بشروا ولا تنفروا


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 البشارة موجودة، ودواعي الاستبشار منتشرة في هذا الكون، إنما تحول الأوهام دون رؤية وجه البشارة المشرق الجميل.

الجميع الآن في خندقٍ, واحد، الكبير والصغير، الحاكم والمحكوم، الرجل والمرأة، الملتزم بدينه والمفرط، الصادق والكاذب، المخلص والمنافق.

جميع المسلمين الآن في خندقٍ, واحدٍ, أمام أساطيل الأعداء، فلا مجال لليأس، ولا مكان للتنفير من الحق، ولا موقع للتلاوم، والتشاتُم، والخصام والمجادلة العقيمة.

أخطأ من أخطأ في حق الأمة أخطاء جسيمة أوصلتها إلى هذه الحالة المتهاوية من الضعف أمام قوة الأعداء المادية.

من المخطىء يا ترى؟ الحكَّام الذين تسلَّطوا وتجبَّروا، وأفسدوا في البلاد، ووضعوا زمام دولهم في أيادي أعدائهم؟ نعم.

أم العلماء الذين جاملوا، وسايروا، وغرَّتهم الحياة الدنيا فجعلوا من علمهم مطايا يمتطيها الطغاة المتجبرون؟ نعم.

أم المفكرون والمثقفون والأدباء والشعراء والكتَّاب الذين انساقوا وراء مدارس الغرب ومذاهبه، وتشبَّعوا بها، واستحسنوا منها ما لا يقبله دينهم، وسعوا إلى نشرها في بلادهم، وأصبحوا سفراء فوق العادة لثقافة الغرب وفكره وأدبه وفنِّه في أوطانهم؟ نعم.

أم أصحاب الفنّ الذين كشفوا أستار الصبايا، الكاسيات العاريات وأطلقوا عليهن نجمات الفنّ، كما ولمِّعوا وجوه المنحرفين المسكونين بالميوعة والاسترخاء وأطلقوا عليهم نجوم الفن؟ نعم.

أم أرباب البيوت الأسر وولاة أمرها من الآباء والأمهات الذين وضعوا بيوتهم وأولادهم في مهب العواصف الجارفة من مجلات ماجنة، وقنوات فضائية خليعة، وأقراص مدمجة وغير مدمجة، ومواقع على الشبكة العنكبوتية تحمل من الشر مالا يواجهه أصحاب العقول الراجحة, فكيف بالمراهقين والأطفال؟ نعم.

أم العلماء والمفكرون المتنطِّعون المتزمِّتون الذين لا يرون أبعد من امتداد أذرعتهم، ويحسبون أنهم يعيشون في عصر الحياء، والحشمة، والوقار،الذي عاش فيه آباؤهم وأجدادهم؟ نعم.

الكل قد أخطأ، وارتكب من الأخطاء ما يناسب موقعه ومسؤوليته وليس من المصلحة الآن استعادة تلك الأخطاء، والانشغال بها عن الواقع الذي نعيشه بكل ما فيه من مفاجآت سريعة لا تخطر على بال.

وهنا تبرز لنا لوحة ((بشروا ولا تنفروا)) ورديفتُها ((يسِّروا ولا تعسِّروا)) وهما لوحتان متآلفتان واردتان في حديث أخرجه أبو داود عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - لوحتان جديرتان بتعليقهما في كل حائط حتى تراهما عيون التائهين، المضطربين، والخائفين.

كٌّلنا الآن نحتاج إلى البصيرة الوعي، ولن يتأتّيا لنا إلا بالعودة الصحيحة لمنابع الخير في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كلنا محتاجون إلى الرفق الذي قال عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من يُحرَمِ الرفقَ يحرمِ الخيرَ كلَّه)).

لأن الرِّفق، والتأنِّي، وسلامة التفكير تتيح لنا مجالاً واسعاً لمعرفة حقيقة ما يجري حتى نحسن التعامل من الأحداث.

نداءٌ يصل صداه إلى الجميع ((بشِّروا ولا تّنفروا)).

 

إشارة:

نحن في حاجةٍ, إلى وحدة الصفِ كما احتاج للدواء المريضُ.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply