ضوابط العمل النسوي الدعوي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فالدعوة إلى الله واجب على كل مسلم ومسلمة: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، وهي من العبودية لله - تعالى -: (لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم)، (فلذلك فادع واستقم كما أمرت)، (ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك).

 

والدعوة ليست محصورة في خطب ودروس لا يتصدى لها إلا العلماء كما قد يظن البعض، بل كل مسلمة تستطيع أن تكون داعية إلى الله بسلوكها وتعاملها مع مجتمعها، و بعلمها وهي تبلغ عن ربها ما علمت من دينه، وباحتسابها وهي تنهى عن منكر، أو تحث على فعل خير، وبكل ما تيسر لها من وسائل مشروعة، سواء أكانت وحدها في بيتها، أو عبر مؤسسة أو غير ذلك، في مكان عملها أو دراستها بل في العالم أجمع.

 

ولكن على المسلمة أن تراعي جملة من المسائل وأن تلتزم بعدة ضوابط حتى يثمر عملها، وتنال ثواب ربها.

 

وهناك ضوابط عامة، شرعية وسلوكية واجتماعية وغيرها تختلف باختلاف الأعمال الدعوية، منها ما يخص المسلمات دون المسلمين، ومنها ما يعم الجميع.

 

الضوابط الشرعية:

الإخلاص والصدق: فالله أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له، ومن ابتغى بعمله وجه الله بورك له فيه ورزق التوفيق، ومن عمل عملاً أشرك فيه مع الله غيره تركه وشركه.

 

الاتباع وترك الابتداع: فربنا - جل وعلا - قد أكمل لنا الدين، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ رسالة ربه، وكل عمل أحدث في الإسلام فهو رد كما في الحديث، وكل بدعة تميت سنة ولا شك.

 

العلم بالمسألة التي تدعو إليها ومعرفة الأدلة وفهمها: لأن مسائل الشرع لا تحتمل تغليب الظن والكلام بالرأي، (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).

 

الاستعانة بالله والتوكل عليه: وإدراك أن الصلاة وقيام الليل زاد الداعية، وأن الدعاء عبادة، وأن الفزع إلى الله ديدن المسلمة في كل صغيرة وكبيرة. فهذا أسوتنا - صلى الله عليه وسلم - في بدر نام أصحابه - رضي الله عنهم - وبقي - صلى الله عليه وسلم - يصلي تحت شجرة ويتضرع حتى أصبح.

 

جمع الشجاعة والخشوع لربه = ما أحسن المحراب في المحراب

 وأصبح الصبح ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي جاءوا منه- إلى الوادي قال: (اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة)، ومد يديه وجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، فمازال كذلك حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداؤه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله - عز وجل -: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين)

 

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، (ففروا إلى الله)º فإن الخير بيديه والأمر إليه، فاستعينوا به وتوكلوا عليه:

 

إليهº وإلا لا تشد الركائب ***ومنهº وإلا فالمؤمل خـائب

وفيهº وإلا فالرجاء مضيع ***وعنهº وإلا فالمحـدث كاذب

 

مراعاة الضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال:

من التزام للباس الشرعي، وعدم الخلوة، وعدم التحدث إلاّ بقدر الحاجة، وعلى المسلمة ألا تسافر بغير محرم، ولا تخرج بغير إذن وليها، فالغاية لا تبرر الوسيلة.

معرفة الثابت والمتغير في مسائل الشريعة: لكثرة الطوائف العاملة في حقل الدعوة، على المسلمة التمييز بين الثابت من الدين الذي لا يجوز الاختلاف فيه، وبين المتغير الذي يحل فيه الاجتهاد، ويسوغ الخلاف الناتج عنه، لتعرف مع من تتعامل وكيف.

 

*الضوابط السلوكية:

الالتزام بما تدعو إليه: فأول خطوة في طريق الدعوة وأول سبب لقبولها، أن تكون قدوة حسنة، وإلا كنت منفرة لا مبشرة. (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب! أفلا تعقلون؟).

 

الصبر: يستوجب معية الله - تعالى - (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين)، وهو وصية الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لما قرن أمره بتبليغ الدعوة بأمره بالصبر (يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولاتمنن تستكثر.ولربك فاصبر)، ووصيته لسائر المسلمين (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، وكذلك وصى به بني إسرائيل (واستعينوا بالصبر والصلاة). ولقمان - عليه السلام - جعله من عزم الأمور، مثل الصلاة والدعوة. والإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -ذكر أربع مسائل يجب على كل مسلم تعلمها:\"العلم والعمل والدعوة والصبر على الأذى فيها\".

 

الحكمة: وهي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي، فعلى الداعية إلى الله أن تراعي الوقت المناسب والمكان المناسب والموضوع المناسب. وأن تراعي المصالح والمفاسد، فدفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وعند تعارض المصلحتين ينظر في أعلاهما، وعند تعارض المفسدتين تدفع أعظمهما ضررا.

 

لين الجانب: وقد وصى الله بذلك أعظم الناس خلقا فقال: (فاعف عنهم واستغفر لهم)، وقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، بل حتى أهل الكتاب، قال - تعالى -: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)، فنفى واستثنى ليؤكد الأمر. والناس بطبعهم يقيمون الداعية بعلمه، فإن خالطوه قيموه بسلوكه، فأحبوه أو انفضوا من حوله (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).

 

التواضع: من مفاتيح القلوب وهو قبل كل شيء يزيد المسلم عند الله رفعة، وحسب الداعية ذلك.

 

*الضوابط الاجتماعية:

مخالطة النساء بالقدر المناسب: لمعرفة طبيعتهن وما يناسبهن، ولأن الإنسان يأنس بمن يعرف، وقبل هذا وذاك، لأن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.

 

تنويع الخطاب: بين الفقه والسيرة والرقائق وغير ذلك حسب طبيعة المدعوات وحاجتهن. والحرص على بث الإيمان في صفوف النساء، وربط حياتهن كلها بالله، فذلك وحده هو الكفيل بتغيير المنكرات التي تعتري مجتمعات النساء.

 

تفعيل المرأة: فتعلم أن لها دورا لا يقوم به غيرها، في بيتها ومجتمعها، واستيعابها في برامج تستفيد من إمكانياتها وإن قلت. فلكل مسلم كائنا من كان، صغيرا أو كبيرا، رجلا أو امرأة، عالما أو جاهلا، بل برا أو فاجرا، لكل ثغرة يسدها. ففي الهجرة، يخرج نبي الأمة - صلى الله عليه وسلم - وخليفته رضي الله عنه، فتمونه أسماء الفتاة، وعائشة الطفلة، ويعاين له عبد الله الشاب، ويخفي أثره عامر بن فهيرة الراعي. وفي الخندق يعمل الجميع، سلمان يخطط، وعلي يقطع رأس من يعبر الخندق، وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير يتحسسان أخبار بني قريظة، حتى امرأة جابر تصنع طعاما يبارك الله فيه فيكفي أهل الخندق، وحتى عبد الله بن الزبير الطفل يراقب من على سور الحصن، بل حتى عبد الله بن أم مكتوم الرجل الضرير يوليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إدارة أمور المدينة.

 

استنهاض الهمم: وإشعار المسلمات بأن عليهن من الواجبات ما يستغرق الأعمار، وإخراجهن من دائرة هموم المعاش إلى هم الأمة العام، وغمسهن في قضايا المسلمين الكبار، فلسن يعجزن من أن يجعلن لهم من دعائهن نصيب، أو أن يربين أولادهن على حب الدين والدعوة والجهاد.

 

تجميع الصفوف ونشر أدب الاختلاف: ولا شك أن المقصود ليس هو الاجتماع فقط، وليس هو كونك على شيء من حق فقط، ولكن المقصود الاجتماع على الحق، والله - تعالى - يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وألا يكون للتفرق لأهواء النفس وأعراض الدنيا

 

دربنا واحد فكيف افترقنا؟ *** لا يكن حظ نفسنا مبتغانا

نحن في الدين إخوة فلماذا *** يعتلي صوتنا ويخبو إخانا؟

ومراد النفوس أصغر من أن *** نتعادى فيـه وأن نتفانى

 

ضوابط أخرى:

الوعي: أولاً بحاجتها إلى الله وتقصيرها في حقه، والوعي بمواضع قوتها وضعفها، والوعي بمشكلات مجتمعها، والوعي بضرورة التضحية، والوعي بمخططات الأعداء وأساليبهم، وبدور المنافقين المنبثين في المجتمع، الذين يتمضمضون بالعبارات المطاطة، فإذا ما مس جسد الأمة قرح هبوا ليعمقوا الجراح.

 

التيسير والتدرج: وتلك وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرسوليه إلى اليمن- معاذ وأبو موسى الأشعري- قال لهما: (بشرا ولا تنفرا، يسرا ولا تعسرا). ولماّ بعث معاذاً - رضي الله عنه - إلى اليمن قال له: إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.

 

اغتنام الفرص: فترك الفرص غصص، والفرصة سريعة الفوت، بطيئة العود.

 

إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكون

 

عدم التأثر بضعف استجابة الناس: (إنما عليك البلاغ)، على المسلمة أن تدعو ملتمسة ما يناسب من وسائل، ثم تكل أمر الناس إلى رب الناس.

 

التفاؤل مهما اشتدت الأزمات: أيتها الداعية فري إلى الله وابذلي مافي وسعك ثم تفاءلي:

 

يا رفيق الطريق هون عليك *** لابـد مـن زوال المصاب

سوف يصفـو لك الزمان *** وتأتيك ظعون الأحبة الغياب

وليـالي الأحـزان ترحل *** فالأحزان مثل المسافر الجواب!

 

تلك لفتات أسأل الله أن ينفع بهن، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

  

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply