ودع القافلة تسير..


بسم الله الرحمن الرحيم

 

« الدعاة إلى الله » وسامٌ ناله أولئك الذين آثروا مقتضيات دعوتهم على حظوظ أنفسهم فتبوءوا عند الله مكاناً علياً.. {مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً}.

 

« الدعاة إلى الله » مصابيح هدىً تجردوا من رواسب الحياة الدنيا، فحلقوا بأرواحهم في الأجواء حتى أضاءوا الحياة بشذى عطرهم، فاهتدى بنورهم الحائرون، وسكن بهديهم المترددون.

 

و\"الدعوة إلى الله » ليست مجرد وعظٍ, للناس وتذكير بفضائل الإسلام وآدابه فحسب، بل هي حركة علمية وعملية تتميز في مبادئها وأهدافها ومصادرها، وترتكز على أسس وقواعد علمية مدروسة، وتنضبط بضوابط شرعية محددة.

 

الدعوة بحاجة إلى من يفعّلها ويجعلها واقعاً ملموساً في حياة الناس ومعيشتهم، وهي بحاجة إلى دعاة يحسنون عرض أفكار الإسلام ومبادئه بأسلوب شيق جذاب.. يؤثرون ولا ينفِّرون، ويوضِّحون ولا يعقّّدون، ويحسنون ولا يسيئون، وسيل الدعوة العرمرم ما ترك من ضلالة إلا وحوّلها رحمة وهداية للعالمين.

 

فما أجمل أن تتسع مدراك الدعاة وفكرهم تجاه الأنام على اختلاف مآربهم ومشاربهم!

وما أجمل أن يستوعبوا من ضاقت صدورهم عن منهج الله! كأنهم يصعدون في السماءº ليجد الضالون والشاردون فيهم ضالتهم المنشودة، وأنشودتهم المفقودة.

 

احتياجات للدعاة:

هذه بعض الاحتياجات التي تنقص بعض الدعاةº والتي بدورها تدفعهم قُدماً تجاه تفعيل الدعوة تفعيلاً إيجابياً:

1- الداعية قدوة، وهذه القدوة لا تتجسد في القيم الوضعية التي تعارف عليها أهل مجتمعه، وإنما يمضي على خطى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في التعليم والتبليغ والهداية والتزكية {لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ}.

فهذا العمل، وهذه الترجمة الواقعية الحية المؤثرة لعلم الأنبياء والعلماء هو الهدف الذي من أجله أمر الله  - سبحانه و تعالى - بالتعلم.

 

فلم يأمر به لنكون أوعية له فقطº وإنما لنكون به انهاراً تفيض بالخير، فالناس يسمعون بالنهر وعظيم أمنياتهم لو جاوروهº لما فيه من أسباب الحياة بكامل صورها.

 

فإن كان الدعاة أنهاراً تجري بالخير اهتزت قلوب الناس وربت وأنبتت من كل شيء بهيج، وإلا كانت الطامة الكبرى..

 

إن في الناس أوجهاً لامعات **** تملأ العين زهرة ورواء

 

 

 

ويراها البصير صورة زهر **** لم تهبها الحياة عطراً وماءً

 

2- عدم تغليب الاهتمامات – الإدارية والعلمية وما شابهها – على الاهتمامات الإيمانية التربوية.

التربية الإيمانية التي تجعل من الفرد عملاقاً شامخاً، يرتفع ببصره، ويعلو بأمله، ويسمو بواقعه فوق هذه الدنيا التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة.

وضعف التربية الإيمانية يعني ضعف المسيرة الدعوية وتراجع أثر وتأثير الداعية في الناس، وبالتالي انحسار النشاط الدعوي.

 

3- تفعيل معاني الأخوة ودلالاتها وسماتها، فهناك علل وخلفيات سلبية عديدة تقف وراء ضعف الروابط الأخوية وذبول المحبة في الله - تعالى -.

وقد قرر الله - سبحانه وتعالى - هذا المبدأ في القرآن الكريم بقوله: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ}º فهذا رابط يجب أن يستشعره كل من اتصف بصفة الإيمان وتمتع بعقيدة الإسلام نحو بقية المسلمينº رابط يستجيش عاطفته الدفاقة تجاه إخوانه المؤمنين في كل عصر ومصر بكل ما تحمله كلمة الأخوة من سلامة صدر ونقاء سريرة، وما يتبعه ـ بالضرورة ـ من محبة وانسجام ورحمة ووئام، وما يقتضيه من إغاثة عند العوز، وإعانة عند الحاجة، وتفريج همٍّ, عند الضرورة.

وأول أمر قام به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلي المدينة - بعد بناء المسجد - هو مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، إذ بهذه المؤاخاة شدت لبنات المجتمع الإسلامي إلي بعضها البعض، وارتفع صرح الجماعة الإسلامية عالياً متيناً فاستعصى على محاولات الهدم والتخريب التي سعى بها يهود المدينة وأعوانهم من المنافقين والمرجفين، وقد ضربوا في ذلك أروع الأمثلة مما تفيض به كتب التاريخ، وتزدان به مصنفات التراجم والسير.

 

4- كلما اتسعت المسافة بين وضعية الداعية وشخصيته وبين ما هو مختزن في نفوس المدعوين عنه علت مكانته في نفوسهم. وهذا بطبيعة الحال يتطلب من الداعية مزيد من العطاء العلمي والتربوي لذاته.

 

وفي التجديد.. إبداع:

هناك أمور يمكن إدراجها ضمن التخطيط الدعوي لمستقبل دعوي ناجح، وتساعد على نجاح الداعية إلى حدٍ, بعيد في مجالات الدعوة، وتحقق له الإثمار، وتمنحه القدرة على التأثير والتفاعل والإيغال بمبادئه وأفكاره في كل وسط وعلى كل صعيد. ومن هذه الوسائل:

1- تأمين بدائل دعوية وتربوية للمدعوين مضارعة في رونقها وجاذبيتها ومظهرها، هادفة وبنّاءة في مادتها ومضمونها.

وهذا التنظيم الإبداعي في هذه البدائل يقتضي انشغال المدعوين بأعمال وبرامج إيجابية يخصصوا لها معظم أوقات فراغهم، وبذلك لا تذهب الطاقات والأوقات في تلبية حاجات طارئة فرضتها الظروف المعيشية أو الاجتماعية أو أعمال تافهة تجعلهم لا ينتجون أي شيء ذي قيمةº مع أن كثيرين منهم قادرون على إنجاز أشياء عظيمة.

 

2- استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لتسجيل تلك الخبرات والتجارب وحفظها بين أجيال الدعاة، سواء كان ذلك عن طريق الوسائل المسموعة أو المرئية أو المقروءة، واستكتاب الأساتذة والعلماء والدعاةº ليسجّلوا لنا هذه العلوم والخبرات والتجارب، فيصبح لدينا رصيدٌ من الأفلام والكتب والأشرطة والأقراص المرنة التي نستطيع استخدامها بسهولةٍ, في أيِّ وقتٍ, وفي أي مكانٍ, بسهولة، مهما كانت طبيعة الوقت والمكان.

إن هذه الوسائل بطبيعة الحال لن تغني عن المعايشة اللصيقة، ولكن\"مالا يُدرك كلّه لا يُترك جُلٌّه\"، إننا في السنوات القليلة الماضية فقدنا كثيراً من العلماء والدعاة، تخطَّفهم الموت من بين أيدينا – نسأل الله أن يبارك في أعمار البقية – فلِمَ لا ننتهز فرصة وجود البقية، ونقوم بإجراء الأحاديث معهم واللقاءات، وحثهم على استرجاع ذكرياتهم، وكتابة مذكراتهم، وتسجيل كلّ هذاº ليكون في متناول الأجيال القادمةº فيظلّ هؤلاء العلماء والدعاة بيننا دائماً بخبراتهم وتجاربهم، وإن غابوا عنّا بأجسادهم.

 

3- اكتشاف المواهب القيادة - أو قل إن شئت الدعوية والتربوية – وهم أولئك الذين يتصفون بصفاتٍ, خُلُقية متميزة، فإذا ما قُدِّر لهم أن يتولوا مسؤوليات ما، نمت مواهبهم أكثر فأكثر.

وحين يحترم الدعاة هذا الإبداع من أولئك الموهوبين ويحفزوا عليهº فإنهم يوجدوا الأطر التي تخدم الدعوة وترعاها.. يظهر المبدعون، وتسري في الأمة حيوية جديدة.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply