حوار مع القلعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رأيت قلعة كبيرة وسط غابة من الأشجار، سرت إليها مستغرباً سبب وجودها.

وعندما اقتربت منها قالت لي: من أنت؟

قلت: أنا الداعية. فمن أنت؟!

القلعة: أن الدعوة.

 

قلت متسائلاً: وما علاقة القلعة بالدعوة؟

القلعة: أنا رمز من رموز الدعوةº لأن الدعاة يحتمون بدعوتهم ويرونها زاداً لهم على الثبات والنصر وكل هذه المعاني بي، فأنا قلعة الدعوة.

 

قلت: وهل ينتمي إليك الدعاة؟

القلعة: نعم إنهم كثيرون – ويبدو أنك جديد في مجال الدعوة، أليس كذلك؟

 

قلت متردداً: نعم هذا صحيح.

ثم تمالك الداعية نفسه وقال: أريد منك أن تصفي لي الداعية.

القلعة: إن الداعية مثله كمثل رجل رأى غابة تحترق بأشجارها، ورأى أناساً ينامون فيها فدخل إلى الغابة ليساعدهم على النجاة أنفسهم من النار، فمنهم من استجاب له وقفز معه ومنهم من ظل نائماً حتى تحرقه النار.

 

قلت: إنه لتشبيه جميل والله، هذا الذي أحاول أن أبثه في الناس فبعضهم يستجيب لي وبعضه يؤثر النوم، وبعض من يستجيب لي يعمل بعملي.

القلعة: نعم هذا ما أردت توضيحه.

 

قلت: ولكن بما أنك الدعوة فهل تنفعين من يلتزم بك وبمنهاجك؟

القلعة: بالطبع، و إلا ما كنت قلعة.

فأنا احمي الدعاة، واقف معهم، بل واشفع لهم كذلك إن كان عند الدعاة تقصير.

فانظر إلى موسى - عليه السلام -:

رمى الألواح فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها واخذ بلحية نبي مثله، وهو هارون - عليه السلام - وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمد - صلى الله عليه وسلم - ورفعه إليه، وربه يحتمل له ذلك ويحيه ويكرمه، لأنه قام لله - تعالى - تلك المقامات العظيمة في مقابلة اعدي عدو له، وصدع بأمره، وعالج أمته القبط وبني إسرائيل أشد المعالجة فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر.

وانظر إلى موسى - عليه السلام -:

حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى غاضب ربه مرة، فأخذه وسبحنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى.

فانظر أيها الداعية إلى فضل مقام الدعوة إلى الله - تعالى - وبركتها على موسى، وكيف أن الله قربه وأحبه على ما عنده من شدة في الحرص على حق ربه، فقد كان دائم الصدع بالحق والدعوة إلى الله - تعالى -.

الداعية:عن كلامك صحيح ومنطقي.. ولكني أشعر أني ضعيف فلا موهبة عندي ولا زيادة في العطاء والدعوة.

القلعة:لا تقل هذا الكلام. طالما أنا على قيد الحياة. فادخل في حماي والتزم مع الدعاة وسترى كيف تكون بعد ذلك.

ولهذا قال (عبد البديع صقر) - رحمة الله -: - {لا يصبح في الجماعة ضعفاء وأقوياء، وإنما يصبحون جميعاً عباداً لله وإخواناً، فالقوي في الجماعة المؤمنة، قوي لها، والضعيف فيها قوي بها}.

 

قلت: وهل يعني ذلك أني إذا دخلت بداخلك سأكون قوياً بك.

القلعة: نعم هذا صحيح.

ولكن ينبغي لك أن ترفع شعاراً في حياتك ولا تتخلى عنه أبداً، حتى أكون قلعة حقيقة في حياتك.

 

قلت: وما هذا الشعار؟

القلعة: هو قول الله - تعالى -:

{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صلحاً وقال إنني من المسلمين}.

 

قلت: وما معنى هذا الشعار؟

القلعة: أن تدعو الله - تعالى - دائماً: ومن الدعوة إلى الله تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله ومن الدعوة إلى الله، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله، وسنه رسوله، والحث على ذلك، بكل طريق موصل إليه.

فكل ذلك من مقامات الدعوة ومن مهام الدعاة.

 

قلت: ولكنها كثيرة على.

القلعة: لا تفعلها كلها في ساعة من نهار، ولكن احرص على فعلها في عمرك كله، فان لم تستطع فاعلم أنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ومن بلغ عن الله آية وعن النبي - صلى الله وعليه وسلم - حديثاً سمي داعية.

 

قلت: سأتحرك من اليوم لدعوة الناس إن شاء الله.

القلعة: إذا كنت ستبدأ فلا بد من سماع هذه الكلمة وهى إن: {حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الدين}.

*مجاملتهم بالقلب بكراهية باطلهم وجاهليتهم والعزم على نقلهم منها إلى الحق والإسلام.

*ومجاهدتهم باللسان بالتبليغ والبيان ورفض باطلهم.

*ومجاهدتهم باليد بالدفع والإزالة من طريق الهدى حين يعترضون بالقوة الباغية والبطش الغشوم.

 

قلت: وماذا تقصدين بالقلعة: أهي أنت؟ أم ماذا؟!

القلعة: اعني بها الجماعة الصالحة، والدعاة الرفقاء على الدرب، فإنهم يسلونك ويؤازرونك ويثبتونك على طريق الحق فهذه هي القلعة التي أنت تحاورها.

 

ثم انتبه الداعية من نومه، ووضع يده على عينيه يحركهما وهو يفكر: هل هذا الحوار حلم أم حقيقة؟ وهل هو خيال أم واقع؟

ثم فتح عينيه وتبين أنه كان في رؤيا مناميه فقال إنها رؤية والله لأنني جديد في الدعوة ويعلم الله ما أنا بحاجة إليه.

فسأنفذ وصايا القلعة حتى أدخل فيها واحتمي بحماها.

المصدر: كتاب حوارات دعوية

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply