أخي الشاب احذر الاشتغال بتصنيف الخلق


بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسلمون صنفان لا ثالث لهما: أهل السنة، وأهل القبلة:

من العادات السيئة، والصفات الرذيلة المذمومة التي درج عليها بعض الشباب في الآونة الأخيرة وابتلوا بها الاشتغال بتصنيف العلماء، والدعاة، وطلاب العلم، والبحث والتنقيب عن تصوراتهم، واتجاهاتهم، وانتماءاتهم، ثم بعد ذلك تحديد المواقف منهم، وتتبع عثراتهم وزلاتهم، وتجريحهم، بل وتشريحهم، ثم نشر ذلك على الملأ بغرض التشهير، وإشانة السمعة، والتحذير منهم.

 

ومما يحزٌّ في النفس أن القائمين بذلك مجموعة من الشباب المنتسبين إلى السنة والسلفية، وعلى من؟ على مجموعة من إخوانهم المنتسبين كذلك إلى السنة والسلفية، على من هم أكبر منهم سناً، وأكثر منهم علماً وورعاً، من العلماء، والمشايخ، والدعاة الفضلاء، غير مكتفين بما يلاقي هؤلاء من أعداء الملة والدين، مما يجعل ظلم هؤلاء على إخوانهم أشد مرارة من وقع الحسام المهند.

 

وبادئ ذي بدء يجب أن أؤكد على أمور، منها:

1. ليس هناك أحد معصوم سوى الرسل والأنبياء، والنصيحة مطلوبة ومرغوب فيها إذا التزم الناصح بالآداب الشرعية، وتخلق بالأخلاق الإسلامية، واتبع الطرق السوية.

 

2. أن المسلمين عند أهل السنة مصنفون إلى قسمين كبيرين لا ثالث لهما:

 

أ. أهل السنة: ويشمل هذا الصنف كل من اعتصم بكتاب الله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمعت عليه الأمة، وكان على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الاعتقاد، والتصور، والعبادة، والسلوك، وقد سئل مالك عن أهل السنة، فقال: كل من سوى الخوارج، والقدرية، والرافضةº أو كما قال.

 

قال الشاطبي: (وقال رجل لأبي بكر بن عيَّاش: يا أبا بكر، من السٌّني؟ قال: الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها).

 

ب. وأهل القبلة: وهم من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وهو اسم شامل لمن عدى أهل السنة من أهل الأهواء، كالخوارج، والرافضة، والمعتزلة، والمرجئة، والقدرية، وغيرهم، ومن ثم فينبغي للسني أن تكون موالاته لأهل السنة أكبر من موالاته لغيرهم، لأنهم نقاوة المسلمين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.

 

3. أن الإسلام نهى عن الخصومات والنزاعات في الدين.

 

4. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وعدم اشتغاله بما لا مصلحة له فيه.

 

5. لا يعني الانتساب إلى أهل السنة انتفاء الفوارق بينهم أو تحريم الانضواء إلى جماعة معينة أو حلف من باب التعاون على البر والتقوى، طالما أنهم ملتزمون بما كان عليه السلف الصالح، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \"لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعي إليه في الإسلام لأجبتُ\".

 

وبعد..

ليت هذا التصنيف قائم على أسس بينة، وقواعد واضحة، بل في كثير من الأحيان يحكمه الهوى، وتمليه النظرة الحزبية الضيقة: \"من ليس معنا فهو ضدنا\"، ولا أدل على ذلك من تلك التصنيفات التي ابتدعوها وصدقوها، نحو تكفيري، سَرُوري، قطبي، وغيرها، التي لا تقل خطراً وضرراً من تصنيف الناس إلى وهابي، أو خامسي، وغيرهما، إذ الهدف من إطلاق هذه المصطلحات التحذير من أهلها، وازدراء من ينتسبون إليها، وإشانة سمعتهم، بحجة أن جميع هذه المسميات حادثة ومخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، بينما إذا دققت النظر تجد أن جلَّ من يُنسبون إلى هذه الأسماء ويلقبون بهذه الألقاب على منهج أهل السنة والجماعة في الجملة، مع تفاوت بينهم يمكن أن يتدارك، ونقص يمكن أن يتمم، هذا كله إذا افترضنا سلامة العقيدة والتصور، التي هي الأساس والمعيار، وما سواها تبع لها، نحو الوسائل والمناهج وطرق العمل، حيث يمكن للناس أن يأخذوا ويردوا فيها، ويقبلوا ويرفضوا منها، فمصطلح أهل السنة شمل جميع أتباع المذاهب السنية الأربعة وغيرهم مع اختلافات طفيفة بينهم، فهناك مدرسة فقهاء الحديث، والمدرسة التي غلب عليها القياس، وهناك أهل الظاهر الذين خالفوا أهل السنة في مصدر من مصادر التشريع وهو القياس حيث لم يعتدوا به، فما كان من أهل العلم إلا أن خطؤوهم في ذلك وبكتوا عليهم، ولكنهم لم يخرجوهم من جملة أهل السنة، إذ لا يمكن أن يخرج من أهل السنة أمثال داود بن علي الظاهري، ومحمد بن حزم، وهما هما.

 

كذلك من أئمة أهل السنة المقتدى بهم والمستفاد من علمهم ومصنفاتهم طائفة من جلة أهل العلم، منهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام النووي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وابن العربي المالكي، وابن الباقلاني، على الرغم من أشعريتهم واقترافهم للتأويل غير المحمود، فهم محسوبون على السنة، ومنسوبون إليها، مع اجتناب ما خالفوا فيه أهل السنة.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - معدداً جهود الأشاعرة في كسر شوكة المعتزلة والجهمية، وذاكراً لبعض أعلامهم، كابن مجاهد، والباقلاني، والقلانسي، والأشعري: (وصار هؤلاء يردٌّون على المعتزلة ما رده عليهم ابن كلاب، والقلانسي، والأشعري، وغيرهم من مثبتة الصفات، فيبينون فساد قولهم بأن القرآن مخلوق وغير ذلك، وكان في هذا من كسر سورة المعتزلة الجهمية ما فيه ظهور شعار السنة، وهو القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، وإثبات الصفات والقدر، وغير ذلك من أصول أهل السنة).

 

وإذا كان الشيخ محمد رشيد رضا سامحه الله على الرغم من تتلمذه على محمد عبده وتأثره به، وعلى الرغم من تضييقه لدائرة الغيبيات، وعقلانيته المفرطة، وتأثره ببعض الأفكار المغايرة لمذهب أهل السنة، كعقائد بعض المرجئة والمعتزلة التي سرت منه إلى بعض أهل السنة المعاصرين، يُعتبر من أهل السنة ومن السلفيين، الذين كانت لهم مجاهدات، وانتصارات لمذهب أهل السنة والجماعة لا ينكرها إلا جاحد.

 

مما لا شك فيه أن كثيراً من الذين يصنفهم بعض الشباب تصنيفات جائرة، ويرمونهم بشيء من البدع، وهم بريئون من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب، لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه أمثال الأئمة الذين سلف ذكرهم، وإنما اجتهدوا في أمور خالفوا فيها بعض أهل العلم، وربما كان الحق معهم أو مع غيرهم، فكل مجتهد إن كان من أهل الاجتهاد فهو مأجور، إما أجراً واحداً وإما أجرين، خاصة واجتهادهم ليس في المسائل العقدية وإنما في مسائل الفروع، وقد اختلف من هم خير منهم وتناظروا، وأدلى كل منهم بحجته، واحتفظ برأيه ووده لصاحبه، كما هو حال الإمام أحمد مع الشافعي في تكفير تارك الصلاة كسلاً وعدم تكفيره، ومع ذلك كان أحمد يقول: الشافعي حبيب قلبيº وكان الشافعي من جملة من يدعو لهم أحمد في السحر مع والديه، ويقابل الشافعي هذا الفضل بالعرفان بالجميل، فيثني على أحمد ويقول: خرجتُ من بغداد ولم أخلف بها أورع ولا أعلم ولا أزهد من أحمد بن حنبلº - رحمهما الله -، والأمثلة على ذلك من سير علماء السلف وتراجمهم لا تحصى كثرة، وفي تحملهم لخلاف بعضهم لبعض، ولرجوعهم إلى الحق، ولاعتذارهم عن إخوانهم من أهل العلم والفضل.

 

فلا ينبغي لأحد أن يُحَجِّر واسعاً، ولا يحل لأحد أن يحتكر مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يضيِّقه ليدخل فيه من شاء ويخرج منه من شاء، فتضليل مستوري الحال من عامة المسلمين دعك من أهل العلم العاملين من سمات أهل البدع والأهواء، وكذلك الهجر والتشهير بهم.

 

فعلى هؤلاء الشباب أن يشتغلوا بتزكية نفوسم، وترقية عباداتهم، وتهذيب أخلاقهم، وتحصيل ما فيه فائدة من العلوم الشرعية وغيرها، ومحاسبة أنفسهم، بدلاً من هذا التطاول على الآخرين، وتجسيد أخطائهم، ونشر زلاتهم، وبثها بين العالمين، فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، وشغلته عيوبه عن عيوب الآخرين، وأن يتسلحوا بالعلم، ويتدثروا بالورع، فهذا خير لهم من الجسارة والجرأة على عباد الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وصلى الله وسلم وبارك على الناصح الأمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply