حروف من خبر الوقت والحياة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الذي عِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ, إِلَّا يَعلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ, فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ, وَلا يَابِسٍ, إِلَّا فِي كِتَابٍ, مُبِينٍ,. والصلاة والسلام على رسول الله القائل من فيه الطاهر الشريف: (نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ).

ورضي الله عن الصحابة كلهم أجمعين، قال منهم فاروق مبارك: (إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا\"أي فارغا\"لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة).

وأرض اللهم عن التابعين جميعا، يبرز منهم حسن بصري يخبرنا بتجربته فيقول: (أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه).

ثم الرضا على علماء أتوا من بعدهم بأقباس من الهدى والنور، منهم ابن حجر، ذلك الموسوعة النبيل بين العلماء إلى يوم الدين، يقول لنا في تفسير حديث (نِعمَتـَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ الصِّحَّة ُ وَالفَرَاغ).

يقول - رحمه الله - : (وأشار بقوله:\"كَثِيرٌ مِن النَّاسِ\"إلى أن الذي يوفق لذلك قليل.

وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم.

وكما قيل:

يسر الفتى طول السلامة والبقا **** فكيف ترى طول السلامة يفعل

 

يـرد الفتى بعد اعتدال وصحة **** يـنـوء إذا رام الـقيـام ويـحـمـل

 

وهو القرضاوي - حفظه الله - ينقل لنا عن حكيم حِكمة فيقول: من أمضى يوماً من عمره. في غير حق ٍ, قضاه. أو فرض أداه. أو مجلد أثله\"أي ورثه\". أو حمد حصله. أو خير أسسه. أو علم اقتبسه. فقد عق يومه. وظلم نفسه!.

ثم أما بعدُ:

لي شعارات عدة في حياتي وكتاباتي من بينها:

ما نكون في شأن من شؤون الدعوة ولا نكتب في أمر من أمورها إلا كان القرآن رائدنا.. ذلك بأن القرآن هو دستور الدعوة ومصدر هدايتها ومائدة الله لعباده المؤمنين.. ونوره المنزل من عنده على رسوله الأمين.. وما تكلم متكلم ولا دعا داعي إلى الربانيةº بأحسن من الدعوة إلى مصدر هذه الربانية التي ننشد وأساسها الذي تُبنى عليهº كلام ربنا - عز وجل - القرآن العظيم الذي منه أخذنا نسب الربانيين، وعلينا أن نعيش حول مائدة الرحمن إن أردنا تناوش الربانية من مكان قريب وما أمر قضية الوقت في حياة المسلمة والمسلم إلا شأن من هذه الشئون، وفي جولة في آيات الله المسطورة، التي تتحدث عن آيات الله المنظور، أجد من المهم أن أبدأ بسرد كلام الرب الحكيم المنان.

قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ الَّتِي تَجرِي فِي البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَاءٍ, فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ, وَتَصرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَعقِلُونَ) (البقرة:164).

 2. (تُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ وَتُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ,) (آل عمران:27).

 3. (إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ, لِأُولِي الأَلبَابِ) (آل عمران:190). 4.

(فَالِقُ الإِصبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَناً وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ حُسبَاناً ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ) (الأنعام:96). 5.

 

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ, ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهَارَ يَطلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنٌّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ, بِأَمرِهِ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبٌّ العَالَمِينَ) (لأعراف:54). 6.

 

(إِنَّ فِي اختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَتَّقُونَ) (يونس:6). 7.

 

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَسمَعُونَ) (يونس:67). 8.

 

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود:114). 9. (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوجَينِ اثنَينِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد:3). 10. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمسَ وَالقَمَرَ دَائِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ) (ابراهيم:33). 11. (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنٌّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَعقِلُونَ) (النحل:12). 12. (وَجَعَلنَا اللَّيلَ وَالنَّهَارَ آيَتَينِ فَمَحَونَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبصِرَةً لِتَبتَغُوا فَضلاً مِن رَبِّكُم وَلِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ وَكُلَّ شَيءٍ, فَصَّلنَاهُ تَفصِيلاً) (الاسراء:12). 13. (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً) (الاسراء:78). 14. (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبعَثَكَ رَبٌّكَ مَقَاماً مَحمُوداً) (الاسراء:79). 15. (فَاصبِر عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرضَى) (طـه:130). 16. (يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ لا يَفتُرُونَ) (الانبياء:20). 17. (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلُّ فِي فَلَكٍ, يَسبَحُونَ) (الانبياء:33). 18.

(وَهُوَ الَّذِي يُحيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اختِلافُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعقِلُونَ) (المؤمنون:80). 19.

 

(يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأَبصَارِ) (النور:44). 20.

 

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِبَاساً وَالنَّومَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً) (الفرقان:47). 21.

 

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلفَةً لِمَن أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شُكُوراً) (الفرقان:62). 22.

 

(أَلَم يَرَوا أَنَّا جَعَلنَا اللَّيلَ لِيَسكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ) (النمل:86). 23.

 

(قُل أَرَأَيتُم إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيكُمُ اللَّيلَ سَرمَداً إِلَى يَومِ القِيَامَةِ مَن إِلَهٌ غَيرُ اللَّهِ يَأتِيكُم بِضِيَاءٍ, أَفَلا تَسمَعُونَ) (القصص:71). 24.

 

(وَمِن رَحمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ) (القصص:73). 25.

 

(أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ وَسَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلُّ يَجرِي إِلَى أَجَلٍ, مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ) (لقمان:29). 26.

 

(لا الشَّمسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدرِكَ القَمَرَ وَلا اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلُّ فِي فَلَكٍ, يَسبَحُونَ) (يّـس:40). 27.

 

(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ بِالحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيلِ وَسَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلُّ يَجرِي لِأَجَلٍ, مُسَمّىً أَلا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ) (الزمر:5). 28.

 

(أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ) (الزمر:9). 29.

 

(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضلٍ, عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَشكُرُونَ) (غافر:61). 30.

 

(يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ) (الحديد:6). 31.

 

(وَجَعَلنَا اللَّيلَ لِبَاساً) (النبأ:10).

 

هذا بعض ٌ من خبر الوقت في القرآن الكريم، إذ الليل والنهار آيتين من آيات الله، يشكلان ظاهرة الوقت في الحياة، ولو تأملنا ما ختمت به كل آية من هذه الآيات البينات، لوقفنا على حقيقة، على كل من يهمه أمر وقته، أو أمر عمره، وهو أمر حياته، حريٌ أن يتأمل فيها ساعات عددا.

 

و الآيات مرتبة هنا على حسب ورودها في ترتيب المصحف الشريف:

لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَعقِلُونَ •

وَتَرزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ, •

لَآياتٍ, لِأُولِي الأَلبَابِ •

ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ •

تَبَارَكَ اللَّهُ رَبٌّ العَالَمِينَ •

لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَتَّقُونَ •

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَسمَعُونَ •

ذَلِكَ ذِكرَى لِلذَّاكِرِينَ •

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ •

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ •

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يَعقِلُونَ •

وَلِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ وَكُلَّ شَيءٍ, فَصَّلنَاهُ تَفصِيلاً •

إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً •

عَسَى أَن يَبعَثَكَ رَبٌّكَ مَقَاماً مَحمُوداً •

وَمِن آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرضَى •

لا يَفتُرُونَ •

كُلُّ فِي فَلَكٍ, يَسبَحُونَ •

أَفَلا تَعقِلُونَ •

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأَبصَارِ •

جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِبَاساً وَالنَّومَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً •

خِلفَةً لِمَن أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شُكُوراً •

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ •

أَفَلا تَسمَعُونَ •

وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ •

وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ •

وَكُلُّ فِي فَلَكٍ, يَسبَحُونَ •

كُلُّ يَجرِي لِأَجَلٍ, مُسَمّىً أَلا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ •

إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ •

وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَشكُرُونَ •

وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ •

وَجَعَلنَا اللَّيلَ لِبَاساً

 

نستخرج منها المعان التالية كأسس لعلاج (قضية الوقت) أو بالأحرى (قضية العمر):

1/ إن مسألة إدراك قيمة الوقت في الحياة، وفي بناء النفس، وتحقيق الأهداف، لا يستوعبها ويفهمها ويعمل بها إلا قليل من الناس، ذكرت الآيات أوصافهم: (لِقَومٍ, يَعقِلُونَ، لِأُولِي الأَلبَابِ، لِقَومٍ, يَتَّقُونَ، لِقَومٍ, يَسمَعُونَ، ذِكرَى لِلذَّاكِرِينَ، لِقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ، لِقَومٍ, يَعقِلُونَ، أَفَلا تَعقِلُونَ، لِأُولِي الأَبصَارِ، لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ، أَفَلا تَسمَعُونَ، أُولُو الأَلبَابِ)...

 

فأصحاب العقول الناضجة التي تدرك أمرها، وتستوعب الزمان بأدواره الثلاث\"الماضي والحاضر والمستقبل\"وتعمل فيها، كلٌ حسب وقته، وكلٌ حسب مستلزمات العقل فيه، هم أولي الألباب، فتكون الاستفادة من ماض بعمق وتحليل ووقوف وتأمل، والتقاط العبـِـر، حتى يمسي ذلك الماضي بعبره ودروسه ووقفاته وما فيه من إيجابيات، وسلبيات إيجابية!، جزءاً من كيان المرء ووعيه. وفي حجم القصص القرآني الذي يصل إلى ثلث الكتاب المبين، معنى فصيح في خبر الاتعاض بماض ووقوف عليه: (لَقـَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَة ٌ لِأُولِي الأَلبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفتـَرَى وَلَكِن تـَصدِيقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتـَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ, وَهُدىً وَرَحمَة ً لِقـَومٍ, يُؤمِنُونَ) (يوسف:111)

 

فالوقوف والاعتبار يكون هدى في كل شي، ويكون رحمة متسعة لكل شي، إذ قلب المؤمن وعاء لهما، فيكون منه التحرك الناضج بالاستفادة من تلك الخبرات المتراكمة، وتفعيلها في حاضره، بنور من اللهº نور السماوات والأرض، فتتشابك الخبرة التاريخية مع الهمة والنضج الواقعي الحاضر، لينتجا وعيا بمستقبل، ومآلات الأمور، أولئك: على الحقيقة هم المتقون، إذ الرب يقول: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ, وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تـَعمَلُونَ) (الحشر:18).

 

ونظر النفس للغد يعني في العلم الحديث أن يكون له خطة، وأن يسير أموره بإدارة ووعي، و\"مَا قَدَّمَت لِغَدٍ,\"تعني الغد البعيد القريبº اليوم الآخر، وتعني الغد القريب القريب الذي بعد هذه الليلة، مثلا بمثل، فإن توفر العقل والتقوى (لِقـَومٍ, يَعقِلُونَ، لِأُولِي الأَلبَابِ، لِقـَومٍ, يَتَّقُونَ)، فالسماع الواعي من القلب (لِقـَومٍ, يَسمَعُونَ) فتكون التذكرة، (ذِكرَى لِلذَّاكِرِينَ)، فالتحرك الواعي ثمَ، (لِقـَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ) لتدارك العمر، ويكون العمل على بصيرة، (لِأُولِي الأَبصَارِ) وما البصيرة إلا عمل ببينة ووضوح.

 

وما ذاك إلا تخطيط وإدارة ووعي بالحياة وإدراك لأهمية الوقت فيها، وهو الإيمان الذي يحرك المؤمن والمؤمنة في القلب، ويحثه على أن يكون كريما في كل شي، إلا في وقته، فيمسكه بيده، وينفق منه على بينة من أمره، وهو فقه سماع آيات الله المنظورة والمسطورة هي التي تدفع لذلك، بذا نكون من أولي الألباب الذين:

يسمعون....

فيعقلون....

فيؤمنون....

فيتقون....

ويتفكرون....

فيذكرون....

(كونهم يعقلون)!

وكم يحرم المرء من خير كبير، وفقه عالي الجناب، إذ يغفل عن ذلك، وما نراه من تخبط في عرصات الحياة، إلا نتاج طبيعي لقلة وعي، وضمور نضج، كان سهل التناوش من كتاب كريم.

 

2/ إن انسجام المؤمن مع الكون الذي هو جزء منه، والكون مسخر له، وهو والكون مخلوقان من مخلوقات الله - تعالى - فلا تـصـدام بـيـن نواميس الكون، إن أراد الإنسان الإستفادة من وقته: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ، وَلِتـَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ وَكُلَّ شَيءٍ, فَصَّلنَاهُ تـَفصِيلاً، كُلُّ فِي فَلَكٍ, يَسبَحُونَ، جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِبَاساً وَالنَّومَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً، وَكُلُّ فِي فَلَكٍ, يَسبَحُونَ)..

 

فالوقت مسخر لنا، بدقة وحساب رباني، وبشكل مفصل و موزون، وكل الكون يسبح في خطة وفلك ُرسم له، في أدوار واضحة محددة، تتوافق و ُسنة الخلق في الكون، وفي الإنسان، فالليل للراحة، فيه النوم والهدوء، والنهار للحركة والنشور، وكلٌ يجب أن يكون له فلك، ورسم يجري فيه، ومحور يتحرك عليه، مثله كمثل أي كوكب مضيء سيار، إذ هو مضاء بنور الله، ويسير على هدي مبارك، حدائه صراط مستقيم.

 

إن تبلد العديد من الدعاة في مسألة صناعة الأفلاك، ورسم المدارات، سواء على الصعيد الشخصي أو الدعوي، لهو ضرب من ضروب تضييع الوقت، في كبت لفطرة الله في النفس، وسنة الله في الكون، وتصادم مع خلق الله البديع، وما أمر الأمم المسيطرة اليوم على الدنيا إلا أمرٌ بيّن ظاهر للعيان، إذ هم تعبوا في اكتشافها من خلال الكتاب المنظور، وما أودع الله فيه من سنن، هي لمن اكتشفها، وهي بين يدي المؤمن في كتاب الله المسطور، لكنه غفل وابتعد، فحقت عليه سنة الله الماضية أن: (لا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ).

 

3/ إن الله يمن على هذا العبد إن هو أدرك هذه النعمة الكبيرة، يمن عليه بأن، يستشعرها، ويتذوقها، ويحس بها تسري في جسده قبل وقته: (وَتـَرزُقُ مَن تـَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ,، ذَلِكَ تـَقــدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ، تـَبَارَكَ اللَّهُ رَبٌّ العَالَمِينَ، إِنَّ قـُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً، عَسَى أَن يَبعَثَكَ رَبٌّكَ مَقـَاماً مَحمُوداً، وَمِن آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تـَرضَى، وَلَعَلَّكُم تـَشكُرُونَ، أَلا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ، وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تـَعمَلُونَ خَبِيرٌ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ)...

 

فهو الرزق الوفير من عند من يملك خزائن السماوات والأرض، وليس هو المال الرزق فحسب، بل الرزق معنى كبيرº منه رزق راحة البال، والشعور بالسعادة، وتحقيق الأهداف، والإنجازات، وهو رزق بغير حساب، مفتوح العدد والنوع والكم.

 

وهي العزة تسري في روح المؤمن بهذا الفقه لحركة الكون، وحركته فيه، وهو العلم يستمده من العليم سبحانه، فما شرف الوقت إلا بالعلم، وما أدركنا قيمة الوقت إلا بالعلم، وهو فتح من العليم سبحانه.

 

ثم هي البركة تزرع في العمر، فيكون الوقت الضيق مباركا، تقضى فيه أعمالا ً كثيرة، وتطوى فيه الأوقات حتى يقضي المؤمن وطره منها، فيكون الخير، ويكون تنوع العمل، والإكثار، و إن نحن إلا في مزرعة، نريد الحصاد عند مليك مقتدر، ويكون مع الولادة اليومية نوع من زغاريد أهل الإيمان، فيكون شهود للمؤمن مع كلام الله، يترنم مع أصوات الكائنات الفرحة، كأنه فرح بمولود جديد، هو يوم مبارك يعلو فيه صوته مع تنفس الصباح، فيكون نفـَسه القرآني مع نفـَس الصباح الرباني، ويشرق الخير، وينشرح الصدر، فيكون ثم َ الشكر لله - تعالى - في كل عمل، ويكون تذكر العزة لله، فالعمل الدائم بما يرضيه، ويقرب العبد منه، وهو الله الغفار عن تقصير، وزلل، وهفوات، تبدر من مؤمن حريص، أدرك فقه الوقت، وعمل، وجاهد، فأستغفر، واستشعر أن الله يخبر أمره، ويدرك ما يفعل، فلا يتحجج بكسل وفتور، إذ الرب عليم بذات الصدور.

 

هذه أسس ٌ ومنطلقات ربانية في مسألة الوقت والحياة والعمر، وأنا أزعم أن الأوقات التي تنفق في إعداد الدعاة، لسنوات، وتعلمهم الكثير من المعلومات الثقافية، أزعم أنها لو أنفقت على ترسيخ هذا المبدأ الكبير، الذي يغفل عنه الكثير من الناس، لكان أولى وأجدى، إذ به يكون الفلاح بعده ويكون الإنتاج أوفر وأعمق وأطول وأنضج وأجمل وأرقى، وما نحن إلا خلفاء لله في أرضه، وورثة الأنبياء في علمهم.

 

إن الكثير من الدعاة، وعامة أهل الإسلام، لا يدركون قيمة الوقت في حياة أمتهم، وإن حدث منهم بعض وعي فتراه مشوشاً غير متضح المعالم، في ترتيب أولوياته، أو إبراز أولياته، فتجد وعيا بقيمة الوقت، ولا تجد فهما لاستغلاله كما يجب.

 

فإن أدرت معي بعض معان سطرتها، ورأيت فيها مزيد وعي ونضج ـ من خلال تدبر لكلام الله، واستخراج ما فيه من كنوز ـ فسبّح معي ربنا هادياً، واضرب لي معك سهما من سهام دعائك المبارك، ثم صل معي على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply