هوان الجبابرة على الجبار ونهايتهم على يد الفتية الصغار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن سنة الله  - تعالى -  في الرسل والرسالات وكذلك من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين من الدعاة العاملين ، أن يجعل لهم عدواً من المجرمين \" وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ, عَدُوًّا مِّنَ المُجرِمِينَ\"، وكان أبو جهل هو عدو رسول الله كما قال ابن عباس في تفسير هذه الآية، يحاربونهم بشتى الطرق (الإخراج – التصفية الجسدية – المحاربة في الرزق – الاستهزاء والسخرية –السجن – الضرب ….. وغيرها)، وقد يطول ذلك، مما قد يؤثر على بعض الشباب ويصيبهم باليأس والإحباط من التغيير المنشود. ولنسأل أنفسنا. هل الله مجافي أهل الحق؟ وهل - سبحانه وتعالى - محب للمجرمين؟ - حاشا له - سبحانه - ذلك ولكن من حكمة ذلك:

 

1 - إن الله يمهل هؤلاء ويستدرجهم حتى لا يكون لهم حظاً في الآخرة.

2 - ويبتلي المؤمنين ليعلم الخبيث من الطيب.

 

 ومن صور هوان المتكبرين المجرمين على الله ما يأتي:

أولاً: هوانهم على الله في الدنيا: (نهايتهم على يد الفتية الصغار).

 

1 - نهاية جالوت الجبار الغشوم: (و قتل داود جالوت).

ودواد كان فتى صغيراً من بني اسرائيل. وجالوت كان ملكاً قوياً وقائداً مخوفاً، ولكن الله شاء أن يري القوم وقتذاك أن الأمور لا تجري بظواهرها، إنما تجري بحقائقها. وحقائقها يعلمها هو - سبحانه وتعالى - ومقاديرها في يده وحده، فليس عليهم إلا أن ينهضوا هم بواجبهم، ويفوا الله بعهدهم، ثم يكون ما يريده الله بالشكل الذي يريده. وقد أراد أن يجعل مصرع هذا الجبار الغشوم على يد هذا الفتى الصغير، ليري الناس أن الجبابرة ضعاف ضعاف يغلبهم الفتية الصغار حين يشاء الله أن يقتلهم \".

 

2 - نهاية أبي جهل (فرعون هذه الأمة):

عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم ما حاجتك إليه يا بن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس قلت ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه فقال أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح.

 

وهكذا تبلغ محبة الفتيان لرسول الله إلى بذل النفس في سبيل الانتقام مما تعرض له بالأذى.

\"ويشاء الله - تعالى - أن يكون الذي يقضي على آخر رمق من حياة - أبي جهل - هو أحد المستضعفين - عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - \"فالله - تعالى - لم يعجل لهذا الخبيث - أبي جهل - بضربات الأبطال من أشبال الأنصار ولكنه أبقاه مصروعاً في حالة من الإدراك والوعي ليريه بعين بصره ما بلغه من المهانة والذل والخذلان على يد من كان يستضعفه ويؤذيه ويضطهده بمكة، فيعلو على صدره ويدوسه بقدميه، ويقبض على لحيته تحقيراً له، ويقرِعه تقريعاً يبلغ من نفسه مجمع غروره واستكباره في الأرض، ويستل سيفه إمعاناً في البطش به فيقتله به … ويمعن في إغاظته بإخباره أن النصر عقد بناصية جند الله وكتيبة الله الإسلام، وأن شنار الهزيمة النكراء وعارها وخزيها وخذلانها قد رزئت به كتائب الغرور الأجوف في حشود النفير الذي قاده هذا الكفور الخبيث\".

 

3 - نهاية كليبر رئيس أركان القوات الفرنسية:

سليمان الحلبي، (1777 - 1800): طالب سوري شارك في الثورة المصرية ضد الفرنسيين أيام حملة نابليون واستشهد فيها. ولد في قرية عفرين شمال غرب حلب. سافر إلى القاهرة للدراسة في الأزهر عام 1797، وكان هناك حينما غزت البلاد الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت وشارك في أعمال المقاومة للاحتلال الفرنسي. في 14 حزيران (يونيو) 1800 تبع الجنرال كليبر، رئيس أركان القوات الفرنسية، وطعنه فأرداه قتيلاً قبل أن يلوذ بالهرب، وبذلك انهارت الحملة الفرنسية بعد مقتل قائدها، ونكسرت الحملة وتجرأ عليها الناس، ففاوضت على الخروج وخرجت مدحورة مهزومة واحتفل الأزهر بهذا النصر. ألقي القبض عليه بعد يومين وأعدم في القاهرة بطريقة وحشية. نقل الفرنسيون جثته إلى فرنسا، وعرضت جمجمته لطلاب الطب في باريس على أن شكلها يدل على \"الإجرام والتطرف\". نقلت الجمجمة بعد ذلك إلى \"متحف الإنسان\" في باريس ولا تزال هناك.

 

ثانيا: هوانهم على الله في الآخرة:

أولا: ً دلائل ذلك من كتاب الله:

 

1 - يبدأ بالأكبر جرماً:

(ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا).

قال مجاهد في قوله \"ثم لننزعن من كل شيعة\" يعني من كل أمة.

وعن ابن مسعود قال: يحبس الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أتاهم جميعا ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرما.

 وقال قتادة: \"ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر\".

 

ثانياً: ً دلائل ذلك من سنة رسول الله:

1 - أُثرت النار بالمتكبرين والمتجبرين:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:” تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم قال الله تبارك وتعالى للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا”.

 

2 - يحشرون على أمثال الذر:

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:\"يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال\". قال الترمذي: حسن صحيح

 

إضاءات تربوية:

1 - الدعاء بصلاح الولد:

و هذا دأب الأنبياء فلقد دعا إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام -º حيث قال: {وَاجنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ} [إبراهيم:35] وقال: {رَبِّ هَب لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، وقال:{رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:40]، وقال: وهو وإسماعيل {رَبَّنَا وَاجعَلنَا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ} [البقرة:128].

 وكما دعا زكريا عليها السلام حيث قال: {رَبِّ هَب لِي مِن لَدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدٌّعَاءِ} [آل عمران:38] هذه دعوات الأنبياء لأولادهم فاقتدوا بهم في ذلك.

2 - إن الولد الصالح ينفع والده حيا وميتا، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له \" رواه مسلم.

 

3 - تأديب الولد: قال المناوي \"لأن يؤدب الرجل ولده عندما يبلغ من السن والعقل مبلغاً يحتمل ذلك بأن ينشئه على أخلاق صلحاء المؤمنين ويصونه عن مخالطة المفسدين ويعلمه القرآن والأدب ولسان العرب ويسمعه السنن وأقاويل السلف ويعلمه من أحكام الدين ما لا غنى عنه ويهدده ثم يضربه على نحو الصلاة وغير ذلك: خير له من أن يتصدق بصاعº لأنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها، وهذا يدوم بدوام الولد والأدب غذاء النفوس وتربيتها للآخرة {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} التحريم / 6.

فوقايتك نفسك وولدك منها أن تعظها وتزجرها بورودها النار وتقيم أودهم بأنواع التأديب فمن الأدب الموعظة والوعيد والتهديد والضرب والحبس والعطية والنوال والبر فتأديب النفس الزكية الكريمة غير تأديب النفس الكريهة اللئيمة\".

 

4 - إن الله - عز وجل - مهلك الجبابرة لا محالة، وهذه سنة الله فيهم \"ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلاً، ولأن ظفروا في بعض المعارك فهذا ليس دليلاً على حب الله لهم ولكنه استدراج حتى لا يكون لهم حظًُُُُ في الآخرة \" يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة.

 

5 - علينا الاطمئنان إلى أقدار الله، وأداء واجبنا نحو ديننا كما أمرنا ربنا، والنصر آت لا محالة، ولكن عندما نكون نحن أمناء عليه،فسوف يمنحه الله لنا.

 

6 - علينا أن نعلم أننا ستار لقدر الله \" أنتم ستار القدرة وتأخذوا الأُجرة \".

 

7 - أن الله - عز وجل - يمنُ على المستضعفين ويمكن لهم، بعد أن قدموا أموالهم وأرواحهم رخيصة في سبيل هذا الدين قال - تعالى -: \"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين \". ولقد قرأنا ورأينا صدق ذلك.

 

8 - علينا أن نصنع لنا دوراً في الحياة لخدمة هذا الدين ونوظف ما منا الله به علينا من قدرات ومهارات وطاقات وإبداعات لنصرته.

 

9 - علينا أن نصنع لأنفسنا الموتة العزيزة الكريمة.

 \"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً \"…آمين

و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply