجاوباً معها.

13.                       ومن نقاط الضعف عند الفتيات: إرتداء محلاّت الكوّافير، ودور التجميل التي انتشرت هنا وهناك، فدورٌ هنا للتزيّن، وهناك للقص، وهناك للتسريح، وهناك للدّلك، كلها تعمل وتوزّع، رأينا نشراتها ومعنا منها الكثير.

وهذا عبث بمسار الأمة، وخطورة على الشابات، وقد طاوعها الكثيرات منهن، وقد عبثت هذه الدور بشعور المسلمات، ولطَّختها بالأصباغ، وأفسدتها بالمقصات.

والعرب تقول: ليس التكحل في العين كالكُحل، وقال المتنبّي:

حُسن الحضارة ممزوج بتطرية *** وفي البداوة حسن غير مجلوب

فالحُسن الذي لم تتدخل فيه الأيادي العابثة، هو: الحسن المطلوب، وهو المقرر، ولذلك لعن -صلى الله عليه وسلم- النامصات، ولعن الواشمات والواشرات والمتفلِّجات"(2) لأن تجميل الخلاق أحسن، وأكمل من تجميل الحلاّق! "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"(التِّين: الآية 4)، فله الحمد وله الشكر.

14.                       أيضاً: من هذه الظواهر عند هؤلاء: التدخين الذي يكون أوله: دلع، وآخره: ولع، أو ندم، فقد نجح الشيطان في جعل أبناء المسلمين يستبدلون السواك بالسيجارة.

وقد جاء في إحدى الدراسات أن المدخّن إذا كان يستغرق ست دقائق في شرب سيجارة، فإنه يهدر من وقته ست ساعات يومياً، أي: ربع اليوم، ومئة وثمانين ساعة شهرياً، وألفين ومئة وتسعين ساعةً سنوياً، أي: ما يعادل واحداً وتسعين يوماً من السنة الواحدة، وذلك في ما يهدر من صحّته، ومن دينه، ومن مستقبله.

15.                       أيضاً: من نقاط الضعف عند هؤلاء والمخالفات: السفر إلى الخارج بكثرة، لحاجة أو غير حاجة، منهم من يسافر، لا لدعوة، ولا لطالب علم يُستفاد من تلك البلاد ينفع المسلمين، ولا علاج، وإنما فقط للضياع، فبعضهم يجعل هذا مَدعاة للتفاخر في المجالس، وبعضهم يكدِّس أمواله للعطلات، ليذهب هناك في بلاد، يعلم الله -عز وجل- ماذا يفعل، "يعلم خائنةَ الأعين وما تُخفي الصدور"(غافر: الآية 19).

هذا هو ما يفعلونه، مع ما يحدث لهم من المشكلات هناك، وما يعاني أهل هؤلاء من مشقة من غيابهم، وترك بيوتهم، وترك أعمالهم، ومن ترك دراستهم، ومن ضياع أموالهم، ورصيدهم الذي ينفعهم في الحياة، والآخرة يذهبون به في المعصية، والعياذ بالله.

16.                       أيضاً: من المشكلات عند بعضهم: إدمان المخدِّرات، وهذا الوباء الذي فتك بالأمة الإسلامية، هو أخطر عليها من البندقية، والدبابة، والصاروخ، والقنبلة، وقد استعملها المستعمر في الصين عندما عجز في حروبه، فقالوا: إن اليابانيين استعملوا سلاح الأفيون ضد الجيش الصيني حتى هُزم.

ويذكرون: أنه عندما التفت داحس والغبراء في معركة، ما غابت نجومها في ليلة من الليالي، أتت قبيلة داحس إلى القبيلة الأخرى بعطر.

ثم قالوا للعطارة واسمها (منشم): إذا اشتبكت المعركة اذهبي إلى أولئك، ووزعي بينهم العطور، فوزعت بينهم العطور، فلما شمٌّوا العطور ماتت أعصابهم وارتخت، وتذكروا بالعطور أشياء أخرى فانهزموا، فتولوهم أولئك بالسيوف.

يقول زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان وقيس بن زهير:

تداركتما عبساً وذبيانَ بعدما *** تفانوا ودقوا بينهم عطر (منشم)

فكيف تنتصر أمة شبابها غرقى في المخدِّرات؟ وفي السجون حبسوا من أجل حبوب لاهية عابثة، أرسلها الكافر إليهم في بلادهم، هؤلاء أحفاد عمر، وخالد، وصلاح الدين تحولوا إلى هذا؟ ولكننا نرجو أن يعودوا، وأن يعرفوا مستقبلهم، وما ذلك على الله بعزيز.

وأنا أطلب منكم مسألة، وهي: أن تدعوا لهؤلاء، وأن تهدوا لهم الأشرطة، أسمعه الشريط، أسمعه الدرس، أسمعه المحاضرة، أسمعه الموعظة، تحدَّث إليه، ناقشه، حاوره، كن جريئاً، ادخل معه مباشرة، استضفه، زره في بيته.

أما أن نبقى في عزلة بيننا وبينهم، فهذا ليس بصحيح، وكلّما تذكرناهم، قلنا: الله المستعان، ضاع شباب الأمة!

نحن الذين فرّطنا في شباب الأمة، نحن المسؤولون عن الشباب، فلنتق الله فيهم، إن من عباد الله من يُقاد إلى الجنة بالسلاسل، اذهب إلى هنالك، وقدهم بالسلاسل إلى جنة عرضها السموات والأرض.

17.                       أيضاً: مما ورد عند هؤلاء: مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، ومتابعة الأفلام السينمائية عن طريق أجهزة الفيديو، والتي نعلم أنها تخالف تعاليم ديننا، وهدي رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وعاداتنا، وتقاليدنا، لأنها تعتمد على الحب، والغرام، والجريمة، والقتل، والسرقة، والرشوة، والاختلاط، وخروج المرأة، فتخرج في صور، وتخرج في دعاية، حتى يخرج الواحد منهم، والعياذ بالله، سارقاً، أو زانياً، أو شارب خمر.

حتى فيلم الكرتون أنتجته شركة يهودية إيطالية فأصبحت تربي الأطفال على مسألتين:

1.    مسألة حب المال والجنس.

2.    ضياع الأوقات وصرفها فيما لا فائدة فيه. ولم يعلموا أن:

دقات قلب المرء قائلة لـــه *** إن الحياة دقائق وثــوان

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها *** فالذكر للإنسـان عمر ثانِ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

(1)             أخرجه البخاري (6179)، ومسلم (2250) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.

(2)             أخرجه البخاري، (5949)، ومسلم (2125) من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه.

 

 المراجع د. عائض القرني، للشباب خاصة، ص 44-51

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply